* الرياض - مندوب الجزيرة:
تعتبر مهنة المقاولات الإنشائية من أقدم المهن، إذ بدأت منذ سكن ابن آدم الأرض واحتاج إلى سكن يؤويه.. وتطورت المهنة على مر الأيام حتى أصبحت في زماننا من أهم المهن وأعقدها. فلا عجب ان تدرس الجامعات عشرات التخصصات من العلوم المرتبطة بهذه المهنة من مختلف تخصصات الهندسة إلى الإدارة فالتنظيم والمحاسبة وغيرها..وبحكم ما مرت به بلادنا من تطور عمراني وحجم ما نفذ على مدى الثلاثين سنة الماضية من بنية تحتية ومرافق ومنشآت كلفت مئات البلايين من الريالات فقد ساعد هذا على نشأة قطاع كبير هو قطاع المقاولات وقد تطور ونما حتى وصلت مساهمته في الناتج المحلي للمملكة في المرتبة الثانية، أي مباشرة بعد قطاع النفط.
من هذه الاعتبارات الهامة التقت «الجزيرة» بالمهندس ناصر محمد المطوع بصفته أحد رجال الأعمال السعوديين البارزين، المعروف بنشاطاته العديدة في مجال المقاولات والتشغيل والصيانة والاستثمار والصناعة إضافة إلى مساهماته المتعددة في مجال العمل الخيري والاجتماعي.. وكتاباته في الصحافة.. وبدأنا بالسؤال التالي:
ناصر المطوع
* إلى أي مدى تأثر قطاع الأعمال في المملكة بالتطورات العالمية مابعد أحداث 11 سبتمبر..
- لاشك ان العالم كله تأثر بهذه الأحداث وما تلاها من تطورات.. ونحن في المملكة العربية السعودية لنا علاقات قديمة مع الولايات المتحدة الأمريكية وليس من مصلحتنا حاليا ولا مستقبلا ان نكون على عداء مع أقوى دولة في العالم مثل هذه الحالة سوف تؤثر سلبا وبشكل كبير على اقتصاد المملكة وعلى جوانب الحياة الأخرى وأرجو ان نجد الوسائل الملائمة لإطفاء هذه النار التي يحاول الصهاينة ان يؤججوها بكل ما لديهم من إمكانات.
* ما هي نظرتكم إلى المستقبل الاقتصادي للمملكة؟
- كما هو معروف المملكة دولة بترولية ويعتمد اقتصادها في الأساس على البترول، وبمثل ما هذه الحقيقة هي نعمة فإنها تجعلنا في وضع غير مريح.. ولا داعي للخوض في التفاصيل المعروفة إلا اننا إذا أردنا ان يكون لدينا اقتصاد قوي فإننا يجب ان نبحث عن مصادر أخرى ونجري الكثير من التغيير في مجريات حياتنا.. وما تضمنته الخطط الخمسية فيه الدواء الناجع الكفيل بخلق اقتصاد متنوع المصادر والمرتكزات.. ولكن الخطط والتقارير شيء والتنفيذ شيء آخر.
* هل يفهم من هذا أنكم غير متفائلين؟
- كلا.. أنا لست من المتشائمين.. ولكن أحب أن أذكر القائمين على الوزارات ومن في يديهم مسؤوليات التشريع والتنفيذ، بالحكمة التي تعلمناها في الصغر «الوقت كالسيف ان لم تقطعه قطعك» وأذكرهم بظهور نظرية جديدة تقول: ليس السمك الكبير الذي يأكل السمك الصغير ولكن السمك السريع هو الذي يقضي على السمك الكبير..».
فكم خسرنا بسبب تأخرنا في الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية.. وكم خسرنا لأننا تأخرنا في فتح باب السياحة.. وكم خسرنا بسبب عدم الترخيص الجامعات الأهلية..
ونحن مازلنا نتناقش ونتجادل هل نخصخص وماذا نخصخص في الوقت الذي وصل فيه العالم إلى مرحلة ما بعد الخصخصة... ومازالت طاقة استيعاب جامعاتنا للمهندسين والفنيين والممرضين محدودة للغاية.. وما زلنا نتجادل ونهدر الوقت الثمين جدا في مسألة جدوى تدريس اللغة الانجليزية من عدمه.. ونحن مازلنا نعمل بنظام المشتريات الحكومية الصادر في 17/4/1397هـ ومازلنا نعمل بنظام العمل والعمال الصادر في 6/9/1389هـ ولكي تصدر أنظمة جديدة نحتاج إلى مالا يقل عن خمس إلى عشر سنوات تكون حالة الاقتصاد العالمي خلالها قد مرت بمراحل وسبقتنا بأجيال.
صحيح ان ما حققناه خلال السنوات الماضية هو شيء عظيم وكبير بكل المقاييس ولكن المشكلة ان قطار الاقتصاد العالمي يسير بسرعة فائقة.. والمسألة نسبية.. فإما ان نضاعف من جهودنا وسرعتنا وإلا فإن الفجوة بيننا وبين العالم المتحضر ستتسع بشكل يستحيل تدراكه..
* بودنا ان نركز على وضع قطاع المقاولات بما في ذلك التشغيل والصيانة كيف تسير السعودة في هذا القطاع؟
- الواقع ان السعودة هي في صالح القطاع ولكن المشكلة تكمن في عدم إقبال كثير من السعوديين على مهن مثل: عمال وبنائين وسباكين وحدادين وأمثالها.. وهذه المهن هي التي تمثل النسبة العظمى من عمالة هذا القطاع.. أما بالنسبة لأعمال التشغيل والصيانة.. فلا يخفى على أحد ان اعداد المهندسين السعوديين وكذلك الأطباء والممرضين والفنيين في التخصصات الدقيقة مثل فني أجهزة كمبيوتر وأجهزة الكترونية وأجهزة أشعة وما شابه ذلك أعداد السعوديين في هذه المهن قليلة جدا ونظرا لقلة الأعداد التي تخرجهم الجامعات والمعاهد السعودية. ومعظم المتخرجين تقريبا تستوعبهم وظائف الحكومة التي يفضلها السعوديون على وظائف القطاع الخاص.. من هذا المنطلق فإن إمكانية تحقيق نسب مقطوعة بشكل إجمالي هو أمر من الصعوبة بمكان ولكن وزارة العمل أحسنت صنعاً حين درست سوق العمل بشكل دقيق وتشاورت بشكل مكثف مع ممثلي القطاع ثم أصدرت التعليمات بقصر التوظيف في مهن معينة على السعوديين 100%.. هذا إجراء لا غبار عليه. ونرجو ان يطبق على القطاعات الأخرى وخاصة قطاع التجارة.. وبحكم مشاركتي في عدد من اللقاءات التي اهتمت بموضوع السعودة فإنني يجب ان أسجل تقديري وإعجابي بالأسلوب المنهجي السليم الذي اتبعته وزارة العمل ممثلة في معالي الوزير وسعادة وكيل الوزارة للعمل وتمخض عن التعليمات الأخيرة التي نرجو ان تؤتي ثمارها خيرا وبركة على هذه البلاد وأبنائها وبناتها بمشيئة الله.
ولكني لابد ان أؤكد على أهمية ترسيخ قيم العمل الايجابية لدى العمالة الوطنية والتركيز على ان يكون استيعاب العمالة السعودية في إطار من النمو الاقتصادي.. وان نستفيد من تجاربنا السابقة في أرامكو وسعودة قطاع التعليم.
* نشر مؤخراً ان مجلس الشورى يبحث وضع ضرائب على دخل الأجانب في المملكة ماهو تعليقكم على ذلك وإلى أي مدى سوف يؤثر هذا القرار على قطاع الأعمال وخاصة قطاع المقاولات؟
- من المعلوم ان كثيرا من الأجانب وبالذات الغربيين المؤهلين تأهيلا عاليا لايتركون بلادهم لأنهم يجدون فيها الوظائف والأعمال ومن يترك بلاده يبحث عن بلاد تهيئ له الحرية والخدمات التي يجدها في بلاده، ولهذا فإن معظم الأجانب الذين يعملون في المملكة ليسوا على درجة عالية من التأهيل مقارنة بزملائهم الذين يعملون في بعض دول الجوار، إضافة إلى هذا فإن معظم الأجانب المتواجدين في المملكة لم يقبلوا بالعمل هنا إلا بالاغراء المادي، وإني أجزم أنه متى ما بدأنا بتطبيق الضرائب على الأجانب فإننا سنخسر أفضلهم وسيكون لهذا مردود سلبي على قطاع الأعمال والخدمات بصفة عامة ومن الملاحظ اننا دائما نسمع ونقرأ التعليقات بأن الأجانب يحولون إلى بلادهم مئات الملايين من الدولارات ويتبع هذه التعليقات لوم رجال الأعمال والتشكيك في وطنيتهم.. وأنا أقول ماهو ذنب رجال الأعمال في هذا.. إذ انه لو ان النظام سمح للخمسة ملايين أجنبي الموجودين بيننا بالاستثمار في السوق المالي أو العقار أو التجارة ووضعت الأنظمة الجيدة لذلك لفضل الكثير منهم استثمار أموالهم هنا بدلا من تحويلها إلى بلادهم.. ولكن المشكلة اننا مقفلون الأبواب أمامهم ثم نلوم القطاع الخاص.
إنني أدعو مجلس الشورى بدلا من دراسة فرض ضرائب على الأجانب أن يستبدل ذلك بدراسة افضل السبل لتشجيع الأجانب العاملين في المملكة على الاستثمار وصرف جزء من دخلهم في المملكة.
* أيضا درس مؤخراً في مجلس الشورى موضوع تشغيل المستشفيات ويبدو ان هناك توصيات بأن يكون تشغيل جميع المستشفيات ذاتيا بواسطة الوزارات فما هو رأيكم في ذلك؟
- بالطبع القطاع الخاص لايتفق مع هذا الرأي مطلقاً وسبق ان كتبت في الصحف وصرحت برأيي كما فعل غيري...
القطاع الخاص يرى في هذا التوجه ارتداداً إلى الخلف وهو ضد مبدأ الخصخصة ويعاكس اتجاه الاقتصاد العالمي.. إذ انه من المعلوم ان مبدأ قيام الإدارة الحكومية بإدارة المنشآت أو تنفيذ الأعمال هو المبدأ الذي قام عليه النظام الشيوعي وأدى إلى انهياره.. والإدارة الحكومية تضع الخطط وتضع المواصفات وتؤهل شركات القطاع الخاص وتمول المشاريع وتشرف على حسن التنفيذ وتعاقب المسيء.. هذه هي مهمات الإدارة الحكومية ومسؤولياتها فيما يخص الأعمال أما التنفيذ فلابد ان يترك للقطاع الخاص.. ومن الخطأ ان تقوم الحكومة بتنفيذ أي أعمال يمكن أن تؤدى بواسطة القطاع الخاص.. هذا ما نصت عليه الخطط الخمسية.. وللأسف أن يكون هناك توجه لهدم الشركات والمؤسسات السعودية المتخصصة في مجال التشغيل وان تتحول الحكومة إلى مقاول تنفيذ مشاريع.
لقد أجرت الحكومة الأمريكية الدراسات الدقيقة والمحكمة وظهرت لها الحقيقة الدامغة وصدر بسببها تشريع رئاسي أمريكي نصه:
(لقد وقعت أمرا رئاسيا بتشجيع القطاع الخاص لتولي تقديم الخدمات التي تقوم بها حاليا مؤسسات حكومية.. لقد أوضحت العديد من الدراسات ان الحكومة يمكن ان تحقق وفورات في حدود 30 - 40% إذا أوكلت بعض الأعمال للقطاع الخاص، وإذا ما اتجهت كل الوكالات الحكومية لنظام التعاقد مع شركات الخدمات يمكن للحكومة ان توفر سنويا مبلغ 7 بلايين دولار. الرئيس رونالد ريغان في 25 يناير 1988م).
ولهذا تحولت أوروبا وروسيا وشرق أوروبا والآن الصين وجميع الدول المتقدمة إلى شركات القطاع الخاص لتنفيذ مختلف الأعمال.. حتى السجون أعطيت إدارتها إلى الشركات.
* ولكن توجه الوزارات إلى تشغيل المستشفيات ذاتيا سببه اخفاق الشركات في ذلك؟
- من الظلم ان نعمم ونحكم على التجربة كلها بالفشل.. ولا أريد ان أنفي التهمة بشكل قاطع عن الشركات ولكن في الواقع ان مسؤولية نجاح التجربة أو فشلها راجع للجهات الحكومية. فلكي تضمن نجاح تشغيل أي منشأة بواسطة شركات فإن الإدارة الحكومية مطالبة بثلاث مهمات أساسية، ملخصها: ان تضع مواصفات دقيقة وسليمة وان تؤهل الشركات بشكل سليم بحيث لاتسمح للشركات غير المؤهلة بأن تشترك في المنافسة من الأساس ثم ان يكون لديها جهاز إشراف إداري وفني مؤهل وأي خلل في أي من هذه المهمات الثلاث ستكون نتيجته الاخفاق.
ولكن متى تم تنفيذ هذه المهمات بشكل سليم فلا مجال للاخفاق مطلقا لأنه حتى ولو أخفقت شركة ما وكان اشراف الحكومة مؤهلاً وقوياً فإنه بإمكانه استبدال الشركة بغيرها.. ولانحكم على التجربة بالكامل بالفشل.
* وما تعليقكم على نجاح بعض الجهات الحكومية في إدارة مستشفياتها؟
- لدينا بفضل الله رجال إدارة على كفاءة عالية لو استلموا أي مسؤولية لنجحوا فيها.. وأنا أعرفهم وشاهدت نجاحاتهم وما قدموه من أعمال جليلة للمنشآت الصحية التي يشرفون عليها.. ولكن السؤال كم عدد هؤلاء الرجال؟ وهل لدينا منهم بعدد منشآت وزارة الصحة؟
أيضا أقول اني على ثقة ان هؤلاء الرجال المتميزين لو ركزوا على التخطيط والتطوير والبحث والاشراف ووفروا الوقت الذي يقضونه في تعيين طبيب أو ترقية ممرض أو فصل اداري أو توريد قطع غيار أو اختيار جهاز.. لكان ذلك أنفع بكثير للمنشأة وللصالح العام وعلى سبيل المثال لو طالعنا الصحف المحلية لوجدنا ان الشكاوى بنسبة تزيد على 90% تنحصر في أخطاء طبية أو سوء إدارة في منشآت تدار بواسطة الجهات الحكومية ولعل هذا أحد الشواهد على ان القطاع الخاص أكفأ من الحكومة في إدارة المشاريع. ألم يقل المثل القديم: أعط الخبز لخبازه ولو أكل نصفه.. علما ان خباز اليوم لايمكن ان يأكل ولا عشر الخبز بسبب المنافسة الشديدة.
* سؤالنا الأخير.. سبق ان نشرت لكم كتابات توجهتم بها إلى صاحب السمو الملكي ولي العهد تطلبون فيها إعطاء ممثلي قطاع المقاولات دوراً أكبر في صناعة القرار الاقتصادي على ماذا تستندون في مطالبكم وهل تحقق شيء منها؟
- كما تظهر الأرقام فإن قطاع المقاولات يساهم بنسبة 16% في الناتج المحلي مما يجعله ثاني قطاع بعد النفط وان القيمة المضافة لقطاع المقاولات تصل إلى 60 مليار ريال وهو أكبر موظف للعمالة بنسبة تصل إلى 16% من إجمالي العمالة بالمملكة كما يمثل قطاع المقاولات 5 ،25% من إجمالي المنشآت المسجلة لدى التأمينات الاجتماعية ويستهلك القطاع أكثر من 5 ،13% من إجمالي الطاقة المستهلكة في المملكة.. يضاف إلى هذا أنه أكبر مستهلك للمواد الخام ولمعظم المنتجات المحلية.. أما عدد منشآته فإنها تمثل 40% من إجمالي المنشآت المسجلة بالسجل التجاري على مستوى المملكة.
من هذا المنطلق.. وحيث ان تمثيل هذا القطاع يكاد لايذكر في مختلف الجهات التشريعية أو الاستشارية فقد توجهت برجاء إعطاء منسوبي قطاع المقاولات فرصة أفضل في مجلس الشورى ومجلس الاقتصاد الأعلى ومجلس الوزراء والغرف التجارية.. وأظن ان حجم مساهمتهم في الاقتصاد الوطني يعطيهم هذا الحق.. وللأسف لم يتغير شيء حتى اليوم..
مالم يعط قطاع المقاولات هذا الحق فإنه سيظل يعاني ويعاني ويدفع ثمن القطاعات الأخرى وهذا ضار للاقتصاد الوطني على المدى القصير والبعيد.
ولعلي عبر جريدتكم الغراء أتوجه ثانية إلى مقام سيدي ولي عهدنا الأمين فأضع هموم قطاع المقاولات بين يديه.. وأسأل الله تعالى ان يحفظ بلادنا ويديم عليها نعمة الأمن والرخاء في ظل القيادة الرشيدة وفقها الله وأدام عزها.
|