أعود للكتابة بعد توقف دام شهرين ونيفاً بسبب ارتباطاتي العملية شاكراً لذلك العدد من القراء الكرام الذين ما فتئوا يتساءلون عن أسباب التوقف، والمطالبة بالعودة، وفي هذه المقالة سيكون الضوء مسلطاً على ندوة هامة يزمع إقامتها في مدينة شنغهاي بجمهورية الصين الشعبية بعنوان «مفهوم الإرهاب وأسبابه» بالتعاون بين سفارة المملكة العربية السعودية في بكين ومركز الدراسات الشرق أوسطية للدراسات الدولية بجامعة شنغهاي الصينية والتي سيتطرق فيه خبراء السياسة والاستراتيجيات الدولية والإعلاميون في كلا البلدين لمدلولات الإرهاب والأسباب المؤدية إلى نشوئه وذلك في أربعة محاور على مدى يومين متتاليين، يتخللهما محاضرتان للسفير السعودي بالمملكة ومسؤول من وزارة الخارجية بالمملكة.
لقد كان من الأهمية بمكان أن يستمع ذلك الجانب السعودي لرؤية بعض المفكرين والعلماء وخبراء الاستراتيجية الصينية حول «مفهوم الإرهاب وأسبابه»، وكذلك أن يستمع الجانب الصيني إلى المفهوم السعودي لهذا المصطلح الذي لا تخلو وسيلة إعلام من طرقه كل يوم، بل عدد من المرات في اليوم الواحد وفي الإصدار الواحد.
لقد ترعرع الشعب الصيني على حضارة راسخة الجذور في القدم ممتدة على مدى سبعة آلاف عام، تخللتها الكثير من الفلسفات والرؤى والأفكار الرائعة مثل الطاوية، والكنفوشيسية، ثم البوذية، إلى أن دخل الإسلام في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، ثم المسيحية واليهودية في العصر الحديث.
هذه الحضارة العريقة جعلت الشعب الصيني الصديق يتشبع بالحكمة والتعقل والأناة، ولهذا فإن كثيراً من رؤيته للأمور تنطلق من الواقع والعدل وحب السلام، والوصول إلى حل المشاكل العالقة عن طريق التفاهم والحوار.
والحقيقة أن الرأي العام ورأي المفكرين والإعلاميين في هذا الجزء من العالم يحتاج إلى أن يستمع إلى وجهات نظر متعددة حيال مسألة الإرهاب وأساليب مواجهته، فالجميع بلا استثناء يقف ضد الإرهاب لكون الإرهاب عملاً إجرامياً ضد البشرية جمعاء حرمته الكتب السماوية والحضارات والقيم الإنسانية، ولهذا كان العالم في حاجة لمعرفة المزيد عن مفهومه وأسبابه حتى يمكن التعرف على أنجع الأسباب للقضاء عليه أو على أقل تقدير الحد منه بشكل كبير.
والصين تمثل 22% من سكان العالم، وهي تتمتع بحرية الأديان، كما أنها منفتحة على العالم اقتصادياً وثقافياً واجتماعياً، ومجتمعها بعيد عن العنصرية والتعصب، ولهذا فإنه يمكن من خلال التمازج الثقافي الاستفادة من رؤية هذا المجتمع وإفادته، ولاسيما أن النخبة المثقفة فيه ذات أثر بالغ في نقل الحقائق كما هي إلى سائر المتلقين.
إن النظر بعين العدل حيال القضايا العالمية أصبح ضرورة ملحة ليخلف النظر بعين المصالح والمنافع، وإن كان الواقع غير ذلك، لكن النظرة الشمولية تجعل من المصالح والمنافع أكثر تحقيقاً عندما يسود العدل والإنصاف في العلاقات الدولية.وحل الإسلام في الصين قبل نحو ألف وأربعمائة عام، وعاش المسلمون الصينيون عبر هذه القرون في خير ووئام مع غيرهم، وعرف بعض الصينيين من غير المسلمين الكثير عن الإسلام، ورأوا فيه دين السلام والمحبة والخير، ولهذا فهم يبذلون ما في وسعهم لتعريف الآخرين بحقيقة هذا الدين، ولاسيما في هذا الوقت الذي حاولت فيه بعض أجهزة الإعلام غير المنصفة والمغرضة أن تفتري فتزعم أن هناك رابطاً بين الإسلام والإرهاب، وكأنها تقرأ معانيه بخلاف حقيقته.
إن الحكومة الصينية بحكمتها تحاول جاهدة أن تتم جميع القضايا العالقة من منطلق الحوار الهادف المنصف البناء، وهذا ما يتفق مع مواقف المملكة الداعية للسلام والعدل، وتجنب الحروب، والتفاهم والنقاش عبر الوسائل الدبلوماسية لإيجاد الحلول للمشاكل العالمية العالقة ولقد كان تطابق وجهات النظر بين البلدين حيال الإرهاب جلياً في البيان المشترك الذي صدر أثناء زيارة فخامة رئيس جمهورية الصين الشعبية للمملكة عام 1999م حيث شدد الجانبان على رفضهما القاطع للإرهاب بجميع أشكاله وصوره مهما كانت أسبابه ومصادره، وأكدا على أهمية التعاون والتنسيق الدوليين في مكافحة الإرهاب والدور البارز للأمم في هذا الشأن، كما شمل نص البيان على نفس المضمون في البيان المشترك الذي صدر أثناء زيارة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام للصين في عام 2000م، والذي أكد فيه الجانبان على شجب الإرهاب بجميع أشكاله وأياً كان مصدره، وأكدا على أهمية إجراء التعاون والتنسيق الدوليين لمكافحة الإرهاب وقيام الأمم المتحدة بدور بارز في هذا المجال.
ومهما يكن من أمر فإن الإرهاب عمل مشين وممقوت يحتاج إلى تعاون دولي وثنائي للعمل على اجتثاث جذوره.
إن للمثقفين في المملكة والصين دورا بارزا في التعريف بهذه الظاهرة والبحث في أسبابها ومن ثم الوصول إلى أنجع الحلول للقضاء عليها ولاسيما أن المملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الشعبية دولتان شربتا من معين الحضارة منذ آلاف السنين وتولد لدى شعبي البلدين قيم وأخلاق ومبادئ أثرت في سلوك الفرد، وجعلته ينعم بمعطيات حضارته في ظل عالم تلتقي فيه بعض القيم وتتنافر، فلعل هذه النماذج من القيم تكون شمعة مضيئة ومفيدة تتفاعل مع قيم الخير في العالم، لتساعد على أن يعيش الإنسان عيشة كريمة آمنة مطمئنة.
|