* القاهرة مكتب الجزيرة محمد العجمي:
«ان افريقيا هي قارة المستقبل وأنصحك عندما تكبر أن تنقل بعض نشاطك إليها .. إن فيها خيراً كثيراً تركناه للأوروبيين وقد آن الأوان لنساعد إخوتنا الأفارقة للإفادة من ثروات بلادهم».
هذه المقولة مقتبسة من كتاب «قراءة في كف افريقيا» تأليف رجل الأعمال السعودي المعروف علي حسين شبكشي تعكس مدى الاهتمام بالقارة السمراء فعلى الرغم من عمق الجذور التاريخية للعلاقات العربية الافريقية وتشعب جوانبها فان الجانب الاقتصادي ظل أضعف هذه الجوانب حتى أوائل السبعينات بالتحديد عام 1973 عندما أخذ التعاون العربي الافريقي أبعاداً جديدة حيث نشط الطرفان إلى إعطائه شكلاً مؤسسياً وذلك على المستويين الثنائي والمتعدد الأطراف فأنشئت عدة مؤسسات عربية مشتركة تتولى مسؤولية تقديم العون في مجال التنمية للدول الافريقية بصفة خاصة، كما أنشأت الدول العربية عدة صناديق للتنمية العربية لكي تدخل الدول الافريقية ضمن اهتماماتها التمويلية، غير أن هذه المساعي توقفت حتى بدأ الحديث عنها واجتمع العرب والأفارقة وخبراء الاقتصاد في ملتقى للتعاون الاقتصادي العربي الافريقي منذ أيام بدعوة من الجماهيرية الليبية في طرابلس.
لماذا افريقيا؟ وما هي سبل الاستثمار فيها؟ وما هو الخير الذي ينتظر العرب في هذه المنطقة؟.
الدكتور أحمد جويلي الأمين العام لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية يؤكد على ضرورة التكامل العربي الافريقي الاقتصادي فكلاهما يواجه نفس التحديات الداخلية والخارجية، والمشاكل واحدة متمثلة في البطالة وزيادة معدلات الفقر، كما يواجههما التوسع في إنشاء التكتلات العالمية، ومشاكل المديونية والعولمة وتطبيق اتفاقية الجات في مجال تجارة السلع أو تجارة الخدمات أو الملكية الفكرية وهي المشاكل التي تؤدي لتدهور معدلات التبادل التجاري. فالعلاقات العربية ضعيفة، ولا يوجد تكامل على النحو الذي يرضي تطلعات شعوبهما ومصالحهما المشتركة وما تضمنته قرارات القمة العربية الافريقية الأولى 1977م.
تقدم وتراجع
وكانت لهتين القارتين علامات بارزة على طريق التعاون الاقتصادي حيث تضمنت إعلاناً بشأن التعاون الاقتصادي والمالي نص على ضرورة تدعيم العلاقات التجارية بين البلدان العربية والافريقية وتشجيع الاستثمارات العربية في افريقيا، وتقديم المساعدات المالية والفنية لدول القارة وأنشأ المؤتمر إطاراً تنظيمياً لتنفيذ تلك القارات تتضمن إنشاء لجنة وزارية دائمة ومجموعة عمل ولجان متخصصة، وشهدت العلاقات الاقتصادية العربية الافريقية تطورات واسعة ما بين التقدم والتراجع.
ويشير الدكتور جويلي ان الملتقى الاقتصادي العربي الافريقي الأول جاء ليصحح الأوضاع الحالية من ضعف وتدن في العلاقات الاقتصادية ويظهر ذلك في المشاركين حيث ضم المؤسسات الاقتصادية والاستثمارية العربية والدولية منها بنك التنمية الافريقي، والمصرف العربي للتنمية في افريقيا، والاتحاد الافريقي، وتجمع الساحل والصحراء ومجلس الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، والأونكتاد، وصندوق المعونة الافريقية، واتحاد المستثمرين العرب، والمبادرة الافريقية الجديدة للتنمية في افريقيا «نيباد» والعديد من رجال الأعمال وأصحاب الشركات والمؤسسات الاقتصادية العربية من السعودية ومصر واليمن والسودان، والأردن، والكويت، وقطر، وتونس، والمغرب، وغيرها .. موضحا انه على الرغم من الثروات والطاقات التي تزخر بها القارة الافريقية فما زال العرب يترددون في توجيه استثماراتهم إلى القارة، فالعرب يعلمون جيدا أهمية افريقيا بالنسبة لهم في مختلف المجالات فهي الامتداد الجغرافي للعالم العربي بدون حواجز طبيعية وهي الامتداد الاستراتيجي المهم الذي يلقي اهتماماً كبيراً من أعداء العرب وامتداد اقتصادي مهم كأسواق للبضائع والخدمات، والمنتجات العربية، ومصدر مهم للخامات التي يقوم عليها الكثير من الصناعات، وقد وضع مجلس الوحدة الاقتصادية العربية منذ عام 2000 استراتيجية علمية مدروسة لدعم التعاون الاقتصادي العربي الافريقي في كل مجالاته إيماناً بإمكانية إقامة تعاون عربي افريقي يحقق التقدم الاقتصادي والاستقرار لشعوبه.
فريسة للضعف
وإذا كان التوجه العام نحو افريقيا فلا بد أن يؤخذ في الاعتبار أن العلاقات الاقتصادية العربية الافريقية والتي علقت عليها آمال كبيرة في دفع عجلة التنمية في الجنوب المتخلف لمواجهة الشمال المتقدم وقعت فريسة لعوامل الضعف خلال العقدين الماضيين، فنمط التبادل التجاري بين الدول العربية والافريقية متشابه ويعتمد على إنتاج الصناعات الأولية وتصديرها للدول الصناعية التي تحتكر الإنتاج العالمي والتكنولوجي المتقدمة.
لهذا فإن التجارة تصديراً واستيراداً متجهة إلى أسواق الدول الغربية بصفة رئيسية معززة بترتيبات مؤسسية وتنظيمية وسياسية راسخة ليبقى الهامش المتاح للتبادل التجاري بين العرب وافريقيا ضعيفاً ومتقلباً.
كما لا توجد بأي منهما قاعدة لنمو التبادل التجاري فيوجد تشابه بالموارد والمنتجات كما هو الحال بالنسبة للدول العربية والتي فشلت على ما يزيد من خمسين عاماً مضت في إقامة التكامل الاقتصادي العربي، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن الصادرات الافريقية للعرب لا تتجاوز مجموعة ضئيلة من المنتجات الغذائية والمشروبات، والجلود والأخشاب وهذا يتوفر في الدول العربية. وهذا ما تكشف عنه الأرقام حيث إن التجارة البينية لم تتجاوز حاجز 8% من إجمالي التجارة العربية بينما التجارة البينية الافريقية 6% فقط كما أن نصيب الدول العربية من الاستثمارات الأجنبية لم يتجاوز 2% عام 2000 ونصيب افريقيا وصل 1% فقط. 22% من إجمالي سكان العرب البالغ 62 مليون نسمة يبلغ متوسط دخلهم اليومي نحو دولار واحد بينما في افريقيا فان 350 مليون نسمة يبلغ دخلهم أقل من دولار يوميا، كما ان ديون العرب تبلغ 143 مليار دولار وديون الأفارقة تصل إلى 284 مليار دولار لهذا لا بد أن يكون هناك منظور للتكامل الاقتصادي العربي الافريقي غير التبادل التجاري خاصة في ظل صعوبة المواصلات وعدم وجود ترتيبات مشتركة للنقد والمدفوعات تسهل عمليات التبادل التجاري .. ولعلنا نتذكر أن الأزمة الاقتصادية الخانقة في أوائل الثّمانينات والتي تمثلت في تدهور التبادل التجاري في العالم، وأزمات النقد والتضخم العالمي والظروف البيئية السيئة كانتشار الجفاف بالإضافة إلى سوء الإدارة الاقتصادية والفساد الإداري والسياسي مما أدى إلى تدهور المؤشرات الاقتصادية.
حروب ومنازعات
ولا يفوتنا عند الحديث عن افريقيا انها شهدت من 1970 حتى 1998 أكثر من 30 حرباً معظمها داخل الدول وسجل عام 1996 وحده وقوع 14 نزاعاً مسلحاً تسببت في حدوث وفيات بلغ معدلها أكثر من نصف الوفيات في العالم الناجمة عن الحروب، وأدت إلى تدفق نحو 8 ملايين لاجئ في أنحاء القارة مما جعل جهود الأمم المتحدة تتراخى في التصدي لهذه النزاعات ومحاولة احتوائها ويذكر تقرير الأمم المتحدة ان المجتمع الدولي خذل افريقيا بعدم معالجة جميع أسباب النزاعات التي يكون بعضها خارجياً تغذية عوامل اقتصادية أو دول مجاورة أو لأسباب داخلية وهذا ما دفع إلى عقد قمة افريقية استثنائية في ليبيا سبتمبر عام 1999 لبحث سبل التعاون الافريقي وتسوية النزاعات القائمة وهذا أدى إلى ضعف النمو بافريقيا مما انعكس على حجم تجارتها بالعالم الخارجي.
استراتيجية المستقبل
وإذا كان الملتقى خرج كالعادة بتوصيات واستراتيجيات للتعاون العربي الافريقي يذكرنا بالاستراتيجية التي وضعت للتكامل العربي العربي منذ نصف قرن فقد اعتبر أن اجتماعه دوري يعقد سنوياً في الدول العربية والافريقية، والتنسيق بين المصارف وصناديق التنمية العربية والافريقية والاقليمية والدولية لتحديد الأولويات، تحقيق الاستفادة من الموارد وحسن استثمارها وإقامة شركة عربية للأعمال الإلكترونية، وأخرى للتجارة الإلكترونية، وتطوير الموانئ، وشبكة الطرق والسكة الحديدية، وإعداد خريطة استثمارية افريقية لاستقرار الفرص الاستثمارية في افريقيا، وغيرها من التوصيات.
فالعلاقات العربية الافريقية لا بد أن تأخذ في اعتبارها العوامل التاريخية التي مرت بها والتي تعمل على إضعاف هذه العلاقات أو تهميش العلاقات الاقتصادية بين الطرفين العربي والافريقي وتحسين هذه العلاقات يتطلب تغيرات ضخمة في الهياكل الاقتصادية والأطر المؤسسية، وفي اتجاه يخلف نوعا من التكامل بين اقتصاديات هذه الدول يتحقق من خلال وجود مصالح ومنافع متبادلة وهذا يتطلب تكاليف اقتصادية ضخمة بطيئة العائد وذلك لبناء طاقات إنتاجية جديدة في الدول الافريقية والعربية قادرة على التصدير واستغلال الموارد المتاحة، وتحقق فيها خصائص التكامل فيما يتعلق بالمستخدمات الإنتاجية وبالأسواق وهو ما يحتاج إلى استثمارات هائلة والأمر الثاني لإحداث تغيرات إيجابية في التعاون الاقتصادي العربي الافريقي وهو وجود إدارة سياسية قوية ورشيدة قادرة على تحديد الأهداف وصياغة الخطط والسياسات اللازمة لتنفيذ تلك التغيرات الصعبة العالية التكلفة خاصة وان الاعتبارات السياسية ضرورة لتحقيق الأمن العربي حيث إن 70% من السكان العرب في 10 دول عربية ينتمون إلى القارة الافريقية.
وهناك روابط جوار جغرافي بالغة الأهمية بين الدول العربية والافريقية، وما يمكن أن تشيره هذه الروابط من مشكلات سياسية مثل المشكلات القائمة في منطقة القرن الافريقي وما تحمله من تأثيرات مباشرة على الأمن العربي في الركن الشرقي من القارة الافريقية والنزاع الموريتاني السنغالي في ركنها الغربي وغيرها.وخلاصة ذلك أن مفتاح الدخول لافريقيا يتمثل في الاستثمار طويل المدى خاصة في مجال الزراعة والصناعات الغذائية لتحقيق الأمن الغذائي لتصل المساحات القابلة للزراعة 200 مليون هكتار لا يستغل منها الا حوالي 60 مليون هكتار فقط وغيرها من مجالات الاستثمارات والاستفادة من الاستقرار النسبي في افريقيا.
|