* القاهرة مكتب الجزيرة - فتحي أبو الحمد - طه محمد:
تحت عنوان التعليم العربي.. الواقع والمستقبل ناقش المشاركون في المؤتمر الأول للفكر العربي قضية التعليم ومشكلاته ومعوقاته التي تقف في طريق تطوره وأهدافه وانتقد المشاركون تدني التعليم في الدول العربية نتيجة تعرضه لمشاكل ومعوقات عديدة، وطالبوا بتكاتف الجهود الحكومية والشعبية للقضاء على الأمية والتسرب من التعليم.
أعرب المنجي أبو سنينه عن عميق اعتزازه بالمشاركة في المؤتمر الأول لمؤسسة الفكر العربي، وأكد على أن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم قد تلقت المبادرة الرائدة لسمو الأمير خالد الفيصل بإنشاء المؤسسة بكل التقدير والاستعداد للتعاون، الأمر الذي أفضى إلى توقيع اتفاقية تعاون بين المؤسسة والمنظمة.
وناقش في ورقته البحثية ثلاثة محاور أولها واقع التعليم الغربي وثانيها التحديات الراهنة أما الأخير فكان عن الآفاق المستقبلية لتجويد التعليم وتجديده، وعن واقع التعليم العربي آثار المنجي أبو سنينه إلى ما بذلته الدول العربية منذ حصولها على الاستقلال من جهود كبيرة في نشر التعليم واستيعاب أكبر عدد ممكن من الأطفال في التعليم الابتدائي، ورغم ذلك صمدت الأمية أمام محاولات القضاء عليها وبقى مستوى التحصيل التعليمي منخفضاً بوجه عام، وبلغة الأرقام كانت نسبة الأمية في الوطن العربي 60% عام 1980م وصلت إلى حوالي 43% في منتصف التسعينيات، وهذا الانخفاض عليه تحفظات: الأول أن معدلات الأمية في الوطن العربي ما زالت أعلى من المتوسط في العالم، وأن عدد الأميين من العرب في مطلع الألفية الثالثة سبعون مليوناً غالبيتهم من النساء.
وقال أبو سنينه إن التحديات الراهنة المؤثرة على مسيرة التعليم في العالم بوجه عام وفي البلدان العربية بوجه خاص يمكن تلخيصها في أربعة أمور أساسية هي:
1- أن أزمة التعليم أزمة عالمية، وإن اتخذت في العالم المتقدم أبعاداً تختلف عن إبعادها في العالم النامي.
2- أن النظام العالمي الحالي الذي قوامه العولمة، وحرية السوق الاقتصادية وإهمال الهوايات الثقافية وما تشتمل عليه من قيم ومواقف يملي على نظام التعليم في العالم كله مطالب جديدة ويفرض عليها أن تلجأ إلى تجديدات مبتكرة، وما تزال بدورها في طور التكوين.
3- أن النسق التعليمي جزء من نسق اقتصادي اجتماعي، وثقافي شامل، وأن التصدي لمشكلاته بالتالي لا يكون إلا من خلال شبكة تعليمية واسعة متفاعلة مع ذلك النظام الشامل.
4- أن النظم التعليمية في مثل هذا العالم دائبة التغير، ينبغي أن تتصف أولاً وقبل كل شيء بالمرونة.
وقال الدكتور فيكتور بله المدير العام لمكتب اليونسكو الاقليمي ببيروت إن تقرير البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة انتقد بشدة التراجع في مستوي التعليم والنظم التعليمية، مطالباً بوجود إصلاحات جذرية واعتماد استراتيجيات قابلة للتطبيق هدفها تخريج المواطن العربي المثقف الذي يستطيع النهوض بوطنه.
وأشار إلى أن التقرير أحدث تأثيراً سيئاً في الدول الأجنبية واعتبروه دليلاً على تخلف الدول العربية، وقال إن الأمية في الدول العربية هي الداء الأكبر نتيجة ارتفاع عدد الأمية من مليون عام 1980 إلى 56 مليون عام 1990م وتضاعف هذا العدد كما تشير بعض الإحصاءات غير الرسمية إلى 100 مليون فرد في الدول العربية مما يشكل عبئاً خطيراً على التنمية والنهوض بالعالم العربي.
وأوضح د. فيكتور بله أن نسبة التسرب من التعليم الابتدائي في الدول العربية مرتفعة جداً على الرغم من ارتفاع نسبة الالتحاق بهذه المرحلة، مشيراً إلى أن التسرب يكلف الدول العربية مبالغ طائلة لعلاج هذه المشكلة وتتكلف المملكة العربية السعودية وحدها 12 مليار دولار سنوياً لعلاج مشكلة المتسربين من التعليم.
وقال إن مرحلة التعليم العالي في المرحلة من 18 إلى 24 سنة معدلها يصل إلى 15% في المنطقة العربية وهي نسبة منخفضة مقارنة بالدول الغربية، بالإضافة إلى أن مناهج التعليم العالي لا تتواءم مع متطلبات سوق العمل الدولية الحديثة.
وطالب د. فيكتور بله بضرورة إنشاء إدارة معلومات تمد مؤسسات التعليم العالي بما يلزمها من معلومات لتطوير المناهج وجعلها أكثر مرونة لمواكبة احتياجات التنمية وسوق العمل، وأن تتبنى الدول العربية رؤية واضحة شاملة في العملية التعليمية تقوم على رؤية سياسية وإعطاء فرصة لكل مواطن عربي في أن يلتحق بكل مراحل التعليم.
ومن جانبه أكد الخبير التربوي المصري الدكتور حامد عمار أن التعليم هو أكبر صناعات الأمة العربية عائداً إذا ما أحسن تدبيره، مشيراً إلى أن التعليم في الدول العربية يتعرض لثلاث مشكلات معقدة تحاصره ولا تسمح بتقدمه وهي السلطة والهيمنة المركزية من الدولة والعولمة وما تفرضه من تحديات والتي لابد من التعامل معها وتوظيفها بطريقة ترتبط بهويتنا وخصوصيتنا.
وأوضح د. حامد عمار أن التعامل مع هذه المشكلات يتطلب مغامرة جسورة وسياسة جريئة تجعل مسيرة التعليم في خدمة التنمية، محذراً من أن ثقافة السوق تعتبر التحدي الأكبر للتعليم لأنها تتعامل بمفهوم السلعة مما يؤدي إلى تهويد الكثير من الثقافات.
وقال د. عمار إن القضاء على الأمية في الدول العربية يتطلب تضافر جهود الجمعيات الأهلية والحكومية في المساهمة بمحو أمية عدد من الأفراد مشيراً إلى ضرورة تأسيس منظومات متكاملة للتعليم من بعد واختيار مدارس للمتميزين من أبناء الدول العربية بعد المرحلة الابتدائية، وحذر عبدالعزيز التويجري رئيس المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم «الإيسيسكو» من ظاهرة انتحار الشباب وهو ما اعتبره مؤشراً لفشل السياسة التعليمية لعدم تلبيتها للحاجات الأساسية لسوق العمل.
وشدد التويجري على أهمية قضية حرية التعليم باعتبار أن التراث العربي والإسلامي في هذا المجال كان يقوم على حلقات العلم الحرة التي تناقش مختلف المذاهب والمؤسسات في حرية كاملة.
وقال إن مشاكل التعليم في الدول العربية تعود إلى السياسات التعليمية والمناهج وعدم مواكبة التعليم للتطورات العالمية خاصة وأن بعض الدول العربية فقيرة ولا تملك الموارد المالية اللازمة لهذا الغرض، علاوة على ضعف مستوى المعلمين نتيجة عدم إقبال المتفوقين على هذه المهنة، ومن ناحيته قسم محمد جواد رضا مستشار وزير التربية والتعليم بالبحرين المجتمع في الدول العربية إلى النخبة والعامة والذي أفرز ثلاثة أنماط من التفكير وهي عقل الخاصة والعقلية المتعصبة والعقلية المراوغة، مشيراً إلى أن التعليم في الدول العربية لا يستند إلى رؤية منهجية صحيحة ويؤدي إلى كوارث في عملية تكوين الإنسان العربي.
ومن جانبها أكدت الدكتورة ضحى السويدي أستاذ التربية بجامعة قطر أن من أبرز مشكلات التعليم في العالم العربي غياب الفلسفة والسياسة التربوية العربية وهو ما يؤدي إلى اختلال نظام التعليم، وقالت إن أشد ما تحتاج إليه عملية التنمية والتطوير في مجال التعليم هو التكامل بين عناصر التربية والتكامل بين أهداف التربية مع جملة النظام الاقتصادي والاجتماعي، مشيرة إلى أن غياب هذين العاملين في معظم السياسات التربوية العربية أدى إلى اختلال النظام التربوي.
وأشارت إلى أن السياسة التربوية السليمة يجب أن تستقى من الفلسفة الاجتماعية بالدول العربية، وهو أمر غير موجود نظراً لعزلة السياسة التربوية عن السياسة العامة ولغياب الاستراتيجية التربوية، وأوضحت أن نجاح الاستراتيجية يجب أن يعتمد على عدة أمور من أهمها تنظيم عناصر التربية وتوافر الإرادة والقدرة على معالجة المشكلات، ووضع استراتيجيات طويلة الأمد.
وأعربت عن أسفها لأن القائمين على وضع السياسات التعليمية بالوطن العربي غير ملمين بهذه الأمور، وللخروج من الأزمة التي يواجهها التعليم في العالم العربي، طالبت الدكتور ضحى السويدي بوضع معطيات للسياسة التربوية، وأهدافها وتحليل الواقع الحالي، وتطوير الفلسفة التربوية، و تطوير المناهج التعليمية بما يواكب روح العصر.
وفي مداخلات هذه الجلسة حذر محمد سيد النعمان مستشار وزير الثقافة والإرشاد بإيران من هجرة العقول الإسلامية والعربية إلى الخارج داعياً إلى معرفة أسبابها، واستيعاب هذه الأدمغة، ودعا إلى أن يتم مراجعة المناهج التعليمية بشكل سنوي والتركيز على الرياضيات والحاسب الآلي والذي ينبغي أن يكون لهما دور وحضور كبير في العالمين العربي والإسلامي.
وقال إن العولمة ليست شراً مطلقاً وأنه لابد من التأثير فيها والتأثر بها مشيراً إلى أن المشكلة ليست في التعليم ولكن في الثقافة المسيطرة عليه، أما رئيس مجلس التفاهم العربي البريطاني فأشار إلى الفجوة الحاصلة بين النخبة العربية القاعدة والتي ينبغي أن يخاطبها الفكر العربي، وقال إن من أبرز التحديات التي تواجه الأمة العربية والإسلامية هو تحدي الهوية الثقافية والتي تواجه العرب بشكل عام.
وحذر من خطورة إقصاء الدين كما يحدث في بعض المناطق العربية ودعا إلى تفسير العلاقة بين الدين والعلم التجريبي، أما الدكتور عيد حياد الخبير التربوي العربي فأكد أن التحدي الأساسي المطروح على الساحة حالياً هو وقوع التعليم ضحية للواقع المرضي في المجتمع، لذلك فإنه من الضروري التخطيط لهذه القضية على حد قوله.
ودعا إلى أن تكون مهنة التعليم في العالم العربي مهنة يتنافس عليها الناس وخلق ظواهر تعليمية جديدة بالاعتماد على منهجية التعليم وخلق أساليب في التفكير، ومن جانبها أكدت الدكتورة هند بنت ماجد بجامعة الملك سعود بالرياض ضرورة العناية بالتخطيط والوعي واستيعاب التطوير الزمني وتجنب الفراغ التقني حيث لا يزال هو السائد في المدارس العربية، وعدم الاعتماد على الذاكرة وأن يكون للتفكير دور في هذا الشأن.
ودعت إلى ضرورة تعزيز التواصل الفكري بين المدرس والطالب والتركيز على الكيف وليس الكم في التعليم لإعداد جيل من المبدعين ومن غير المقلدين، وتربية العقل العربي والمسلم بطريقة التفكير الحديثة، وفي تعقيبه على المداخلات السابقة أكد الدكتور عبدالعزيز التويجري المدير العام لمنظمة الاليسيكو أن هجرة العقول العربية إلى الخارج أسبابها سياسية، خاصة إذا كان مثل هؤلاء مضطهدين في بلادهم، فضلاً عن الأسباب المهنية بعدم تقديم الحوافز لهم أو رعايتهم الأمر الذي يتطلب تنمية المواهب العربية والاهتمام برعايتها.
وقال إن الإسلام لا يفصل بين العلم والدين وأن الإسلام يفتح آفاقاً للعلماء، حيث ظهر علماء مسلمين مثل ابن حيان، ابن النفيس، ابن سينا وغيرهم، ولكن الدين ضد الاستنساخ أو التلاعب بالجينات والتي اعتبرها من القنابل المدمرة.
ودعا د. التويجري إلى عدم الاعتماد على التلقين في تعليم المناهج حتى لا يكون ذلك عائقاً في فهم الطلاب واستيعابهم مشدداً على ضرورة التركيز على اللغة العربية وثقافتها التي تبني العقول والاهتمام بتعليم الرياضيات والحواسب الآلية باعتبارها لغة العصر ومواجهة تحديات العولمة وضغوطها وتوفير إرادة سياسية لكل ذلك.
|