أبلغ ما تكون الكلمات حين تختلط بالدموع فقد يعجز الحديث عنها أحياناً وقد يثقل على الأوراق حملها بل وقد يعجز اللسان عن اخراجها والنطق بها فتكون الدموع هي المعبر عن ذلك.
فكم من دموع انسابت في جوف الليل من أم مكلومة وكم من جرح سكن في نفس هذه الأم وأبى ألا يندمل بسبب عقوق أحد أبنائها من رعته في صغره وخافت عليه في كبره وضحّت بالغالي والنفيس من أجله.
فهذه الكلمات لم يتدفق بها حبر قلمي إلاّ من المشاهد الواقعية والتي نراها صباح مساء أو نسمعها عبر وسائل الإعلام أو نقرأها في الصحف والمجلات.
إن بعض الأمهات من كبيرات السن أو من المعمرات اللاتي أقعدهن المرض وأدركتهن الشيخوخة أو مُنوا بعقوق الأبناء قد زجَّ بهن في هذه الدار معهن شريط ذكرياتهن الماضية يعدنه مراراً وتكراراً وفي قلوبهن من الأحزان والآلام ما تنوء الجبال به وتعجز الأرض عن حمله، فهنّ يتذكرن شبابهن وتضحيتهن لهؤلاء الأبناء حتى يكونوا رجالاً يشد بهم الظهر.. ولكن الآمال والأحلام التي بنينها هؤلاء النسوة تبخرت وتحولت طموحاتهن إلى جذوة خابية بعد أن كانت شعلة متوقدة فاضت عيونهن بالدمع بعد أن امتلأت قلوبهن بالأحزان.
قيثارة ملئت بأنات الجوى
لابد للمملوء من فيضان
نعم فاضت عيونهن واجتمعن في دار المسنين يتحدثن ويتذاكرن ويقضين جزءاً من يومهن مرة يلمن الأبناء ومرة يلمن الزمن وغربته وقسوته..
إن منظرهن مؤلم بحق.. ألهذه الدرجة وصل بنا العقوق ونحن في مجتمع اسلامي يحثنا على احترام الكبير والعطف على الصغير.. ألهذه الدرجة هانت علينا هذه الشمعة المتوقدة.. أنسينا ما فعلت من أجلنا..
لقد آلمنى ما قرأت وأحزنني ما شاهدت ولكن هكذا الحياة.. لا تصفو لأحد فعند معايشة الأحزان تختفي أهازيج النفس وتتعمق روح المعاناة لتختلق نوعاً من الآلام تجمعها الآهات والأنات لتتدفق أنهاراً من بكاء.. وهذا فعلاً ما حدث عندما قرأت تلك المقالات والتحقيقات عن أولئك النسوة واللائي عشن في دار المسنين مع أن لديهن أولاداً فهم أحق برعاية أماتهم ولكن ماذا نقول.. إنني بعد ذلك وبعد قراءتي لتلك التحقيقات تذكرت قول أمية بن أبي الصلت يعاتب ابنه عندما أبدى له عقوقاً... قائلاً: