Friday 25th October,200210984العددالجمعة 19 ,شعبان 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

التقاعد الوظيفي.. وحتمية التغيير!! التقاعد الوظيفي.. وحتمية التغيير!!
سليمان محمد الجريش - هيئة التحقيق والادعاء العام

يشكل شهر رجب من كل عام مرحلة انتقالية في المجال الوظيفي، ذلك أن جزءا من الموظفين يكملون السن النظامية للتقاعد اعتبارا من 1/7، وتتفاوت النظرة إلى هذا التاريخ بحسب التعامل الشخصي مع الوظيفة فيبقى البعض مسرورا والآخر محزونا.
فالوظيفة العامة أعباء ومهام تحتاج من القائم عليها جهدا مستمرا، وأداء متصلا وهذا يتطلب مقدرة بدنية وذهنية خاصة، ولذلك تحدد الأنظمة الوظيفية سنا معينا لمن يكلف بأعباء الوظيفة، وتضع لذلك حدا أدنى وحدا أعلى لا شغالها، والنظام حين قدَّر هذا السن للاحالة على التقاعد يدرك ان الموظف عندها يصبح غير قادر على أداء عمله بفعالية، كما ان الأنظمة تنظر من خلال تحديد هذه السن إلى تحقيق غايات أخرى منها:
1 حماية صحة كبار الموظفين من ارهاق العمل الوظيفي.
2 ضمان توفير قدر من الراحة للموظف بعد خدمة طويلة.
3 فتح المجال الوظيفي للترقية والتعيين والنقل.
وبهذا يتم التوفيق بين المصلحة العامة ومصالح الموظفين من خلال احداث التغيير في مجرى الحياة الوظيفية. وإذا كان الإنسان يسهم في البناء الحضاري حاملاً في ذهنه الكثير من الأسئلة الارتكازية المحددة لمحاور التغيير، ماذا كان؟ ومن أين بدأ؟ وكيف اصبح على ما هو عليه الآن؟ وغير ذلك من الأسئلة ذات الصلة، فإنه من خلال هذه المساهمة أظهر تطوراً فكرياً حول مفهوم التغيير، وتوصل الفكر الاداري إلى أن الممارسات العملية داخل بيئة العمل لا تكمن عند حقبة زمنية معينة، أو على أناس محددين، وأدرك أن الادارة اليوم هي ادارة تغيير وانتقال من مرحلة إلى أخرى، حيث ترتبط بالماضي لمعرفة الاتجاهات والاستفادة من الدروس، وترتبط بالحاضر وتحدياته ومتطلباته، وتتطلع الى المستقبل وما يحمله من آمال وآلام بسبب الضغوط التي يعكسها التغيير كنتيجة لاستمرار الحياة، فالتغيير يمس حياة الكل ممن قدرت لهم الحياة على هذه الأرض. وقد يختلف الموظفون في الاستعداد للتغيير من خلال اتجاهاتهم الفكرية وثقافاتهم المتنوعة، ومن ثم يقرر كل منهم بطريقة خاصة كيفية تعامله مع (القادم) وتغييرات المستقبل من خلال رؤيتين.
الأولى: تتمثل في الارتباط بالماضي بطريقة تحدث الخوف من المستقبل وأبعاده.
والثانية: تتمثل في الحرص على الاستعداد النفسي لتقبل أحداث التغيير التي تمليها وتستوجبها طبيعة الحياة البشرية. ويتوقف الاخذ بأي منها على القدرة والاستعداد الشخصي للموظف وهكذا تكون النظرة للتقاعد!! إذ رغم ادراك الكل بأن التغيير سمة من سمات الحياة في كل جانب وهو في العمل الوظيفي اجراء لابد منه ومتكرر بصورة يومية، إلا ان قبوله لا يمكن ان يتم بالصورة الواقعية المفترضة، وإنما يتم التعامل معه من خلال النظرة الى جوانبه السلبية فقط. إن التقاعد الوظيفي يمثل الأساس الرئيسي في عملية التغيير من خلال ارتباطه بالوظيفة وبالموظف ومن المفاهيم الشائعة في أذهان بعض الموظفين ان التقاعد يعني (اليأس) وأنه يزيد من عدد العاطلين، أو كما يراه آخرون بأنه يعني التواري في الظلِّ وفقدان التميز، أو أنه يعني توقف قطار الرحلة ونهاية المطاف، كلاَّ!! إن مثل هؤلاء لا يدركون أن التقاعد احدى المحطات الرئيسة في حياة الموظف، وأنه واحد من الحقوق الخاصة بالموظف، وهو أحد مفارق الطرق بالنسبة له، حيث سيبدأ مرحلة جديدة تختلف فيها ظروفه من الناحية الصحية والمالية والاجتماعية، وقد يكون لهذه المرحلة الجديدة مزايا تفوق ايجابيات مرحلة الوظيفة، حيث يستطيع ان يسير بنفسه وفق ما يريده هو من غير أن يكون محكوما «بروتين» العمل وما تريده الانظمة واللوائح، بامكانه اختيار ما يجلو له من الأصدقاء، والاجتماع مع من يوافق شخصيته وهواه وليس مع من تفرضهم ظروف العمل. مع التقاعد يكون الانسان قادرا على الحديث بكل طلاقة بعيدا عن التحفظ، والاستهلاك، والتلميح والمجاملة وانتقاء العبارات التي تحتمل اكثر من شيء، لأنه يتحدث وفق رؤيته الخاصة، وقناعته الذاتية!! كما انه سيستريح من عناء التفكير المتواصل الذي يوجبه العمل الوظيفي. وسيحمي نفسه من الاجهاد البدني المتواصل، ولهذا يشكل التقاعد عند بعض الموظفين بداية لمرحلة جديدة يحقق من خلالها ما لم يحققه اثناء العمل الوظيفي من خلال اكتشافه لقدراته ومواهبه بعد مروره بمرحلة نضج تامة تجعله قادرا على اتخاذ القرار المناسب من خلال هذه التجربة الطويلة في الحياة العملية. على الموظف أن يدرك المفهوم العام للتقاعد من خلال الرؤية الواقعية للحياة، وعليه ان يستعد لهذه المرحلة قبل أوانها، لأن المشكلة تتمثل في المفاجأة بحلول وقت التقاعد رغم ان الموظف يعلم ذلك من أول يوم دخل فيه الوظيفة، لكنه لا يحب البحث في هذه المسألة اطلاقا!! ولا يطيق سماعها أو التحدث عنها، وإذا ما جاء وقتها نزلت عليه كالصاعقة، ثم برزت هذه التراكمات النفسية عليه، مما يجعله غير قادر حتى على مجرد التفكير!! وبالتالي انعكس ذلك على صحته وعلاقته بمن حوله متمسكا بمفهوم خاطئ، وأحلام وردية لا صلة لها بالواقع بأنه لا يزال في ريعان شبابه، وانه قادر على العطاء، وان الادارة ترتكب خطأ فادحاً في انهاء خدماته مما يجعلها أي الادارة عرضة للضياع، إلي ما هنالك من الاسقاطات التي ترضي غرور الانسان، لكنه لا يكلف نفسه سؤالا واحداً.. (إلى متى؟؟)، لأن من طبائع الانسان المجبول عليها هو، أنه يرى في نفسه الفضل والجدارة والأحقية بالنسبة للآخرين، وهذا هو الذي يدعوه الى الاحتجاج والتذمر والطموح إلى ما لاحقَّ له به!! إن الانسان يدرك ان المجتمع البشري في تطور مستمر من خلال التغيير وتبادل الأدوار، وان هذا الانسان حين يخدم مجتمعه إنما يريد من وراء ذلك جزاء يتمثل في حب المكانة واظهار الذات ومن أجل الحصول على القوت، ولهذا تتركز مشكلته دائما بأنه كثير التذمر والشكوى، ويرى في نفسه أنه اكثر كفاءة من غيره، أو أعلى همة وأصح فكراً، ويظل في مرحلة تطلع دائمة، فهو يطالب إذن بالجزاء الأوفى!! لكن الحقيقة تؤكد أنه مهما كان المجتمع جاداً، ومهما حرصت الأنظمة على ضبط اجراءاتها فإنه من غير الممكن ارضاء جميع الموظفين، لإنه من المستحيل جعلهم كلهم رؤساء أو مديرين، ولابد أن يكون في الادارة مدير واحد وتكون البقية تحت ادارته، ولا يتحقق ذلك إلا من خلال التغيير الذي يشكل التقاعد أحد محاوره!!
إن الخدمة الوظيفية قد تسبغ على شاغلها مكانة بين الناس، والانسان يتكالب عليها كما يتكالب على أي شيء آخر يجد فيه لذة نفسية، وقد يؤدي ذلك إلى التنازع والإثارة التي قد تضر أكثر مما تنفع، لكننا يجب ان ندرك بأن لكل شيء ثمناً، وقد قال ابن خلدون: (قد لا يتم وجود الخير إلا بوجود الشر) فكل إنسان يحب نفسه، ويسعى في سبيل اعلائها فينتج التنافس بين الناس، ويتطور المجتمع، وهذا ما يجب أن ندركه من خلال الحرص على الانتاج والابداع، لا على مجرد البقاء في الوظيفة وكأنها ملك قابل للاحتكار!! علينا أن نتعامل مع التقاعد بكل واقعية، وأن نجعله مرحلة انتقالية لمراجعة الذات ومحاسبة النفس، والعمل على قدر الامكان على تصحيح الأخطاء، والاعتذار للآخرين ممن يحملون في انفسهم علينا اثناء شغل الوظيفة وما أكثرهم ، مع الحرص قدر الامكان على استغلال الوقت بكثرة الاستغفار والتقرب الى الله عز وجل والدعاء بأن يجعل خير اعمارنا خواتمها، والتعامل مع مرحلة الوظيفة بأنها مرحلة انتهت بكل ما فيها، ونحن بصدد استخلاص نتائجها لمعرفة مالنا وما علينا، ومن هنا ندرك أهمية التقاعد، وحتمية التغيير الذي لابد منه.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved