* تغطية - فهد الشملاني - حسين الشبيلي - م. خالد السليمان - أحمد القرني:
رعى صاحب السمو الملكي الامير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس الحرس الوطني امس «السبت» وبحضور دولة رئيس وزراء ماليزيا د. مهاتير محمد حفل افتتاح ندوة الرؤية المستقبلية للاقتصاد السعودي التي تنظمها وزارة التخطيط وذلك بقاعة الملك فيصل للمؤتمرات.
وكان في استقبال سموه لدى وصوله مقر الحفل صاحب السمو الملكي الامير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام وصاحب السمو الملكي الامير نواف بن عبدالعزيز رئيس الاستخبارات العامة وصاحب السمو الملكي الامير سلمان بن عبدالعزيز امير منطقة الرياض ومعالي وزير التخطيط الاستاذ/ خالد القصيبي وقد القى صاحب السمو الملكي الامير عبدالله بن عبدالعزيز كلمة قال فيها:
الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الرحمة وعلى آله وصحبه أجمعين.
دولة اخي رئيس وزراء ماليزيا الدكتور/ مهاتير محمد
أصحاب المعالي، أيها الحضور الكرام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
باسم اخي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود - ايده الله - وباسم حكومة وشعب المملكة العربية السعودية، ارحب بكم، واشكركم على حضور هذه الندوة، مقدراً للمشاركين فيها جهودهم العلمية ودورهم الفاعل المسؤول.
ايها الحضور الكرام:
نفذت الملكة العربية السعودية السعودية ست خطط للتنمية، وانهت عامين من الخطة السابعة، اكتسب خلالها اقتصادنا - ولله الحمد - الكثير من عناصر القوة والنجاح - واصبحت له مكانته المتميزة التي يعكسها العديد من الانجازات الكبيرة والمهمة في مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية.
وقد حرصت المملكة، في تخطيطها للتنمية، على التفاعل مع الاقتصاد العالمي والاندماج فيه، واتخذت، في هذا الاطار، خطوات ايجابية للانضمام لمنظمة التجارة العالمية، وهيأت المناخ الملائم للاستثمارات الوطنية والاجنبية، كما لا يخفى عليكم الدور الريادي الذي تقوم به المملكة في تحقيق استقرار اسواق الطاقة ونمو الاقتصاد العالمي.
أيها الحضور الكرام:
ان ما يشهده العالم من تطورات مهمة، ومستجدات عديدة، خاصة في مجالات حرية التجارة العالمية، والمنافسة الاقتصادية، وفي نظم المعلومات والاتصالات وغيرها، يعزز انعقاد هذه الندوة، للمساهمة في تطوير السياسات الاقتصادية للمملكة ودفعها للامام، والتعرف علي البدائل المتاحة للنهوض بها مستقبلاً - ان شاء الله -.
ولا شك، ان اهتمام هذه الندوة باستعراض التجارب الناجحة على الصعيد العالمي، واستخلاص ما يلائم الاقتصاد السعودي منها، يعتبر توجهاً طيباً من اجل مواكبة التقدم الحضاري العالمي، واضعين نصب اعيننا تعاليم عقيدتنا الاسلامية السمحاء، ثم ارثنا الحضاري الشامخ، وثقافتنا العربية وتقاليدنا الوطنية الاصيلة.
اننا نأمل - ايها الاخوة الاصدقاء - ان تسهم فعاليات هذه الندوة في تقديم رؤية مستقبلية واضحة ومفيدة للاقتصاد السعودي وطرح التوصيات العملية النافعة حول آليات تحقيق تطلعات تلك الرؤية.
وفي الختام نود التعبير عن تقديرنا لكل من شارك في هذه الندوة وأسهم في فعالياتها.
هذا وأسأل الله العلي القدير - لنا جميعاً التوفيق والنجاح.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كما ألقى دولة رئيس الوزراء الماليزي الدكتور مهاتير محمد كلمة شكر فيها سمو ولي العهد والنائب الثاني على حسن الاستقبال والضيافة وتطرق في كلمته الى تأثير البترول على اقتصاديات النفط والرؤية الماليزية للاقتصاد السعودي وما تعتمد عليه الميزات النسبية لماليزيا على العمالة التي تتمتع بمستوى رفيع من التدريب والمهارات وذكر في كلمته ان الميزة النسبية للمملكة تكمن في النفط وفي موارد الطاقة كما تتميز المملكة بمساحات شاسعة وقدرة على انشاء المصانع حتى في الاراضي القاحلة والجافة.
مؤكداً ان وجود الفوسفات وغيرها من المعادن القيمة في حد ذاتها يعد مجالاً استثمارياً ضخماً.
واشاد معاليه بالنهضة الزراعية التي تمر بها المملكة من خلال استخدام اساليب الري العلمية الحديثة حيث تمكنت المملكة بالفعل من انتاج القمح باستخدام الري الصناعي.
واشار الى ان الميزة النسبية الاساسية للمملكة تكمن في النفط او الطاقة فالمملكة تصدر كميات كبيرة من النفط ولكن بالامكان تحويل النفط الى منتجات اخرى اهمها الطاقة الكهربائية حيث بالامكان انتاج الطاقة الكهربائية وبيعها بدلاً من تصدير النفط وبالتالي تحقيق دخل ثابت.
مشيراً الى آن التكلفة الحالية لتحلية المياه تعد عالية جداً ولكن بالامكان تقليل التكلفة من خلال تكثيف الجهود البحثية واضاف بأن هناك بعض دول المنطقة التي تحتاج الي المياه ومن ثم تستطيع محطات التحلية السعودية تحقيق ايرادات للدولة. معرباً عن امله ان تستفيد المملكة من استراتيجية التصنيع الماليزية من خلال الاستفادة من تكلفة الوقود بدلاً من تكلفة الايدي العاملة.
كما اكد ان المملكة العربية السعودية تستطيع ان تتفوق في مجال تقنية المعلومات اذا ما شرعت على الفور في بناء الموارد البشرية اللازمة.
وبين معالي دولة رئيس الوزراء الماليزي ان المسلمين بأشد الحاحة الى قوة اقتصادية ومالية ولدولة مسلمة تكون قوة عالمية، والمملكة العربية السعودية في موقع جيد لان تكون قوة عالمية اذا ما اختارت لنفسها ذلك واعانتها عليه الامة الاسلامية في سائر انحاء العالم.
- ان هذه الرغبة التي تحدونا لان تكون لدينا دولة اسلامية ذات قوة عالمية ليست وليدة رغبة منا في ان نشرع في سن غزوات علي مستوى العالم.
ان الدافع لهذه الرغبة يكمن ببساطة في ضمان الا يتعرض المسلمون وبلدانهم للقهر كما هو شأنهم اليوم.
- اذا ما احسنا التقيد بتعاليم الاسلام واستمسكنا بها فان بوسعنا ان نصبح اقوياء على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي من دون ان نفقد هويتنا وعقيدتنا.
ثم القى معالي وزير التخطيط الاستاذ خالد القصيبي كلمة شكر فيها سمو ولي العهد على تفضله برعاية هذه الندوة «الرؤية المستقبلية للاقتصاد السعودي»، كما قد شكره ايضاً الدكتور مهاتير بن محمد رئيس وزراء دولة ماليزيا الصديقة لمشاركتنا محفلنا هذا، كما اشكر وارحب بكل من لبى الدعوة لحضور هذه الجلسة الافتتاحية، وبالمشاركين في فعاليات هذه الندوة من المؤسسات العالمية والاقليمية والمحلية، والاكاديميين والباحثين من الجامعات المحلية والاجنبية.
واشار الى ان استشراف الرؤية المستقبلية للاقتصاد السعودي من خلال هذه الندوة، يأتي ثمرة جهود متواصلة قامت بها وزارة التخطيط، بمساندة فنية من البنك الدولي، وشارك فيها مسئولون وخبراء من القطاعين العام والخاص في المملكة، وخبرات اكاديمية ومتخصصة سعودية، ونخبة من الخبراء الدوليين على امتداد كافة مراحل الاعداد وحلقاته.
وقد شملت مرحلة التحضير عقد سلسلة متصلة من اللقاءات للتشاور وتبادل الرأي حول مختلف الجوانب التنظيمية والفنية والعلمية والموضوعية حتى يكتمل بنيان الندوة، وتتحقق الفائدة المرجوة على اكمل وجه واتم صورة، وهو ما استدعى عقد ورش عمل، وكذلك لقاءات بين معدي الاوراق من المختصين والخبراء بالمملكة ونظرائهم من خبراء العالم لضمان تدقيق الرؤية واستكمال جوانبها المختلفة في ضوء الخبرة والتجربة العالمية، ومستجداتها الكلية والقطاعية، حتى يأتي النقاش حول الاستراتيجيية التنموية المستقبلية للمملكة متكامل الابعاد والرؤى للحصاد التنموي في العالم ومتغيراته.
مؤكداً ان هذه الندوة، تأتي حلقةً من حلقات الجهود المبذولة لاعداد الرؤية المستقبلية طويلة الاجل حتى عام 1440هـ »2020م» لاقتصاد المملكة، وترتيب اولويات الاستراتيجية الشاملة، وتحديد المرتكزات الرئيسية للتنمية المستدامة في ظل المستجدات والمتغيرات المطروحة على الساحة الاقليمية والدولية، وتحقيق طموحات تعزيز القوة الاقتصادية للمملكة، واستكمال مسيرتها ومنجزاتها التي تحققت على امتداد مسيرة التخطيط، مع السعي الى بلورة منظومة الامكانيات المتاحة، وتلك التي يمكن اضافتها وكيفية تعظيم الاستفادة منها، بالاضافة الى الرصد الدقيق والموضوعي للتحديات التي تواجه الاقتصاد السعودي وطبيعتها وتأثيراتها على المدى القريب والبعيد، والتصورات والحلول الامثل لمواجهتها وتجاوزها.
واضاف معاليه: فعلى الرغم من رسوخ وضعنا الاقتصادي، الا ان العقود القادمة سوف تضعنا في مواجهة العديد من التحديات. فهناك الاتجاهات الديموغرافية «السكانية» التي تحدث ضغوطاً نحو توسعة الخدمات الاجتماعية والتجهيزات الاساسية بهدف تلبية احتياجات الاعداد المتنامية من السكان لخدمات الكهرباء والمياه والتعليم والصحة، فضلاً عن استحداث فرص عمل جديدة للقوى العاملة المتزايدة في المملكة. وهناك التحدي الناجم عن ندرة المياه. كما ان اقتصادنا الوطني لايزال يعتمد كثيراً على عائدات الصادرات النفطية على الرغم من الجهود المبذولة في مجال التنويع الاقتصادي. ولا ريب ان استمرار التنمية واستدامتها في ظل هذه القيود والتحديات يقتضي مضاعفة الجهود لتطوير الاداء وتحسين الفاعلية الاقتصادية.
ان التخطيط الاستراتيجي للتنمية المستقبلية في المملكة لا يبدأ من فراغ، بل يستند الى رصيد متراكم من التجربة التخطيطية والمنجزات والتحديات على امتداد خطط التنمية السبع، كما يستند الى تراكم في الطموح والقدرة على التنفيذ. الا ان بروز مفاهيم وممارسات اقتصادية جديدة تماماً على العالم، مثل مفهوم اقتصاد المعرفة، وما يرتبط بها من ثورة الاتصالات والمعلومات والتقنيات، وتحرير الاسواق، وبروز عنصر التنافسية والكفاءة كمعيار حاكم للقوة الاقتصادية، تجعل الحاجة للمراجعة والتقييم ضرورةً قصوى من ضرورات التخطيط، خاصة في ظل الدور المتنامي للقطاع الخاص والتنفيذ للسياسات الشاملة للتخصيص.
وبين ان الندوة استهدفت اربعة محاور رئيسية، يهدف اولها الى تحديد السبل الكفيلة بتنمية رأس المال البشري وتوفير الفرص الوظفية للمواطنين بما يسهم في تحويلهم الى طاقة بناء وابداع وابتكار. ويدور المحور الثاني حول التنويع الاقتصادي من منظور يتوافق مع معايير الكفاءة، والتنافسية، وتعكس منطلقات المحور الثالث بحث الشراكة بين القطاعين العام والخاص، من خلال التركيز، على تعزيز الشراكة بينهما من اجل تحسين الكفاءة الاقتصادية، وتحديد رؤى مستقبلية للارتقاء بمستوى الاداء في القطاع العام، ومعالجة القضايا ذات العلاقة، مثل التسعير للخدمات العامة، وتنظيم المنافسة، والتخصيص. اما المحور الرابع والخاص بالفعاليات المساندة فيستهدف دراسة الوسائل الكفيلة بتنمية الصادرات، وتعزيز الاستثمارات الاجنبية المباشرة، والتقنية والمعلومات، وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ويشكل هذا المحور ركيزة اساسية للتعامل بمرونة وكفاءة مع انعكاسات العولمة.
وبين ان وزارة التخطيط حرصت علي ضمان المعالجة الشاملة لكل الموضوعات التي احتوتها تلك المحاور كما حرصت على تشخيص الوضع الراهن لها وتوضيح القضايا الاساسية والتحديات، مع الاهتمام برصد الامكانات والموارد والفرص المتاحة والمحتملة، وان يصب كل ذلك في بوتقة واحدة تركز على استشراف المستقبل والمزيد من الوضوح لجوانبه المتعددة وابعاده المختلفة. وتتيح تلك المعالجة لموضوع الندوة، ان تأتي الجلسة الختامية وقد تبلورت، من خلال اوراق العمل والمناقشات حولها، الابعاد الكلية للرؤية المستقبلية للتنمية، واولوياتها، وركائزها الرئيسية الصانعة لاستراتيجيتها الشاملة، بالاضافة الى تحديد الآليات المستجدة والحديثة التي تعين على تحقيق الرؤية المستقبلية، وتضمن ترجمتها الى واقع ملموس يشكل الصورة المستقبلية المنشودة لاقتصاد المملكة، ويرسم طموحاتها، والقدرة على تنفيذها وتحويلها الى واقع يتمتع بثماره الطيبة كل ابناء المملكة على امتداد عشرين عاماً قادمة تحقق الازدهار والعطاء والنماء باذن الله وتوفيقه.
كما ألقى معالي وزير المالية والاقتصاد الوطني الدكتور ابراهيم العساف كلمة ركز فيها على الخطوط العامة لدور هذه السياسات الاقتصادية المستقبلية وقال معاليه لعل فهمنا المتعمق للدور الذي لعبته هذه السياسات في الماضي مروراً بالحاضر يعيننا على فهم كيف سيتبلور هذا الدور في المستقبل، ومن نافلة القول: ان هذه السياسات وكما لعبت دوراً مهما في تشكيل الاقتصاد وتركيبته الحالية فسيكون لها نفس الدور الحيوي في بلورة الرؤية المستقبلية لاقتصادنا. ولست بحاجة هنا للتأكيد على ان نجاح أو فشل السياسات الاصلاحية الاقتصادية الأخرى سواء كانت هيكلية أو استثمارية أو صناعية أو غيرها يعتمد بشكل أساسي ومباشر على صياغة وتنفيذ سياسات مالية ونقدية سليمة ومناسبة، فلابد من وجود استقرار مالي ونقدي لتحقيق الأهداف الاقتصادية.
وبين معاليه ان اقتصادنا اقتصاد لا يزال احادي المورد باعتماده بشكل أساسي على البترول كمصدر رئيسي للدخل على الرغم من جهود التنويع. وفي الوقت الذي سمحت فيه زيادة الايرادات البترولية لاقتصادنا بتبني برامج طموحة لبناء وتعزيز البنية الأساسية البشرية والمادية وتحقيق انجازات وقفزات اقتصادية كبيرة، إلا ان الاعتماد على الايرادات البترولية ومن ثم على الانفاق العام كمحرك رئيس للنشاط الاقتصادي جعل اقتصادنا أكثر حساسية للتغيرات في أسواق البترول العالمية، لكن وعلى الرغم من ذلك فقد ساهمت السياسات المالية والنقدية في توفير بيئة اقتصادية مستقرة خالية من الضغوط التضخمية مع المحافظة على استقرار سعر صرف الريال، كما ساهمت في تطوير قطاع مصرفي على درجة عالية من الكفاءة والقدرة التنافسية، الذي أسهم بدوره في توفير خدمات مصرفية متطورة، فازدهر النشاط الاقتصادي الخاص ونما بمعدلات صحية.
وأشار العساف الى ان الاعتماد الكبير على مصدر رئيس للايرادات بتطورات الاقتصاد العالمي وبظروف السوق البترولية العالمية يشكل تحدياً كبيراً لواضعي السياسة المالية في المملكة نظراً لأن ذلك يحد من القدرة على تغيير هذه السياسات لتستجيب لتطورات النشاط الاقتصادي المحلي، فحجم الايرادات العامة ومن ثم الانفاق العام لا يتحدد تبعا للنشاط الاقتصادي المحلي بل تبعا للتطورات الاقتصادية الخارجية التي لا يمكن لواضعي السياسات الاقتصادية المحلية التحكم بها. وقد عانى الاقتصاد المحلي نتيجة لذلك، وعانت الميزانية الحكومية من عجز مستمر نتيجة لقصور الايرادات عن مستوى النفقات، وتراكم الدين العام الذي ولد ضغوطاً على المالية العامة وحد من مرونتها في الاستجابة الكاملة للأوضاع الاقتصادية.
مؤكداً ان تحويل تطلعاتنا الاقتصادية المستقبلية الى واقع مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالسياسات المالية والنقدية، فالتحدي أمام السياسات المالية والنقدية يتمثل بالعمل على معالجة العجز وتحقيق الاستقرار للمالية العامة دون التأثير بشكل كبير على النشاط الاقتصادي ومسيرة نموه، وان أي منهج يوضع لذلك ينبغي ان يتم في سياق عملية شاملة لتصحيح المسار الاقتصادي باعادة هيكلة الاقتصاد وتعزيز قدراته الانتاجية من خلال الاسراع بتنفيذ الاصلاحات الاقتصادية الهادفة الى تحسين بيئة الاستثمار، وتعزيز كفاءة عمل المؤسسات الحكومية من خلال الاصلاح الاداري الذي بدئ العمل بتحقيقه، وبحيث تركز الدولة على دور المعزز للتنمية بدلا من دور المحرك لها وذلك بتقليص دورها في النشاط الانتاجي وتفعيل دورها الرقابي والاشرافي.
وبشكل خاص، يقع على عاتق السياسات المالية والنقدية دعم جهود الاصلاح الاقتصادي وتعزيز فرص نجاحها من خلال العمل على تبني سياسات اقتصادية كلية «مالية ونقدية» مناسبة، ومعالجة الدين العام، والاستمرار في دعم كفاءة القطاع المصرفي وسلامته والمحافظة على موارده بما يمكنه من دعم الاقتصاد.
كما القى معالي الدكتور عبدالوهاب عبدالسلام عطار مندوب المملكة الدائم لدى المقر الأوروبي للأمم المتحدة كلمة ركز فيها على تجربة المملكة التنموية مؤكداً ان كل عمليات التنمية انتظمت في منهج علمي للتخطيط تتكامل فيه الفعاليات التنموية المبذولة من قبل الدولة، مع حيوية القطاع الخاص وقدراته، داخل اطار للاقتصاد الحر محكوم بالشريعة الاسلامية.
كما تميزت الخطط بالنظرة الواقعية، حيث كانت كل خطة من الخطط تصاغ في ضوء الظروف السائدة من امكانات الدولة والقطاع الخاص والمستوى الذي بلغه الاقتصاد الوطني، وضمن هذا الاطار كان لكل خطة مجالها الخاص الذي ركزت عليه الذي يمثل مرحلة خاصة من مراحل التنمية في المملكة.
وكذلك التزام الخطط بالتأكيد على ثلاثة أبعاد أساسية، وهي البعد الاجتماعي والاقتصادي والتنظيمي، حيث تضمن البعد الاجتماعي المحافظة على القيم الاسلامية، وتنمية القوى البشرية، وتحقيق الرفاهية الاجتماعية والصحية والثقافية وتوفير سبل التعليم والتدريب للمواطنين. وعُني البعد الاقتصادي، بتنويع القاعدة الاقتصادية، وبناء التجهيزات الأساسية، وتحقيق النمو المتوازن للقطاعات والمناطق، وتحقيق الانتاجية العالية. أما البعد التنظيمي فقد هدف الى الدفاع عن الدين والوطن، ووضع الاطار المؤسسي الذي تتطلبه عمليات التنمية.
وحرصت المملكة طوال مسيرة التنمية على النهوض بواجباتها تجاه الأسرة الدولية سواء كان ذلك في تقديم الدعم للجهود الانسانية الدولية، أو المؤازرة للدول الشقيقة والصديقة، أو تبني قضايا الحق والعدل والانتصار لها أينما كانت، وخصصت نسبة مميزة من دخلها الوطني لذلك تشهد به وثائق المؤسسات الدولية.
وبين أننا نمر بتحديات لابد لها من الحسبان وهي التقدم التقني: فالعالم يشهدبكل وضوح تغيراً جوهرياً ذا طابع هيكلي ودائم، من اقتصاد صناعي بصفة أساسية الى اقتصاد معرفة، تقوده ثورة عارمة في تقنية المعلومات التي سيتم بها ادارة النشاطات الاقتصادية. وسيتم بها تأهيل الموارد البشرية، الذي سيؤثر بدوره على أساليب العمل وطبيعته، وسيكون التحدي هاهنا حيث يكون لزاما علينا الافادة من هذا التقدم التقني، والالمام بكيفية التعامل معه، وتهيئة أبناء هذا الوطن للمستويات العلمية المطلوبة بمواصفاتها الجديدة وبتنوعاتها.
والعولمة: التي أصبحت حقيقة تتنامى يوماً بعد يوم، حيث تختفي الحدود والحواجز أمام انتقال السلع والخدمات بين الدول، فالكل أصبح مترابطاً ومعتمداً على بعضه في العلاقات الاقتصادية الدولية، وأصبحت ظاهرة العولمة قوة تاريخية هائلة تؤثر على المصالح المشتركة للانسانية، غير ان المعضلة الرئيسية لا تكمن في العولمة ذاتها كعملية موضوعية، وثمرة للتقدم العلمي والتقني العاصف، وإنما تتركز في أسلوب التعامل مع هذه العولمة والاستفادة من امكاناتها.
وأهم ما تطرحه العولمة من تحد، هو المنافسة الحادة التي تنتج عنها، فالتقنية تعبر الحدود الوطنية بسرعة الضوء، والمنافسون الجدد يمكن ان يكونوا في أي مكان في العالم، وقد لا يعرفهم الفرد حتى يكون قد أضروا بمصلحته، ومفتاح الميزة النسبية في المنافسة ستكون في مدى مهارة وجهد الفرد مقابل مهارة وجهد الآخرين، وبصفة خاصة في ثروته الفكرية.
طبيعة التركيبة السكانية للمملكة: فالتركيبة السكانية في المملكة لها خصائص تتطلب كل الاهتمام، من حيث الحجم الكبير لصغار السن، ومن حيث وجود أعداد كبيرة من العمال غير السعوديين، ومن حيث نسبة الاناث في مجموع السكان.
مشيرا الى ان النسبة العالية من الشباب والأطفال في التركيبة السكانية ستمثل ضغطاً مضطرداً على التجهيزات الأساسية للمملكة، وبصفة خاصة التعليم والصحة، إذ تستهلك النفقات المتزايدة على هذه القطاعات جزءاً كبيراً متنامياً من ميزانية الدولة، وثمة حاجة ماسة للاسراع في تطوير أسلوب توفير هذه الخدمات، سواء عن طريق الدولة أو القطاع الخاص. كما ان التعامل مع حقيقة وجود أعداد ضخمة من العمالة الأجنبية، وتأهيل الشباب السعودي للعمل سيكون أيضا من التحديات الجوهرية للمستقبل، فرغم الجهود المتزايدة للتعامل معها، إلا ان الوقت لا يمهلنا أمام أي تأخير في الوصول الى الحلول، كما ان تنظيم مساهمة الاناث في الاقتصاد بما يتفق مع تعاليم الشريعة السمحة لابد أن يكون من الأولويات المهمة المستقبلية، إذ لابد من اشراك أكبر نسبة من النساء في العمل، دعماً للإنتاج والمنافسة في استثمار هذه الثروة الوطنية.
|