Sunday 20th October,200210979العددالأحد 14 ,شعبان 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

شدو شدو
في جوهرية البدهيات الزمنية
د. فارس محمد الغزي

صدفة يلتقيان وذلك بعد أن فرقت بينهما منذ عهد الصبا أمواج الحياة المتلاطمة.. فقد تزاملا من المرحلة الابتدائية حتى نهاية المرحلة الثانوية ليسلك بعد ذلك كل منهما طريقا مختلفة دراسة ووظيفة..، وبعد لأي وتردد في تمييز بعضهما الآخر يتعانقان ليبدأ كل منهما محاولة الإمساك بالخيوط المهترئة من ذكريات أيامهما الخوالي، وللخروج من هذا المأزق يبادر أحدهما بطرح سؤال الأسئلة.. وهو كذلك توصيفاً لنمطيته وتكراره حيث هو وجبة رئيسة على ضفاف موائد اللقاءات لاسيما منها ما يحدث بعد طول غياب..، أما السؤال وإن اختلفت الصيغة فنصه: (لماذا تغيرت يا فلان..؟!).. هنا تكتشف أن لا إجابة بحوزتك وحينها لا تملك إلا أن ترمق صاحبك بنظرة (توسل واستجداء) صامتة.. غير أن السؤال ذاته يتكرر فتناور مرة أخرى بإخباره بأنه بالأحرى قد خطف السؤال ذاته من شفتيك حيث كنت على شفا طرحه عليه..
انتهى الموقف فماذا كانت النتيجة أو بصيغة أخرى: ما هو معيار الإجابة حين يكون الطرف الآخر ليس أنت.. ليس صديقك.. بله الزمن الأقوى من كليكما..؟
إن جل التساؤلات التي تشرب من أحواض الزمن تحظى بأصعب الإجابات وما ذلك إلا لكونها بدهيات وملجمة في آن، فلا عجب أن سؤالا بدهيا مثل (أين كنت..؟!) يمثل حضوراً جوهرياً في العملية الحياتية رغم بداهته، سواء أطرحه صديق.. أو زوج.. أو مدير.. أو حتى ضابط شرطة في خضم التحقيق مع متهم.. فالأسئلة الزمنية تتمخض في أروقة ما كان لتتشابك مع ما هو كائن مما يجعل اجاباتها جد عسيرة لاسيما نفسياً، ويضاعف من عسرها هذا حينما تنبثق سياقاتها على وجه الخصوص من حتمية إنسانية حيث يضحى أمر اجابتها حينئذ حتمية عن حتمية على غرار عبثية قاعدة «تفسير الماء بالماء»، لمثل هذه الأسباب يبدو أن اقرار الإنسان للزمن بالنسبية (وهذا لم يحدث إلا مؤخراً» ليس إلا رضوخا منه - صامتا رغم ذلك - لحتمياته وما ذلك إلا تفاديا منه لمغبات اجترارها نفسياً، فما الذي يجعلنا نصر في بعض الأحيان على طرح أسئلة لنا من اجاباتها النصيب ذاته..؟ لماذا على سبيل المثال نعتقد بأن التغير لا يطالنا بل (يطول!) الآخرين وحسب..؟
إن البشر أمام محكمة (الزمن) سواسية.. ولهذا يصح القول بأننا نخطئ - نحن الرجال - حين نقصر اللوم على النساء فقط وذلك حين يتحاشين الإجابة عن حتميات (الزمن) التي منهاعدم الافصاح عن أعمارهن؟ فمن ذا الذي يريد أن يعلن على رؤوس الأشهاد انتهاء (صلاحيته).. ومن منا يريد الاقرار (بالانتهاء..؟) بل ما هي معالم التغير حين نسارع بتوصيف أحدنا بأنه قد (تغير؟!) وما هي في الصدد ذاته علائم نقيض ذلك.. أقصد الثبات.. عدم التغير؟ وهل من الصحيح أن ثمة من يتغير عبر الزمن وثمة من لا يتغير..؟! ومن هو الحُكم والحَكَم في ذلك على ذلك..؟ بل ألا يمكن اعتبار ما نعتقده بخصوص عدم تغير بعض الأفراد عبر الزمن هو ذاته تأثيراً زمنياً.. عكسياً فوق ذلك؟
في الختام من عقم اجابات أسئلة (الزمن) يتولد السؤال مختبئا بثياب ملاحظة زمنية: لماذا نجد أن غالب ما طرفه (الإنسان والزمان) عرضة (للمزج) بين المتناقضات الغرائزية الإنسانية.
فرحاً.. حزناً.. كآبة.. شدوا.. نحيباً.. احتفاء.. شكاية.. إلى آخره..؟ لماذا عن الزمان والإنسان.. تتناقض الأمثال وتتباين الحكم والأقوال وتتعارض الأشعار بل تتصادم المشاعر..؟!
.. الإجابة: للزمن إجابات ليست كالإجابات..!

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved