Saturday 9th November,200210999العددالسبت 4 ,رمضان 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

محور الفاشية الأمريكي في المذكرات المحظورة..! محور الفاشية الأمريكي في المذكرات المحظورة..!
عبد العزيز السماري

روجيه جارودي شيخ مشاغبي العصر الحديث، كما وصفه أحد المفكرين الإسلاميين، وأعظم فلاسفته في قدرات الثبات والصمود عندما يؤمن به، مفكر لم يكلّ من الاصرار على المشي بين الصعاب لتحطيم أصنام وأغلال الصهيونية وأساطيرها، ولم ينتهِ مخزون عبقريته الفلسفية في محاولة فهم حجب وعوازل المد الفاشي والنازي في العالم.. حتى بعد سقوط برلين، .. فهو أول من أطلق مقولة أن فاشية النازية هي التي انتصرت في الحرب العالمية الثانية، وأن تقسيم ألمانيا كان ثمناً لوقف المد الشيوعي إلى أوروبا الغربية، وهناك ما يدفعنا للاعتقاد ان ما أطلقته وزيرة العدل الألمانية من تصريحات مثيرة عن جورج بوش وأساليبه الهتلرية، لم تأتِ من فراغ، ولم يُقصد بها غرض للاستهلاك، أو أن وراءه كيد امرأة تحترق غيرة بسبب جاذبية كاريزما جورج بوش الابن، بل كانت تدرك خلفيات مفردات «نازي»، و«أدولف»، وتعرف أسرار المد الفاشي في أوروبا بعد الحرب العالمية الأولى، وأدواره خلال وبعد الحرب الثانية..
والفاشية «Fascism» مصطلح مشتق من الكلمة اللاتينية «Fasces»، وهي تعني حزمة من الصولجانات، كانت تُحمل أمام الحكام في روما القديمة دليلاً على سلطتهم وسيطرتهم وتفوقهم العسكري، وفي تسعينيات القرن التاسع عشر، بدأت كلمة فاشيا «Fascia» تستخدم في ايطاليا لتشير إلى جماعة أو رابطة سياسية، وأيضاً لإخافة الناس، وترويعهم، وكدليل على هيمنة القوة المتسلطة..
كان لأفكار العالم البيولوجي البريطاني «تشارلز داروين» في القرن التاسع عشر عميق الأثر، لا على العلوم الطبيعية فحسب، بل على الفكر الاجتماعي والسياسي في أواخر القرن التاسع عشر، والفكر الدارويني غذّى الفاشية بمجموعة متميزة من القيم السياسية، التي تساوي بين «الخير» و«القوة»، وبين «الشر» و«الضعف»، لتنمو بعد ذلك صور الفصائل المتطورة ب«الانتخاب الطبيعي» على يد الفيلسوف الليبرالي وعالم الاجتماع «هيربرت سبنسر» لتصل إلى فكرة «البقاء للأصلح»، وهو الاعتقاد في أن المنافسة بين الأفراد، تكافئ الجادين والموهوبين، وتعاقب الفاشلين وغير الأكفاء.. وأخيراً أضفى مفهوم الفاشية عن الحياة بأنها «صراع أبدي»، وأنه لا يمكن زرع الصفات القوية القومية إلا بالصراع، ولا يمكن اظهارها إلا بالنصر والسيطرة..
والفاشية بكل تأكيد ظاهرة سياسية على درجة كبيرة من الأهمية في تاريخ القرن العشرين، تطورت في أوروبا ما بين الحربين العالميتين بعد الثورة البلشفية، وتتجنب عادة سياستها الخارجية خيارات السلام، وتعتبره ظاهرة متعفنة ومنتهية الصلاحية وغير مجدية، وترفع شعارات واهية، مثل ان بلادهم تحت التهديد، وأن الحرب هي الخيار الوحيد..
والتاريخ علّمنا أن علاقة الفاشية مع الديمقراطية الليبرالية تكتيكية بالضرورة، وأنها تستخدم الديمقراطية بوصفها أداة تكتيكية للهيمنة على موقع القوة عبر الآليات الديمقراطية.. ويعني ذلك استمرار الروح الأصلية للفاشية، ضمن جسد الليبرالية، تغطيها بغطاء دعائي ذكي وخطاب معاصر مراوغ، بهدف كسب الاحترام والنفوذ، تلك كانت هي الإستراتيجية القديمة للفاشية، فقد استمر هتلر والنازيون مثلاً في دعمهم الديمقراطية البرلمانية إلى أن استطاعوا الحصول على القوة عام 1933م، كذلك فعل موسوليني في إيطاليا..
جاء تأسيس محور برلين - روما - طوكيو إعلاناً لخروج الفكر الفاشي والنازي من مخبئه السياسي إلى ميادين الحروب والسيطرة، تحت شعار وقف المد البلشفي والشيوعي تجاه المصالح البرجوازية في أوروبا الغربية، فاحتلت إيطاليا إثيوبيا وألبانيا، وخاضت حروباً ضارية مع نظام فرانكو الفاشي في أسبانيا، وغزت ألمانيا تشيكوسلوفاكيا، وضمت النمسا ودخلت اليابان حدود الصين..
ومنذ تولي هتلر السلطة وبدأ اكتساحه لدول الجوار، عدته كل من الولايات المتحدة وانجلترا «أفضل عائق أمام البلشفية» ومدوه بالسلاح والمال، ورسم السناتور ترومان آنذاك الخط السياسي لأمريكا «إذا ضعف الاتحاد السوفيتي يجب مساعدته، وإذا ضعفت ألمانيا فيجب مساعدتها، المهم أن يدمر بعضهما بعضاً».. وأظهر الملك إدوارد الثامن وجوزيف كنيدي سفير الولايات المتحدة في لندن تعاطفاً ملحوظاً مع النازية..
وفي مقال أخير لتوماس فريدمان تحت عنوان محور الحسد الألماني، ينتقد فيه مشاعر الشعب الألماني السلبية تجاه تفوق أمريكا التقني والعسكري، ويذكرهم بالعلاقة القديمة كتب :«أن شعاري اليوم، والذي أحيي فيه ذكرى جون كيندي، هو ببساطة «نحن كلنا من نيويورك».
وراح في مقاله يخاطب ألمانيا التاريخ يقول «ومهما كان الموقع الذي تعيش فيه، إذا كنت تؤمن بالمجتمع المفتوح، وإذا كنت تحب المجتمع الحر، فإنك تكون طرفاً في الحرب العالمية الثالثة، الحرب ضد الشموليين الجدد، الذين يوجهون ضربات ضد شركاتنا، ومحلات الديسكو التي نرتادها، ومطاراتنا، ومسارحنا، وكل ذلك بغرض اجبارنا على اغلاق أنفسنا واغلاق مجتمعاتنا، إما أن نخوض هذه الحرب معاً وإما أن نخسرها معاً».
وواقع السياسة الأمريكية في العالم العربي يدل أن جنين الفاشية والنازية الثلاثيني لم يمت، بل مازال متصلاً بالحاضر فكراً، وعرقاً،... وعاش سنين طويلة في رحم الليبرالية الأمريكية، ثم ولد عملاقاً ومتغطرساً لا يقبل أنصاف الحلول، يحتقر ثقافة السلام، ويرفض أن تقف أمام طموحاته اللامتناهية قوانين دولية، والسمات السيكولوجية للفاشي: تبرز في العنف كأداة ضرورية لاستعادة الأمن المفقود، والفاشية تنزع إلى الضرب بقسوة من أجل اخماد التمرد، وأساليبه العنيفة، عادة تميل إلى الانفلات متحررة من القانون الدولي، وقد شهد العالم ذلك في نماذج دريسدن الألمانية وستالينغراد السوفيتية، وأخيراً في أفغانستان وقبلها يوغسلافيا السابقة ولا ننسى هيروشيما وناغازاكاي..
والخطر القادم يكمن في أنه يشب وحيداً ومنفرداً في طريقه للسيطرة على منابع الثروة، ولا يوجد في الساحة الدولية الآن من يجرؤ على مضاهاته أو منافسته، فالشيوعية سقطت في امتحان الاقتصاد والسياسية، وفعالية الديموقراطية الغربية انتهت، وغدت آلياتها مكبلة بقيود مصالح الشركات العملاقة. أمّا العرب وبقية دول العالم الثالث فغثاء كغثاء السيل..

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved