سراب هو العمر عندما تكون نهايته عبث، وقيمته لاتساوي (طلقة)!
في صباح بارد، ذهبت مبكراً نحو المدرسة التي أعمل بها أعلى وادي (الخضراء) طريقها بري. الشمس مازالت نابتة تتسلق أشعتها تلك الجبال المقفرة. بينما كنت أسير ذلك الطريق بسيارتي على جانبه امرأة بدوية جالسة.. واضعة يدها على خدها.. بينما نظراتها منكفئة نحو الأرض... اقتربت منها. ملابسها رثة زاد من رثاثتها تراب علق بها.
سألتها: هل تحتاجين مساعدة؟
لم ترد! مجهشة بالبكاء
كانت تحتضن على ركبتيها
طفلة مفترشة دمها.. خوفاً هزني.. ارتميت عليها.. أطرافها دافئة.. دمها
أحمر قان سال. فاضت روحها
المرأة تتمتم وبغمغمة تكاد لاتفهم: أخوها.. أخوها!
كان في الخلف يدور في كل اتجاه مرعوباً.. بائساً.
حاولت تهدئته وإن كنت أنا الآخر أحتاج لمن يقوم بذلك.
عيناه جاحظتان.. محمرة.. غطى التراب وجهه.. تمرغه!
يصرخ: (ياويل ويلي) (ذبحتها.. ذبحتها.. اختي..)
(يانوير يانوير لاتموتين).
رأسي المرتعد.. أذهلتني الفاجعة!
سألت بصوت خفيض: كيف حدث ذلك؟
ردت مجهشة حد العويل.. مزقتني اللحظة!
الله المستعان.. دمها بلل مريولها كانت تتأهب للمدرسة! (بكلاتها) البيض احمرت.. دفاترها ارتوت دماً.. عصفورة ماتت لم تطر.. سلاح أهوج.. يد طائشة عابثة! رصاصة غيبتها عن زميلاتها في المدرسة! حتى أخوها ذو الملامح التضاريسية الحادة.. حدة تلك الجبال.. غائب هو الآخر!
حملان صغيرة متناثرة حولنا تبدو عليها العصبية تأكل تلتقط هائجة!
طلح انتشر في المكان رأيته منكسراً.. ذبول أشحبه!
الموت لونه كئيب.. ومن لم يمت هنا فحياة شحيحة يائسة تنتظره.
مازلت وحيداً.. الصمت حاضر لاشيء غيره!
من القاتل؟ ومن الضحية؟
حزن خيم! سواد انتشر في الأنحاء المقفرة تلك!
الأم الموجوعة.. منظرها.. تحتضن الضحية.. كارثة! حلت بها.
حتى المواساة جافة في حلقي لم تخرج.. كلماتها عاجزة عن التعبير طفلة نابتة.. لم تتحمل عطش تلك الأودية المقفرة.
هناك وكثيرا عندنا.. أشياء تحدث! أسلحة في متناول أيدي طائشة!!
لم يبق لي في ذاكرتي سوى منظر أمها أمحى ما كان يبهجها ((إن كان هناك مايبهج)).
سبت العلاية |