Friday 25th October,200210984العددالجمعة 19 ,شعبان 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

د. العواجي.. يحاضر في نادي المدينة عن «الوطن والتحديات.. رؤية تاريخية» د. العواجي.. يحاضر في نادي المدينة عن «الوطن والتحديات.. رؤية تاريخية»

* القسم الثقافي محمد الدبيسي:
ضمن النشاط المنبري لنادي المدينة المنورة الأدبي، ألقى معالي الدكتور إبراهيم العواجي محاضرة بعنوان «الوطن والتحديات، رؤية تاريخية» وذلك مساء يوم الثلاثاء الموافق 16/8/1423هـ في قاعة المحاضرات بمكتبة الملك عبدالعزيز العامة، حضرها وكيل إمارة منطقة المدينة المنورة المهندس عبدالكريم الحنيني، وعدد كبير من المسؤولين وأساتذة الجامعات والإعلاميين وجمهور النادي.
وقد بدأ الدكتور عبدالله عسيلان رئيس النادي المحاضرة بتقديم سيرة ذاتية وعلمية للمحاضر، ونشاطاته الثقافية والعلمية، ثم استهل الدكتور إبراهيم العواجي محاضرته الآتي نصها:
الوطن والتحديات:
رؤية تاريخية
هذا الوطن ليس ككل الأوطان، فهو وطن مميز عن غيره باحتوائه لأطهر المقدسات، كرم من الله كبير وقيمة إنسانية فريدة تفرض علي أهله مسؤولية بقدر أهمية المكان تتضاعف أهميتها في هذا الزمان.
هذا الوطن الذي أخذ بكل تبعات هذا التفرد المكاني والمعنوي فتفرد بتطبيق شرع الله والتزم به إطاراً محكماً لكل جوانب الحياة النظامية والسلوكية، الرسمية والأهلية منذ نشأته حتى مرحلة تمام نضجه ثابت لم تزحزحه عوامل التغيير القوية وإصرار بوجه عوامل التشكيك والتضليل الوضعية.
وطن أنعم الله عليه بالثروات الطبيعية التي مكنته من أن يرقى تنموياً إلى مصاف الدول الغنية بعد أن كان لا يعرف إلا الفقر والشح وضيق الموارد.
وطن حباه الله بإنسان مؤمن قادر على التماسك والتوازن في زمن الزلازل والأعاصير الهائجة، إنسان اختار أن يبني ولا يهدم ويتحد ولا يتفرق ويعي قيمة وطنه واستقراره ونمائه.
هذا الوطن الكبير الذي يسكننا جميعاً قبل أن نسكنه مر بمراحل ولادة عسيرة بكل مقاييس بناء الأوطان تعلم منها معاني وقيماً أصبحت تشكل مقومات هويته المتميزة بقوة الإيمان و الصبر والإصرار والجلد والثقة بالنفس، وقيماً ما كانت لتترسخ لو لم تكن التحديات التي عرفها هذا الوطن بحجم الوطن مساحة وقيمة معنوية.
لقد مرت علينا عشرات السنين بعد توحيد المملكة وبناء مؤسسات الإدارة والحكم ونحن في حالة تنفس واسترخاء كحال من جلس بعد ركض مسافة الألف ميل هكذا نكاد لا نصدق عظمة الإنجاز التاريخي الذي وصلنا إلى ما نحن فيه ولكننا لم نتعامل نحن أجيال ما بعد إعادة توحيد الوطن مع أنواع التحديات التي عرفها آباؤنا ولا ما يحمل لنا هذا الزمن الرهيب من تحديات معاصرة كبيرة تلامس هويتنا الدينية والثقافية والوطنية.
وإذا كان جيل التأسيس قد قام بدوره التاريخي في ظروف أقل ما توصف به أنها ظروف موسومة بالجهل والفقر والاستحالة ومع ذلك استطاع بإيمانه وصلابته وحسه المتلهف لحال أفضل مما كان عليه أن يقارع ويصارع وينتصر على كل التحديات الكبيرة جداً التي واجهها لتوحيد الأرض ويفرض الأمن والعدل ويضع الأسس لحالة الرخاء التي ورثناها.
هذه القراءة وهذه المقارنة بين جيل وجيل وبين طبيعة تحد وإمكانات المواجهة وتحد آخر وامكانات المواجهة في ظل المعطيات المعاصرة في وجه تيارات ورياح التغيير الدولية التي بدأت تعصف بالأخضر واليابس من حولنا هي استقراء لتجربة ومحاولة التأسيس عليها للإعداد لمواجهة مخرجات هذا الزمن المختلف والمتغير بسرعة وقوة تفوق قدرة الكثيرين على استيعابها، وإذا كنا مطالبين بالتعامل بوعي وحذر وجدية مع ما يجري على الساحة الدولية فإن من المهم لنا أن نستذكر قصة بناء دولة حديثة ليس لنا حق الإدعاء بإنجازه ولكننا مطالبون بصيانته وكل ما تستوجب مناعته واستمرار تقدمه وهي مسؤولية والله أنها جسيمة تحتاج منا الكثير والكثير بدءاً بمحاسبة الذات وانتهاءً ببناء حصون المناعة ضد المؤثرات التي تستهدف هويتنا ومصالحنا ووطنا.
مسلسل التحديات
1- كان التحدي الأكبر أمام مؤسس هذه الدولة المغفور له الملك عبدالعزيز ورجاله وشعب المملكة هو إعادة لملمة أشتات الوطن وتوحيد أجزائه في كيان واحد متماسك وهل أكبر من هكذا مهمة.. أجزاء متفرقة مبعثرة ضعيفة تخضع لحكام وولاة يتصارعون تحت مظلة الخوف والفقر ويتبعون قوى خارجية متنوعة يمضغون مصادرهم الضيقة ويعيشون بلا منهج نحو الغد، فكانت وحدة الوطن التي تحققت بالدم والجهد الاستثنائي كانت إذا ما أمعنا النظر بها الآن أشبه ما تكون بالمعجزة التاريخية.
ولكن بأي سلاح وقوة مادية واجه المؤسس ورجاله هذا التحدي؟! بالإيمان والعزيمة والتضحية والصبر والإرادة.. كانت هذه هي أسلحتهم وكانت هذه مصادرهم المادية ومع أنهم لم يكونوا متعلمين كما نحن الآن فقد كانوا يتمتعون با لوعي الطبيعي والقدرة على الاستجابة لحاجتهم للأمن والنظام وكرم العيش والوحدة فأنجزواً ما عاهدوا الله عليه بصدق وأورثونا منجزاً تاريخياً ومسؤولية كم هي كبيرة لو كنا نعلم حق العلم كنهها.
2- والتحدي الكبير الآخر كان ممثلاً بالخوف وانعدام الأمن من جهة والفقر والعوز من جهة أخرى.. هل كان فقدان أهم عنصرين في حياة الإنسان الأمن والغذاء حافزاً لآبائنا للالتفاف خلف القائد عبدالعزيز بحثاً عن أفق آخر يخرجهم من حالتهم الميئوسة؟ هل كان هو سبب التمزق أو نتيجة له؟ ربما كان هو السبب وهو النتيجة معاً وقد استطاع المؤسس ورجاله من كل أجزاء المملكة الواسعة حاضرة وبادية أن يهزموا هذا التحدي بالإيمان والإصرار والإرادة والمعاناة كما هي حالهم في مواجهة التحدي الأول.
3- أما التحدي الثالث فقد تمثل في استحقاقات بناء الدولة بمؤسساتها المختلفة، تنظيماً وإدارة تأسيساً على ماذا من امكانات مادية وبشرية وتنظيمية مؤهلة؟ أكاد أقول لا شيء يستحق الذكر فبالنسبة للامكانات البشرية فقد كان التعليم الحديث نادراً باستثناء بعض المدارس الأولى بمدن الحجاز وما عداها فإن الأمية هي القاعدة والقلة القليلة تتمثل في أولئك الذين يقرؤون القرآن الكريم ويكتبون الخط لهذا عندما أدرك عبدالعزيز حقيقة امكاناته البشرية استطاع بحنكة وبعد نظر أن يستعين برجال خبرة ومعرفة من بعض الأقطار العربية لسد هذه الثغرة في تلك المرحلة، ومادياً فقد كانت محدودة وضعيفة جداً منحصرة في عوائد الزكاة ورسوم الحجاج وما يدخل في إطارهما.. فلا نفط ولا صناعة حديثة ولا تجارة ولا صناعة حرفية، وتنظيماً فقد بني تنظيم الدولة على بعض الأشكال التنظيمية البسيطة الموجودة في مكة المكرمة مثلاً وهي تنظيمات مستقاة من التجارب المصرية والتركية ولكنها لم تكن ذات أبعاد شمولية تلائم طبيعة وحجم الدولة الكبيرة الجديدة. هكذا كان التحدي الحقيقي: بناء دولة تمتد من البحر للبحر بمساحة دول غرب أوروبا متباينة التضاريس بحور من الرمل وبحور من الصحاري الجرداء وجبال واسعة صعبة وشواطئ تمتد لآلاف الكيلو مترات، بلا أمن ولا موارد طبيعية أو مالية كافية ومع كل ذلك قامت دولة بمؤسساتها وأنظمتها ورجالها لتفسح الطريق ممهداً لما بعد لبناء دولة عصرية فاعلة.
وإذا ما بحثنا عن أسباب النجاح في كسر رماح التحديات الثلاثة السابقة فسوف نجده في أخذ الدولة منذ اللحظة الأولى بالشريعة الإسلامية كنظام للحكم وفرض تعليماته في كل شؤون الحياة كما نجده مجسداً بخصائص بشخصية الإنسان السعودي في تلك المرحلة المتمثلة في إرادة الخروج من نفق التمزق والخوف والجوع لدى شعب عانى من ويلاتها مجتمعة.. فهل نحتاج نحن هذا الجيل المتأرجح إلى مثل تلك الظروف القاسية لكي نقدر على مواجهة التحديات المعاصرة. ألا يكفي الوعي بقيمة الوطن وإنجازاته ليكون مصدر قوة لنا في التعامل مع تيارات الاستهداف والتغيير؟!.
4- وجاءت مرحلة التنمية التطوير بكل تعقيداتها وإشكالياتها ومتطلباتها لنواجه تحدياً آخر هو: كيف نستطيع أن نحقق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالسرعة المطلوبة لنواكب العالم الذي سبقنا في بنائه التنموي أجيالاً وأجيالاً وبنفس الوقت نحافظ على ثوابتنا الوطنية من دين وقيم اجتماعية وبقية عناصر هويتنا الوطنية فقد كان تحقيق هذين الهدفين: التنمية السريعة والالتزام بالثوابت يطرح تحديا من نوع خاص لماذا؟ لأن الشعوب التي سبقتنا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية ضحت بقيمها وثوابتها أو لم تعطها وزناً حتى مماثلاً لتحقيق غاياتها التطويرية فهل نجحنا؟ نعم ولا!.. نعم، لأننا حققنا إنجازات مادية قياسية من جهة وحفظنا على منظومتنا القيمية والاجتماعية.. و لا، لأننا في غمرة الركض السريع لم نلتفت جيداً للإفرازات الطفيلية التي نتجت عن تحقيق التنمية المادية المتمثلة في تولد شرائح اجتماعية غير قادرة على استيعاب الحكاية برمتها مما أنتج إما الانحراف السلوكي وإما التطرف الديني في مجتمع يعتبر في كل المعايير أكثر المجتمعات العربية والإسلامية تمسكاً بالدين إيماناً وعملاً.
كما أننا بسبب تسارع العملية التحديثية وبالرغم من إيجاد عشرات الجامعات والكليات والمعاهد التعليمية لم نستطع أن ندرك أهمية المخرجات التعليمية التي نحتاج لنوفر المساحة الكافية لاستيعاب هذه المخرجات في نظامنا الإداري والاقتصادي والاجتماعي، الأمر الذي وضعنا الآن أمام تحدٍ كبير ومهم جداً يحتاج منا إلى وقفات جادة أمام كل عناصر الموضوع والتعامل معها انطلاقاً من مسلمات جديدة لأن الاعتماد على التعديلات أو وسائل العلاج التقليدية لا يمكن أن ترقى إلى متطلبات تصحيح المسار في الاتجاه الصحيح.
5- وحين نتحدث عن البطالة كأحد إفرازات تلك المرحلة التنموية وهي ان كانت مجهولة من حيث الحجم والنوع بمعيار علمي وموضوعي دقيق فإنها تضعنا أمام تحدٍ من نوع آخر فهي تعني أمرين: الفراغ من جهة وإهدار الطاقة المنتجة من جهة أخرى.. واضرار الفراغ لا تحتاج مني إلى إيضاح لأنها ظاهرة تحكي عن نفسها وهي مسرح لكل أنواع الانحرافات الأخلاقية والفكرية والسياسية.. إنها مفرخة تولد الشر والضياع والعبث. أما الخسارة التي لا تلقي التفاتاً كافياً فتتمثل في إهدار الطاقات الإنتاجية للشباب الذين يمثلون حسب الإحصاءات الرسمية الأكثرية المطلقة للسكان. ولأن الإنسان هو الأداة وهو الهدف وهو المستفيد من عمليات التنمية والبناء فإن وجود قوى اجتماعية كبيرة مهدرة إما بسبب عدم ملائمة إعدادها للعمل أو لعدم وجود فرصة العمل لها يعتبر خسارة اجتماعية واقتصادية كبيرة بل تحد من النوع المعقد السهل الممتنع إنها طاقة إنتاجية مهدرة أو غير مستخدمة وأي بناء ينقصه العنصر الأهم له وهو الإنسان فهو بناء ناقص.
6- أما التحدي الأحدث والأخطر لتداخل عناصره بشكل أساسي مع عناصر القوة والثبات في مجتمعنا فهو التحدي الفكري وظهور الاتجاهات المتطرفة في المجتمع ونحن وإن كنا لسنا بصدد البحث عن جذور هذه الظاهرة لتعدد جوانبها وتداخلاتها فإن من واجبنا الاعتراف بوجود الظاهرة ومحاولة التعرف على مكوناتها وأسباب تكوينها وهي الخطوة العلمية الأولى والأهم في الاتجاه الصحيح نحو إعادة توجيهها وتحويلها إلى طاقة تلتزم بمصلحة الوطن وتعمل على قوته ومنعته وتطويره.. ولكن من هو المسؤول عن التعامل مع هذه الظاهرة؟! إنه نحن.. نحن جميعاً آباء واخوانا وأصدقاء وعلماء وموجهين ومثقفين وكتاباً، وانه جميع الأجهزة الحكومية المسؤولة عن التربية والتعليم والتوجيه والدعوة إلى الله. وإنه كل من يملك بحكم موقعه أو مجاله جواباً أو حلاً للإسهام بتطويق واستيعاب الظاهرة.. لأننا نتحدث عن أبناء الوطن الذي نحمل جميعاً تجاههم مسؤولية فهمهم وفهم أسبابهم وفتح الطريق لهم بقوة ليكونوا أعضاء منتجين ومصادر قوة لوطنهم.
إنه حقاً لتحدٍ من نوع خاص يحتاج إلى معالجة من نوع خاص من كل من يحمل أمانة المسؤولية تجاه الوطن في أي موقع كان وأي مستوى يكون ولا يمكن لنا مجتمعين أو أفراداً أن نقدر على الارتقاء لذروة المسؤولية ما دمنا نتعامل مع بعضنا داخل وطننا كأنا وهو وأنت، رأيي ورأيك، موقفي وموقفك أنا والآخر، هذه الأحادية الضيقة حالة من الترف الضيق التي قد تصلح في مجتمع أو زمن آخر ولكن عندما يكون المجتمع واحداً ديناً ومصلحة وانتماء كما نحن وعندما ندرك أننا أمام تحديات خارجية نوعية ومادية عارمة تستهدف مقومات ديننا وهويتنا واستقرارنا حتى كياننا الكبير فإن الواجب يقضي بأن نتحد ونحترم حق الآخر منا في أن يكون له رأي مختلف وأن نعرف أن انشغالنا في إضعاف بعضنا البعض هو أكبر قوة وأداة نصر للعدو أياً كان لونه ومذهبه ودعاواه.
7- والآن وقد استعرضنا بعضاً من التحديات التي مررنا بها عبر مائة عام فإن من المهم أن نحاول الوقوف أمام التحديات الخارجية التي نواجهها الآن وما قد نواجه في المستقبل.
1- العولمة، وهي حركة تاريخية معاصرة أو تيار غربي مدمر ومعمر اعتماداً على الزاوية التي تنظر منها إليها وعلى طبيعة ودرجات أولوياتك بين قضايا الاقتصاد والاجتماع والثقافة هذا الاختلاف هو ما يفسره الاختلاف في تعريف العولمة وهو ما لن أشغلكم به. ولكن المتفق عليه هو أن العولمة تعني قوة التغيير التي يحملها النظام الاقتصادي الجديد بتكتلاته الإنتاجية والخدمية الكبيرة والاتفاقات الدولية التي توغر له الغطاء أو الآلية الدولية لاكتساح الأنظمة والمؤسسات الاقتصادية الصغيرة والضيقة، وهي تعني التحولات المعرفية والعلمية القادمة لكل مكان وكل بيت وكل مكتب من خلال أنظمة التقنية والمعلوماتية الحديثة ووسائل الإيصال والاتصال والإنترنت والبث الفضائي وغيرها وهي وسائل يصعب التحكم المباشر في تدفقاتها.
هذه العولمة استطاعت أن تحدث تغييرات في سلوكيات كثير من الشعوب وتعيد صياغة هوياتهم الثقافية بما يلائم طبيعتها ومقتضياتها، وهي موجودة الآن في خاصرتنا الاجتماعية والثقافية تشاهدونها في مظاهر الشباب واهتماماتهم الخاصة ومعلوماتهم وأكلاتهم فهل في هذا تحدٍ؟ أجل، والتحدي لا يقتضي منا الرفض المطلق لو كان الرفض يجدي، ولا القبول المطلق لأن العولمة تحمل في طياتها ما هو مفيد وما هو ضار كالرياح الممطرة قد تدمر المنشآت ولكنها تسقي الزرع والأرض.
ولكن قد يتساءل أحدكم فيقول هل من الممكن التحكم بتياراتها العارمة وتكييفها لصالح مجتمعنا.. والجواب: لا ونعم، لا لأنها تيارات تدخل بدون استئذان بقوة وسائلها الفنية والمادية والتنظيمية ونعم لأن أي مجتمع يعي ثوابته ويعرف لآته يستطيع أن يوقف التأثير السلبي لمدها ليس من خلال الرفض والابتعاد عن مجرى التيارات ولكن بالاعتراف بها ولو على مضض ومن ثم القبول بالحد الأدنى من شروطها وصولاً إلى التحول من موقع التابع، المتلقي، المفعول به، إلى موقع المشارك، الفاعل وهو أفضل ضمانة ممكنة للحد من آثارها السلبية على منظومة القيم الأساسية للمجتمع، وهذا لن يتحقق ما لم يكن لدى المجتمع بكل فئاته الفاعلة قناعة تامة بثوابته وبقدرته على أن يكون مشاركاً بقليل من التنازلات التي لا تمس جوهر ثوابته الرئيسة.
هذا هو التحدي المعاصر الذي ليس لنا أن نختار مبارزته أو مواجهته لأنه ينفذ إلينا عبر مسام جسمنا الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ولكننا قادرون بإذن الله إذا ما تسلحنا بالوعي والثقة بالنفس وبقوة مكونات هويتنا وقيمنا على تحقيق الاستفادة من مخرجات العولمة المادية والمعلوماتية بدون أية تنازلات جوهرية لصالح قيم أو نظم أو أهداف خارجية.
2- أما البعد الآخر للتحديات الخارجية فهو يتمثل فيما نواجهه من استهدافات عدائية في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م. هذه الاستهدافات التي تحمل الكثير من المضامين التي تلامس عدداً من مؤسسات الوطن الأساسية، الدينية والتعليمية والاقتصادية والخيرية وحتى أسلوب الإدارة والحكم. هذه الاستهدافات اتخذت من تلك الأحداث ذريعة لمحاولة الانقضاض على و طننا لأنه قاعدة الإسلام وحصنه الحصين وذروة الأمة العربية المحتضرة وحاولت الصهيونية العالمية والصليبية المتعصبة متحدة مع أطماع سياسية واقتصادية دولية في أن تصفي حساباتها التاريخية مع أمتنا انطلاقاً من عمل نسب لأفراد من وطننا وبصرف النظر عن فحوى وحقيقة التفسيرات التي تطرح لإيضاح أبعاد هذا الاستهداف وبدون حتى الالتفاف لافتراضات نظرية المؤامرة الشائعة في هذه الحقبة من الزمن فإن من المحقق أننا مستهدفون الآن في كل أساسياتنا وأننا نواجه الآن وسوف نواجه في المستقبل أنماطاً مختلفة من الأطروحات التي تهدف إلى إحداث تغييرات أساسية في أوضاعنا الاجتماعية والثقافية والمؤسساتية.
لذا فمن واجبنا على المستويين المجتمعي والحكومي، الفردي والجماعي أن نقبل بوجود هذا التحدي ونتعامل معه بموضوعية بعيدة عن العاطفة والانفعال وبما يرقى إلى خطورته لا إلى ما ينزل إلى تطميننا واستكانتنا.. وهذا الموقف يفرض العديد من الاستحقاقات المهمة مثل:
1 الوعي الجاد بالأخطار الممكنة أياً كان مصدرها.
2 الوعي المسؤول تجاه وحدة الانتماء ووحدة الوطن.
3- إعادة النظر في كل ما نقوم به أفراداً ومؤسسات وتصحيح ما يقتضي التصحيح وصولاً إلى تحقيق المناخ السليم لمواجهة التحديات القائمة والمحتملة.
4. تجاوز ما تفرضه القوالب الجاهزة أو الفئوية أو الشللية من أفكار قد تحول بين أفراد المجتمع وبين مقتضيات المصلحة العليا للوطن وثوابته الدينية والاجتماعية والسياسية وليتذكر كل مواطن أنه بدون وطنه وأمنه واستقراره لا كرامة له ولا مستقبل ولن يواجه إلا الذل والخيبة والحسرة ولنتجاوز الترف الفكري فعندما يتعلق الأمر بحماية العقيدة والاستقرار والوطن يصبح كل شيء ثانوياً في عرف المؤمنين بأوطانهم وحقهم في الحياة الآمنة الكريمة.
وفي نهاية المحاضرة.. أجاب الدكتور العواجي على أسئلة ومداخلات الحضور، بالرغم من عدم اتساع الوقت لها جميعاً، وقد ألقى بعض النصوص الشعرية تلبية لرغبة الحضور.
الذي شهد ارتفاعاً نسبياً مقارنة بالمحاضرات السابقة وأعلن بعدها رئيس النادي انتهاء الأمسية شاكراً معالي الدكتور على استجابته لدعوة النادي.. كما شكر الحضور على تفاعلهم وحسن استماعهم، ومشاركتهم في فعاليات النادي الثقافية.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved