عندما استيقظت في أحد أيام الصيف الحارة شعرت بثقل في رأسي ولد لدي صداعاً راح يضرب بقوة في كل أجزائه، حاولت المقاومة لكنه كان يزداد مع الوقت ولم تجد محاولاتي.
قارب النهار على الانتصاف والألم ما زال مقيدا لذلك الرأس الضخم الذي غزاه الشيب والصلع، ظللت حبيس مكاني بعدما فشلت في التخلص منه ومع زيادة وتيرة الألم كسرت قيد الاستسلام ومضيت إلى المستشفى وفي الطريق كانت الشمس لاهبة تجبرني على السرعة خوفا من الإصابة بضربة شمس ادلفت مع مدخل المستشفى فإذا بي أمام سيل جارف من المراجعين كانت خطواتهم في الممرات مثل عرض مشاة عسكري، ذبت في داخلهم وأنا أتقدم بحثا عن العيادة، كانت خطواتهم تنزل على رأسي كالمطرقة، جلت ببصري قليلا ثم سمرته إلى إحدى اللوحات المعلقة في نهاية الممر، هذه هي العيادة المقصودة، اقتربت منها وأنا في تلهف إلا انني لم أكن وحدي، لقد كان أمامي مجموعة من المراجعين الذين حضروا قبلي، عليّ بالانتظار. تسرب إليّ الضيق وأنا أهم بالجلوس على الكرسي المقابل للعيادة، رحت اتفحص وجوه المراجعين لعل هذا يخفف من وطأة ذلك الصداع، الجميع في صمت باستثناء طفل كان يلهو بالقرب من باب العيادة بجانب رجل تجاوز الأربعين من عمره مسندا رأسه إلى إحدى يديه بينما يشير بالأخرى إلى الطفل بالكف عن اللعب من حين لآخر.
يمر الوقت وأنا في ترقب انتظر دوري على أحر من الجمر والصداع يتموج في داخل رأسي، وضعت يدي على حاجبي وضغطت عليها بشدة، صدر صوت بكاء وعويل وجلجلة في نهاية الممر فتوجه الجميع بنظرهم صوب مصدر الصوت، لقد كانت عربة المستشفى تشق الممر متجهة نحونا بسرعة يدفعها اثنان من الممرضين يرقد عليها مريض هو مصدر البكاء والعويل، رحت أراقب المنظر باهتمام حتى ادخل المريض إلى عيادتنا، تحررنا قليلا من ذلك الصمت فصدرت بعض الكلمات.. من مسكين .. الله يشفيه.. الحمدلله من قبل بعض المراجعين، وبعدها بساعة واحدة كانت هناك مفاجأة عندما خرج إلينا المريض وهو يمشي على قدميه مما أثار دهشتنا جميعا كيف حصل هذا.. ما هو السر؟ جاء دوري، سألني الطبيب ما هي علتك؟ حاولت استدراج الطبيب ومعرفة الحقيقة فقلت له لقد كان هناك تأخير في عملية الكشف فرد عليَّ قائلا ان كل حالة لها وضعها الخاص، انتهى من الكشف عليَّ بعدما وصفت له الحالة إلا انه بقي في داخلي رغبة جامحة لمعرفة ماذا حصل مع ذلك المريض، راودني التردد قليلا بعدها قررت المبادرة فتوجهت بسؤال هل بامكاني معرفة حالة المريض الذي دخل عليك بعربة وخرج يمشي على قدميه؟ نظر إليَّ الطبيب نظرة حادة قاطب الجبين قائلا: ما دخلك أنت بحالته هل هو قريب لك أو مسؤول عنه؟ دع عنك التدخل فيما لايخصك خذ هذه الروشتة واصرفها من الصيدلية في الخارج.
|