Saturday 9th November,200210999العددالسبت 4 ,رمضان 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

لما هو آتً لما هو آتً
إلى دار السلام
خيرية إبراهيم السَّقاف

حين ناشد المفكرون المثاليون أن تكون هناك مدن «فاضلة»، يكون فيها الإنسان متعايشاً مع المُثل، في نعيم لا ينفد، وسلامٍ لا يتبدَّد، سلام مع النفس وسلام في العمل، وسلام مع الآخر.. فإنَّهم ينطلقون من فطرة اللَّه تعالى في خلْقه مهما تفاوتت عقائدهم ومهما اختلفت بهم الأزمان... ذلك لأنَّ الحياة دون فضيلة السلام، وقيمة المسالمة، ومبدأ التسليم، ومنطلق الاستسلام لا يتحقق لها نتيجة الاطمئنان، ولا تزرع بذور فيها الفضيلة القائمة على سلام الحياة التي قدَّر خالق هذا الكون العظيم سبحانه وتعالى أن يجعل من السلام مرتعاً للبشر، ولكلِّ ما خلق أمامهم وحولهم ولهم من آياته كي لا يكون الاستسلام إلاَّ له، ولا التسليم إلاَّ لما يريد ويبغى، فوصف نفسه تعالى بالسلام، وأسمى نفسه تعالى بالسلام، وأرسل رسله وأنبياءه للسلام، وختم دياناته على الأرض بالإسلام قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ} [آل عمران: 19] ـ ثمّ بعد نشره وتوطيده، وإنفاذ رسالته على الأرض قال تعالى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً } [المائدة: 3] ـ ثمَّ قرر تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85] .
والذين يُسْلمون ويُسَلِّمون يَسْلمون...
ذلك لأنَّ «السلام» مطلب الفضيلة في الأرض...
الإنسان «السلام» مع نفسه، ومع غيره، في انفراده، وفي جماعته، بين أهله وخاصته، وبين من هم أبعد وأقرب، وأبعد فأبعد يكون رسولاً للسلام باذراً للسلام، متسالماً بالسلام... تمضي به، ومعه، دفَّة الحياة في سلام... فتسلم الحياة به فكيف حال المتسالم مع نفسه،
والمتسالم مع غيره؟
والمتسالم في حياته؟
أليس به يكون سلام الحياة، ويسلم الناس به ومعه...؟
فالمتتبع والمتفكِّر في الحروف الثلاثة : (س ـ ل ـ م) كما وردت في القرآن الكريم يجدها في أربع وأربعين صيغة لُغوية جاءت في صيغها المختلفة تركيباً في (157) آية من آيات هذا السفر العظيم، دستور الخلْق، كلُّ الخلق وأوَّلهم من اتبع الإسلام قال تعالى {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ} [آل عمران: 19].. و: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ} [الأنعام: 125] .
ولولا أهمية السلام للإنسان، وللحياة...
لما خُتمت الديانات بالإسلام، كما بدأت به: {َما كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً} [آل عمران: 67] وإبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء وخليل السلام. فإن كان السلام هو التحية الأولى بين المرء والآخر في مركب الإسلام...، وإن دعا رسوله صلى الله عليه وسلم إلى إفشاء السلام، وإن بُني مصير الأمة الإسلامية على السلام {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [الأنفال: 61] ووَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً} [النساء: 94] وإن أثيب الصابرون على صبرهم بدار السلام {سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارٌِ} [الرعد: 24] {لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون} [الأنعام: 127] و{ِواذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 54] ... وإن بدأت الصلاة بالسلام، واختتمت بالسلام، وإن قوبل المرء بالسلام، وُودِّع بالسلام...
أفلا يكون السلام هو مناط الفضيلة وقيمة الوجود ومآل الخلود؟....
فكيف تصفو الحياة للإنسان دون أن يكون بدءاً مسلماً مسلِّماً مستسلماً لربه، ومسالماً متسالماً مسلِّما على خلقه؟
ومسالماً مع نفسه؟
وسلاماً على كلِّ المسالمين...
أولئك الذين خوطبوا في القرآن الكريم في صيغ آيات السلام جميعها مفرداً، وجمعاً، وجماعات وفي أزمنة أفعال الآيات حاضراً وماضياً ومستقبلاً، وأمراً من اللَّه تعالى بالسلام، وفي أوضاع الإنسان حاضراً وغائباً وفرداً، ومثنَّى وجمعاً....
متكلِّماً ومخاطَباً، لمناشدة السلام في الأرض... وليكونوا رسل السلام؟
لا يظلمون فلا يُظلمون...
ولا يعتدون فلا يُعتدى عليهم
في حياتهم الخاصة وفي مجتمعهم العام وفي كلِّ أوضاعهم وحالاتهم مع كلِّ أزمنتهم وفيها فمن الذي يتفكَّر في لفظ: السلام وهو يتعامل معه كلَّما قابل آخر، أو ودَّعه؟ وكلَّما صلى وسلم على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، في صلاته وذكره، وكلَّما بدأ صلاته وختمها؟...
وكلَّما هبَّت عليه ريح القلق، وواجهه ظلام البشر، ناشد السلام أن يُسَلِّم،
وداعبته أحلام السلامة؟...
اللَّهم ياسلام أدم علينا السلام فضيلة ننجو بها إلى دار السلام.
*** المرجع للآيات: المعجم المفهرس لآيات القرآن ص.ص 355 ـ 358

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved