على الصحافة أن تتعرض إلى تفاصيل مشاكل المجتمع وتعايش هموم المواطنين وتتبنى قضاياهم بصدق وشفافية، لتكون المرآة التي تعكس متطلباتهم كافة وتعرض آراء واقتراحات المواطنين إلى المسؤولين، لأنه يتعذر عملياً مقابلة ولي الأمر لكل مواطن، الرأي الفردي أو الصوت الواحد يظل ناقصاً ويحتاج إلى تمحيص فهناك أمثلة لاتحصى تعرض تجارب تسلط الرأي الفردي على المجتمع، تشير إلى عدم صلاحية هذه التصرفات التي كلفت الدولة والمجتمع الكثير مقابل مردود لايذكر، تعاني بعض المرافق من المشاكل والأزمات بسبب سيطرة المركزية ومبالغة المسؤول في الثقة المفرطة بنفسه أو بفئة معينة حوله مما يؤدي إلى عدم مشاركة الآخرين وسماع الرأي الآخر وغياب آراء الخبراء والمختصين الذين يقدمون رؤية مبنية على خلفية علمية وخبرة عملية لذلك تصبح القدرات البشرية بعضها معطل والبعض الآخر مجرد أدوات تتحرك في الاتجاه الذي يراد لها أن تتحرك فيه، تعاني الأجهزة الحكومية من هذه الفئة ذات الفكر التسلطي التي تؤثر سلبيا في العمل، وعليه فإن عملية الإصلاح لايعني فقط إزالة روتين معوق للتطور أو تعديل أنظمة بالية وإنما يشمل أيضا تغيير من ترعرعوا عليها ويصعب عليهم التخلص منها وإحلال الذين يؤمنون بإسلام يفرق بين الصالح والطالح ولايفرق بين كبير وصغير أو نسيب وبعيد، الوطن يزخر بالمؤهلين الذين لايصعب عليهم قول «لا» في المواضع التي لا تستحق قول نعم، إذا أراد المسؤول أن يعرف ويتأكد من مدى سلامة توجهه وطرحه، عليه أن يسمع الرأي الآخر ولايكتفي بسماع المؤيدين الذين لايضيفون شيئاً على ما لديه، المشاركة تجسيد للوطنية وتفعيل لدور المواطن، احترام الرأي الآخر سلوك حضاري والخطوة الأولى للتطور والتقدم وبداية العمل المنتج والتعاون المثمر، قد يحدث -وهذا أمر طبيعي - أن تختلف الاجتهادات وتتباين وجهات النظر غير أنه ليس من الطبيعي أن نضيق بأي وجهة نظر نختلف مع صاحبها كيف يستطيع المواطن أن يمارس وطنيته بشكل صحيح إذا لم يعبر عن رأيه بأسلوب واضح وصريح، لذلك لايحق لموظف أو مسؤول حريص على مصلحة المجتمع، سواء كان في الجهاز أو في الصحافة وأياً كانت مؤهلاته ومسؤولياته ان يقف عائقاً دون نشر اقتراحات المواطنين وايصال همومهم للمسؤولين ولقد أدرك معالي وزير المياه الدكتور غازي القصيبي أهمية الرأي الآخر حيث ان ذلك جزء من نموذجه ونسيجه وثقافته، فبادر بالتوجه إلى تشكيل هيئة استشارية من الكفاءات والخبرات والمتخصصين من الجامعات والقطاع الخاص لمشاركته في إدارة هذا القطاع المهم، وليت المسؤولين الآخرين من وزراء ومحافظي المؤسسات وأمناء المحافظات يقتدون به.
القرارات التنموية الاستراتيجية لا تبين أثرها ولا تظهر عيوبها إلا بعد مرور دورة اقتصادية، فأزمة الخدمات والمرافق ترجع جذورها إلى الثمانينات من القرن العشرين الميلادي، حيث كان العالم المنفتح ذو النظرة المستقبلية Future Oricnted متجهاً نحو الخصخصة وتفعيل دور القطاع الخاص وزيادته، بينما بعض الأفكار ذات النظرة الآنية، كانت تتجه بسرعة واندفاع عكس هذا التوجه نحو ترسيخ التشغيل الذاتي، الذي حقق بعض المكاسب الوطنية التي لا تنكر ولكن لاتكاد تذكر وكان يمكن تحقيقها من خلال القطاع الخاص، كما أنه لم يستطع الصمود أمام المتغيرات والدورات الاقتصادية مما أوقع المجتمع في أزمات مالية ونقص الخدمات والمرافق ونحاول الآن ان نضع اللوم على المجتمع بأنه هو سبب الأزمة التي تعاني منها بعض المرافق والخدمات، نحمل المواطن أخطاء في التخطيط والارتجال وعدم مواكبة المستجدات والمتغيرات الإدارية والتنظيمية والاقتصادية والاندفاع والمبالغة والإسراف في توجهات قاصرة النظر وطروحات لا تصمد أمام المتغيرات ولا تؤتي أكلها كل حين، بينما الحكمة والنظرة الاقتصادية المتأنية، كانت تقتضي إتاحة الفرصة للقطاع الخاص كي يحبو وينمو حتى يكبر تدريجياً ليكون جاهزاً ليخدم المجتمع عند الحاجة له. لا نبالغ في طرح الأفكار واستثمار كل الأدوات والفرص لعرضها على أنها الحل السحري والأسهل للمشكلة أو الأزمة القائمة.الترشيد واجب ديني ومطلب اقتصادي وسلوك حضاري للمحافظة على الموارد سواء كانت المالية أو الطبيعية أو المائية لكن لانبالغ في طرح استبدال السيفونات على أنه الحل السحري لتوفير المياه ومصدر من مصادر توفير مبالغ ضخمة لقطاع المياه وتغيب عنا قنوات كثيرة قد تأتي السيفونات في نهاية القائمة، يمكن من خلال ترشيد الإنفاق عليها توفير مبالغ ضخمة للخدمات والمرافق، معرض أدوات السباكة والترشيد ليس حلا لأزمة المياه ولكنه جزء من المنظومة لاينبغي أن تطغى أهميته على الجوانب الأخرى فقطع الغيار ومعدات محطات التحلية لها عمر يقدر بساعات تشغيل لابد من استبدالها ومحطات التحلية نفسها إذا تجاوزت عمرها الافتراضي يصبح تشغيلها مكلفاً إذ لابد من العمل على تجديدها وإحلال محطات جديدة محلها، لابد من العمل على توفير مخزون استراتيجي من المياه لمواجهة الطوارئ، لابد من إنشاء محطات تحلية لتغذية المناطق التي تعاني من نقص المياه الصالحة للشرب، هذه تحتاج إلى توفير مبالغ ضخمة وإلى وقت لإنجازها، لابد من العمل على وضع حد من نزف الزراعة للمياه، ومعالجة نزف الشبكات لخفض تسرب المياه من الشبكات الذي يصل إلى 40%.. رأيت بعيني انفجار انبوب يقدر قطره بحوالي 20 بوصة نزفت منه المياه قرابة ثلاث ساعات حتى وصلت فرقة الطوارئ، هذا الانبوب لم ينفجر فجأة وإنما كان يئن من الصدأ والتآكل وأصيب بنزيف داخلي قبل ان يشتكي أمره ويعرض ما آلت إليه حاله للمسؤولين. القول إن استبدال السيفونات كفيل بتوفير هذه الكميات الضخمة من المياه وتوفير المبالغ الضخمة لحل هذه الأزمة من باب المبالغة واستثمار خدعة الأرقام وعلم الحساب وأساليب المحاسبة، كيف تنجح جهود الترشيد، طالما الذين يدعون للسياحة الداخلية يقضون إجازاتهم خارج المملكة، والذين يتحفظون على تعليم اللغة الانجليزية، يعلمونها لأولادهم في المدارس الخاصة، والذين يطرون تطور المرافق الصحية يتلقون العلاج في الخارج، والذين يدعون إلى ترشيد نفقات وحفلات ومهور الزواج لايلتزمون بها، تنجح جهود الترشيد في الدول التي يكون الترشيد فيها جزءاً من النموذج الاقتصادي والإداري وثقافة المجتمع وتربيته وسلوكياته، ويطبق الترشيد على جميع جوانب وأنشطة وفعاليات حياتهم ويلتزم به كل مستويات وشرائح المجتمع.أما بالنسبة إلى التعرفة فإن هناك جوانب اقتصادية واجتماعية تتدخل في تحديدها منها الحالة الاقتصادية والسيولة المالية في المجتمع، لذلك ليست بالضرورة ان تعكس التكلفة، فهي تدخل ضمن الضرائب غير المباشرة حيث انها تستقطع جزءاً من دخل المجتمع وتؤثر في السيولة في الاقتصاد، وذلك له تأثير في الطلب الفعال Effective Demand الذي بدوره يؤثر في الاقتصاد ركوداً وازدهاراً ونلاحظ ان الاقتصاديات الكبيرة تحاول توفير السيولة للمجتمع حتى يتحرك الطلب الفعال وذلك من خلال خفض الضرائب وخفض سعر الفائدة وعليه فإن قرار التعرفة من القرارات التي تظهر تأثيرها الاقتصادي بعد حين، أما في حالة رفع الدولة يدها عن هذا المرفق وتركه كلية للقطاع الخاص فإن المنافسة وآلية السوق والعرض والطلب تتدخل في تحديد السعر، وحتى لايختطف القرار من قبل غير المختصين والمتخصصين كما حصل في قرارات أخرى، فقد بادر صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني -حفظه الله- بإحالة ملف التعرفة إلى وزارة المياه لدراستها بأسلوب علمي ومنهجي آخذاً في الحسبان جميع جوانبها الاقتصادية والاجتماعية والترشيدية.
|