Saturday 9th November,200210999العددالسبت 4 ,رمضان 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

يارا يارا
الكتاب الصيني
عبدالله بن بخيت

تنتشر ظاهرة (دق اللطمة) في رمضان، فتراه يطل عليك من خلف شماغه وعيناه تتقدان بشيء يشبه المرارة والحنق، رغم أنني أشمئز من تلك النظرات إلا أنها تبقى شأناً شخصياً، فمن حق كل إنسان أن يدق أي لطمة يشاء طالما لا تتوفر على اعتداء على الآخرين، ولكن هذه اللطمة مع الأسف تخفى وراءها شعوراً عجيباَ ينعكس على الآخرين دائماً، فهذا الذي يدق اللطمة يحاول أن يعلن للناس أنه صائم، تجده يمثل دور (المعفول والمعفوس) والمتوتر (واللي) فمه ناشف ولذلك يجب على الآخرين الابتعاد عنه وإفساح الطريق له والتعاون معه في كل ما يريده، كأن الصيام مأثرة شخصية تحتاج إلى إعلان ليأخذ مكافأتها، يزمر بالبوري بسبب وبدون سبب سواء أمام مسجد أو مدرسة أو مستشفى وعليك أن تفتح له الخط كما يريد، وله الحق أن يتجاوزك (ويعفط) السيارة عليك، وله الحق في تجاوز إشارة المرور، أما إذا حان وقت الصلاة وهو في سيارته فهنا تتضاعف حقوقه لأنه صائم ويريد أن يصلي.
في أحد الرمضانات الماضية كنت في طريقي وشاهدت شاباً ينزل من سيارته ويتركها في منتصف الطريق، فقلت له قبل أن يبتعد: يا أخي لو سمحت أوقف سيارتك في مكان صحيح حتى لا تعطل الناس، فقال: «ما تشوفني أبي ألحق على الصلاة» سَكَتْ.. وشْ أقول؟؟َ!! وهذا الصنف كثير وخاصة بين الشباب، يرى أن أداءه لواجباته الدينية امتياز خاص يمنحه حقوقاً فوق الآخرين، أظن أن هذا ليس له علاقة بالإحساس الديني، ولكنه وثيق الصلة بمسألة التمدن، فكل شيء مكبوت في داخل الإنسان ينتظر المناسبة حتى يعبر عن نفسه ولا يتخلف التخلف عن ذلك.
قرأت قبل فترة أن الحكومة الصينية أصدرت كتاباً يعلم مواطنيها التمدن، فوجئت بهذا النوع من الكتب، حاولت أن أحصل على الكتاب لأقرأه ولكني فشلت لأن الكتاب باللغة الصينية فقط.
هذا الكتاب كما عرفت لا يعلم الناس قراءة الكتب، ولا يعلمهم البروتكولات الرسمية أو اقتناء السيارات الفاخرة والملابس الأنيقة والعطورات، ولكنه حسب ما سمعت يعلم المواطن كيف يأكل بالملعقة، وكيف يستخدم الحمام بطريقة صحيحة، وأن يقول للناس شكراً إذا قدموا له خدمة مهما كانت، وأن يعتذر إذا أخذ شيئاً أو ارتكب أي خطأ، وأن يعمل حساب الآخرين في تصرفاته العامة، فإذا دخل حماماً عاماً عليه أن ينظف مخلفاته احتراما للذي بعده، يعني مثل ما يفعل أهل لندن «الإنجليز طبعاً وليس الوافدين».
في عام 1976م صادفت أول تجربة صدمتني في لندن، حتى الآن وأنا أعيشها وعاجز عن تجاوزها، كنت في تاكسي نقف عند إشارة مرور (وولعت) الإشارة الخضراء فلم يتحرك سائق التكسي وعادت وولعت حمراء ولم نتحرك إلا بعد أن عادت مرة أخرى وولعت خضراء، استغربت! فسألت السائق: (ليه) تأخرت؟ فقال ما تشوف أمامك هناك عند الإشارة التالية زحمة وإذا رحت هناك أخنق المرور وأعطل الناس وأعطل نفسي، لم يكن هذا الملمح في عقلي ولا في ثقافتي رغم أنني خريج جامعة هو مجرد سائق تكسي، على فكرة سائقو التكاسي في لندن من أجهل الطبقات في بريطانيا، ولكن الشيء الذي عرفت بعد سنوات أنه لا تعارض بين ان تكون جاهلاً وأن تكون متمدناً في نفس الوقت، ولا تعارض بين أن تكون متعلماً وهمجياً في نفس الوقت، فالعلم وحده لا يجلب التمدن، فالقضية ليست في التعليم ولكن في التمدن الذي ينطلق أساساً من شيء يقال له بالإنجليزي «CMMON SENSE» أظن ترجمتها «الحس السليم». أترك ترجمتها الدقيقة لجاري العزيز الدكتور فارس الغزي الضليع في اللغة الإنجليزية مع التحية والتقدير.
كل عام وأنتم بخير.

فاكس 4702164
YAYA4U2@HOTMAIL.COM

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved