نشرت مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في عددها السادس والثلاثين بحثاً للدكتور احمد البنيان وابراهيم البلوي حول انتاجية عضو هيئة التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود الاسلامية، وكان من نتائج بحثهما ان انتاجية الأستاذ الجامعي في الجامعة منخفضة جداً حيث بلغ معدل الانتاج السنوي للأستاذ 43 ،0 بحثاً. ومن المؤكد ان اساتذة الجامعات الأخرى لن يكونوا احسن حالاً بكثير. وقد تناول الباحثان اسباب تدني هذه الانتاجية وذكرا أنها سبب عوائق جامعية واجتماعية وشخصية..
هذه النتائج ليست مفاجئة لمن يعيش هم البحث العلمي في بلادنا وإني سأذكر عدداً من المواقف التي تؤكد بعدنا الحقيقي عن الافادة من طاقات اساتذة الجامعات. ومن هذه المواقف ان استاذاً تقدم للانتقال من جامعة الى اخرى فكان من بين الاسئلة التي وجهت اليه: أين إنتاجك العلمي؟ ماذا قدمت من محاضرات عامة او من مشاركات في مؤتمرات وندوات في تخصصك؟ وهنا تذكر انه يعرف احد الاساتذة تعرض لغضب كليته وجامعته بسبب نشاطه في حضور المؤتمرات وإلقاء المحاضرات مما جعل معظم الاساتذة يبحثون عن السلامة، وبعد قليل من الهدوء تذكر انه قدم ذلك الاستاذ في محاضرة عامة، فكان هذا هو النشاط العلمي الوحيد الذي قام به.
اما الاستاذ الآخر فإن جامعته رأت انه بعد ان حصل على الدكتوراه من احد فروعها ارادت منه الانتقال الى مركزها الرئيسي فأصرت الكلية التي سينتقل اليها على اجراء مقابلة معه تسأله فيها عن علمه وعن نشاطاته العلمية وكان السؤال: ما نشاطاتك العلمية؟ أين وأين وأين؟ فصرح بفخر انه اعد بحثين بعد حصوله على الدكتوراه لم ينشرا بعد.
تساؤلي في هذه المقالة هو لماذا السؤال عن الانتاج العلمي؟ هل هؤلاء الذين يسألون يعيشون في إحدى الدول الاوروبية أو امريكا؟ هل يجهلون الواقع الذي نعيش فيه أم انما هو سؤال تقليدي يجب عليهم ان يسألوه حتى وإن كانت الإجابة سلبية ومخجلة وحتى فاضحة؟
في الدول التي تعنى حقيقة بالبحث العلمي تُعِدُّ الاستاذ الجامعي منذ مرحلة الدراسات العليا. ولقد اطلعت على ورقيات قدمها احد اساتذة جامعة بريطانية لطلاب الدراسات العليا يوضح لهم الطريقة المثلى للمشاركة في المؤتمرات والندوات، وأن يكون البحث المقدم يصلح ان يرسل الى مجلة علمية محكمة، ويوضح لهم ايضا ما يجب ان يتضمنه البحث المقدم للمؤتمر وكيف يستطيع تقديمه في عشرين دقيقة يعجز كثير من الاساتذة العرب والمسلمين الالتزام بالعشرين دقيقة كأنما هم مصابون بمرض المايكروفون وحتى لو غامر طالب الدراسات العليا عندنا في الكتابة والتأليف فإنه يقال له لماذا تكتب وتنشر الآن انتظر حتى تأخذ رتبة استاذ مساعد ثم تنشر ما تريد حتى يساعد هذا في الحصول على الترقية، بل ان العميد مثلاً قد يتضايق من شهرة طالب الدراسات العليا وبخاصة ان كان يكتب في وسائل الاعلام وقد صرّح احد العمداء ذات مرة لأستاذ مشرف على طالب دكتوراه نشط «لا نفتح اي صحيفة محلية حتى نرى صورة فلان؟؟».
ويغمط حق الطالب من ذكر اي انتاج له حين يتقدم للمناقشة كأنه ارتكب كبيرة من الكبائر، فالمشرف يخجل او يرفض ان يقول ان الطالب حضر مؤتمر كذا وكذا ونشر بحثاً او كتاباً او كتباً او قدم ترجمة او ظهر في برنامج اذاعي او تلفازي. ولو اراد ان يشير في بحثه للدكتوراه بوجود جهد علمي له سابق للدكتوراه لقال له باللهجة الصريحة «ألا تستحي يا غلام وتقول ان لك إنتاجاً علمياً».
اما في الجامعات الغربية فكما اسلفت ان طالب الدراسات العليا يعد لكتابة البحوث وحضور المؤتمرات والندوات، وقد اطلعت ذات مرة على بعض التعليمات التي كتبها احد الاساتذة في جامعة بريطانية لطلابه في الدراسات العليا لطريقة كتابة بحث علمي للمشاركة به في مؤتمر او ندوة وكان من بين النصائح ان البحث المقدم لندوة او مؤتمر يجب ان يكون مستواه مقبولاً للتحكيم والنشر في اي مجلة علمية. ثم يقدم الاستاذ بقية التعليمات. ومن ذلك كيف يستطيع تقديم بحث في عشرين دقيقة بينما يعجز اساتذة كبار عندنا عن تلخيص بحوثهم في مثل هذه المدة وكأنهم مصابون بمرض الميكرفون.
|