وإنني من هذا المنبر الصحفي أذكِّر الأخوة الكتاب على مختلف طبقاتهم بمسؤولية الكلمة التي يسطرونها بتحديد هدف الكتابة وما يمكن أن تؤديه وأن الكاتب قد يكون سبباً لنجاة شخص أو لانحرافه؛ بل ربما كان سبباً لنجاة أمة كاملة أو ضلالها والكلام في هذا معروف ولكن الذكرى تنفع المؤمنين، فحبذا العناية بالمكتوب موضوعا وأسلوبا ووقت عرض.
ومن هذا المنطلق فإني اعرج على القضايا الشرعية المطروحة في الصحافة بأنواعها فأقسمها الى أربعة أقسام:
{وّمّا أّكًثّرٍ النَّاسٌ وّلّوً حّرّصًتّ بٌمٍؤًمٌنٌينّ} *يوسف: 103*.
2 القضايا الشرعية التي فيها إجماع من العلماء المعتبرين سابقا أو لاحقاً، وهذه ينبغي على المسلم المطيع لربه الناصح لنفسه ومجتمعه أن يأخذها بالقبول فقبولها طاعة لله ورسوله. فالله كتب لإجماع الأمة العصمة والتوفيق. فالأمة لا تجمع على ضلالة كما روي ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فحري بأهل القلم من أرباب الصحافة أن يحترموا مثل هذه القضايا ولا يفتشوا عن أقوال مفردة لبعض العلماء تخالف الإجماع كي لا يثيروا البلبلة في نفوس الناس فيما لا طائل من ورائه.
3 القضايا الشرعية ذات الخلاف بين العلماء وهي على نوعين:
أ ما فيه خلاف معتبر عند العلماء (أي كل أصحاب الأقوال في المسألة من العلماء الذين يملكون حق الاجتهاد لهم أدلتهم الصحيحة فيها) وهذا في طرحه امام الناس على نوعين:
1 إن كانت المسألة لا يصلح إثارتها بين عامة الناس فالأولى عدم طرحها وذلك درءا للتشويش على العامة من الناس وسدا للذرائع، فموازنة المصالح والمفاسد مطلب ملح في طرح مثل هذه الأمور؛ خصوصاً في زمن الجهل وقلة الورع كهذا الزمن، ولقد سبق اعتبار هذا المسلك عند الصحابة ومن بعدهم فهذا عبدالله بن مسعود يقول: ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة. وعلي بن أبي طالب يقول: حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟ وعلى هذا بوب البخاري رحمه الله بابا يؤكد هذا الأمر فقال: باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية ألا يفهموا وغير ذلك مما لا يتسع له المقام لتفصيل هذه المسألة.
2 وإن كانت المسألة التي فيها خلاف معتبر يسوغ ذكرها أمام الناس للحاجة إليها أو تتسع عقول الناس لها، فلا مانع من طرحها لكن ينبغي أن يتولاها أربابها الحاذقون بها من أهل العلم حتى يأتوا على جميع أطرافها.
ب ما فيه خلاف لكنه خلاف غير معتبر عند العلماء المحققين حتى ولو كثرت الأقوال في المسألة، وذلك أن جملة من القضايا الشرعية فيها خلاف لكنه خلاف غير معتبر لعدم الدليل أو لضعفه أو لأسباب أخرى معروفة عند أهل العلم. فهذه لا ينظر فيها إلى الاقوال الاخرى وإنما يعتمد ما أجمع عليه جمهور العلماء؛ ولذا فإن إطلاق لفظ الخلاف على القضية الشرعية لا يعني أن المجال فيها متاح بأي الأقوال أخذ المرء، وأما إضفاء صبغة الخلاف على اكثر القضايا الشرعية استنادا لبعض الأقوال النادرة التي لا يوجد مسوغ لاعتمادها فهو من صفات الشهوانيين الذين يبحثون عن مبرر لمخالفتهم الشرعية ويتتبعون رخص العلماء ويجمعون زلاتهم وقديما قال أحد العلماء: من تتبع رخص العلماء جمع الشر كله، وابن حزم يرى الاجماع على فسق متتبع رخص العلماء، وقد يكون إضفاء صبغة الخلاف على كثير من القضايا الشرعية كما ذكر سابقا رضوخا تحت ضغط الواقع المليء بالمخالفات الشرعية وللاسف الشديد فلا ينبغي التعنت في البحث عن مخارج للمخالفات الشرعية التي يمليها الواقع علينا ولكن لنا أن نبحث عن حكم اي قضية تحدث في المجتمع في شرعنا متجردين للحق باحثين عنه ونسير مع الحق تحليلا أو تحريما إن كنا نستطيع بحثها وإلا نعرضها على أهل التخصص من العلماء وطلاب العلم. والمؤمل بالكتّاب ومحرري الصحف ان يبتعدوا عن إثارة البلبلة في نفوس القراء في طرح قضايا حسمها الشرع وتلقت الأمة الحكم فيها بالقبول.
3 النوازل الفقهية: وهي قضية أشبعها العلماء بحثا وبيانا ومن أحسن من بحث فيها فضيلة الشيخ الدكتور بكر بن عبدالله أبو زيد حفظه الله في كتابه النوازل الفقهية. والذي أود أن أنبه عليه في هذه المسألة هو أنه مع كثرة الفتن وتتابع المصائب والمحن وتنوعها يبادر بعض الكتبة بالكتابة عن بعض النوازل فيحكم فيها على الأفعال والأفراد والهيئات دون ورع ووعي وتأصيل، بل تعجب حين ترى قضية كبيرة لا يستطيع البت فيها عالم واحد من العلماء الكبار؛ وإذا بنكرة من الكتاب يتسلمها ويخوض فيها وينهيها. فلا ينبغي أن تكون الكتابة هدفا لذاتها يبحث فيها الكاتب عن أي جديد فيشده حدث من الأحداث فيبث فكرته وهو لا يملك الآلة الكافية للتعرض لمثل هذا الحدث والحكم عليه.
4 الأخلاق والآداب الإسلامية والمخالفات الشرعية فهذه أمرها أهون والحديث فيها وتذكير الناس بها أمر يثاب عليه الكاتب وهي التي ينبغي على الكتبة التعرض لها وتوعية الناس بضرورتها، ويوجد ولله الحمد مجموعة من الكتبة والمحررين من له نصيب كبير منها شكر الله لهم جهدهم وأثابهم على عملهم خصوصا في هذه الصحيفة وفقها الله حيث تطرح كثيرا من هذه الأمور بدراسة تحقيق وجودة عرض، فمزيدا من هذا وفقكم الله.
|