بات الاستثمار في مجال المعرفة بأنواعها المختلفة يأخذ حيزاً متسعاً في عصر صارت فيه المعلومة سيدة الموقف وأصبح فيه الإعلام عامل الحسم وعنصر المواجهة.. وفي ظل هذه الأمواج المتلاطمة في بحر المعرفة ظلت الكلمة المكتوبة تحافظ على مركزها وتتقدم بنجاح مستمر.. وهنا في المملكة العربية السعودية، أولت الحكومة - أيدها الله - منذ وقت مبكر اهتماماً واضحاً بأمر الإعلام بأشكاله المتعددة ووسائله المتنوعة وصار إعلام المملكة متميزاً في طرحه وانتقائه ومصداقيته باعتباره ينطلق من أطهر البقاع على الأرض، ولا غرابة في ذلك.
ولكن الملاحظ في الآونة الأخيرة أن المجلات الصادرة عن الدوائر الحكومية صارت تستعصي على الحصر والمتابعة، وصارت الجهات الحكومية المختلفة تتنافس وتتسابق في إصدار المجلات والنشرات الشبيهة بالمجلات حتى صرنا نرى في كل يوم جديد مجلة جديدة ناطقة باسم إحدى الدوائر الحكومية ولكن لا نرى فيها جديداً يضاف إلى ذهن القارئ.. إن كان لها قارئ بالفعل.. وهذه الكثافة الملفتة للنظر في ظل وجود تغطية كاملة لأخبار الدوائر الحكومية أينما وجدت تطرح بعض التساؤلات حول ماهية هذه المجلات ودوافعها وتمويلها أو ضرورة إصدارها واستمراريتها.
هل نحن حقا بحاجة الى هذه الأرتال التي تنوء بها أرفف المكتبات ويثقل بها كاهل البريد وشركات التوزيع جيئة وذهاباً؟ وهل هذه المطبوعات الناطقة باسم الدوائر الحكومية هي حقاً تخاطب منسوبيها وجمهورها المستهدف وتعبر عن وجدانهم بواقعية ورسالة مبدئية؟..
وهل هذه المطبوعات - أقصد المجلات الناطقة باسم الوزارات والدوائر الحكومية - صادرة بالفعل ومنتجة بأيدي إدارات العلاقات العامة والإعلام بتلك الدوائر أم أنها تنتج بواسطة شركات ووكالات إعلانية مقاولة؟.. وفي هذه الحالة ما المغزي من هذا النشاط وما دور موظفي العلاقات العامة والإعلام الذين من شأنهم واختصاصهم الاضطلاع بهذه المهام؟ ثم ما موقف المستثمرين الذين أوقفوا رؤوس أموالهم للاستثمار في مجال الإعلام والمطبوعات من هذه المجلات التي تحوز على حصيلة إعلانية كبيرة؟.. وما تأثير ذلك على سوق الإعلان؟وسوق الإعلام بوجه عام؟.
إن المستثمرين في مجال الإعلام المطبوع ينظرون إلى هذه المجلات على أنها لا تخدم الهدف المعلن من إصدارها بدليل عدم الحاجة لاصدارها من الأساس.. حيث أن الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية والشهرية تسعى دائما لنشر أخبار وتقارير وتحقيقات ومقابلات الدوائر الحكومية وفي مساحات واسعة دون مقابل.. بل يبحث الصحفيون عن مصادر لهم داخل تلك الدوائر لتزويدهم بالمعلومات بصفة مستمرة.. مع العلم أن الصحف اليومية ذات انتشار واسع وتحظى بأعداد كبيرة من القراء.. بينما المجلات الحكومية لا تحظى بشيء من ذلك.. بل يندد بعض العاملين فيها أنهم لا يقرؤونها لكنها تزاحم الشركات المتخصصة في الاعلام والنشر في سوق الإعلان.. وتحظى بدعم حكومي سخي.. فهل درست المسألة بعناية وتم احصاء المجلات الصادرة في المملكة عن الدوائر الحكومية؟.. وكم هي ميزانياتها السنوية وكم عائدات الإعلان والرعاية؟.
إنها حقاً معادلة تستوقف الشخص المتابع.. وتلفت نظر المهتمين.. وتحدث خللاً في اقتصاد المعرفة لدينا.. لأن المعادلة تقوم على موازنات وضمانات هي التي تجعل المستثمرين يقومون باستثمار أموالهم في مثل هذه القطاعات كنوع من وسائل التنوع الاقتصادي الذي تدعو إليه الدولة وتشجعه.. في الختام نأمل أن تلتفت وزارة الإعلام الى هذه الظاهرة وتقوم بدراستها وتقييم انعكاساتها على الوارد الحكومي وعلى المستثمرين في مجال الإعلام والنشر.
* نائب المشرف العام على التحرير لمجلة «تأمين» ومجلة «سياحة». |