.. لفت نظري مما قرأت، ذلكم التقرير عظيم الدلالة، الذي نشرته صحيفة «الاقتصادية» على صفحتها الأولى، عدد يوم الخميس «9-8-1422هـ». وفحواه: ان وزارة الشؤون الإسلامية في المملكة، منعت المكاتب التابعة لها، من إصدار كتب تتضمن ردوداً على الجمعيات او الجامعات او الطوائف الإسلامية، خصوصاً ما بَعُد منها، «بلغات» الجاليات... وفي تفاصيل التقرير، ان المنع جاء، بسبب ما ينتج من بعض الردود حول بعض القضايا الدينية المذهبية، من «تعصب» تجاه ما تصدره بعض مكاتب الدعوة والارشاد، ومكاتب دعوة وتوعية الجاليات، من كتب ومطويات، تحمل ردوداً على بعض الطوائف الإسلامية، الأمر الذي يدفع بهم، الى إثارة أمور وعصبيات، لا تخدم الدعوة الى الله، وإنما تزيد المخالفين بعداً عن الحق، وتعصباً للباطل. ثم جاء أيضاً ، ان الوزارة سمحت لمكاتب الدعوة، بنشر الكتب التي تبين الحق في ضوء الكتاب والسنة، على فهم السلف الصالح، وفي حالة الحاجة الى بيان بدعة، يكتفى بذكرها، والرد عليها بالأدلة، دون الاشارة الى اسماء الفرق والطوائف المراد الرد عليها، وذلك حرصاً على قبولهم الحق واتباعه. الى آخر التقرير سالف الذكر.
.. قلت: وهذا نهج جديد «جيد»، تأخذ به وزارة الشؤون الإسلامية في المملكة، التي تدير كماً كبيراً من مكاتب الدعوة والارشاد في الداخل والخارج، ويلاحظ من هذا التوجيه اللافت - الذي ارجو ان يترجم عملياً، وان يتابع بدقة وحرص - يلاحظ انه صدر كرد فعل هو: «ما تحمله بعض الفتاوى والردود، من ذكر لفرق وطوائف إسلامية، وضرب الأمثلة بها عند قصد اثبات وجهة نظر خاصة»، وهذا في حد ذاته، يحمل اساءة كبيرة لها، وهذا ما اشار اليه التوجيه، من ان بعض الكتب والمطويات تحمل ردوداً على بعض الطوائف الإسلامية، الأمر الذي يدفع بهم الى اثارة أمور وعصبيات..! ولو قال التوجيه: إن هذه الردود، هي التي تثير العصبيات، لكان أكثر مصداقية..! ولو شمل المنع ما هو «بلغتنا» الى جانب لغتهم، لكان اكثر موضوعية..!.
.. على كل حال، فإنه من الملاحظ، ان وزارة الشؤون الإسلامية في المملكة في الآونة الأخيرة، تبدو اكثر حرصا على تنظيم عملها، وبرمجة نشاطها، وهذا أمر يساعد على الفهم المتبادل بين المسلمين كافة ويساعد أكثر على التقارب والتفاهم،، وتضييق مساحة الخلافات بين الطوائف الإسلامية، التي رأينا أنها تتسع بين عدة اطراف، والخلافات الفقهية، بين طوائف المسلمين وفرقهم ومذاهبهم، ليست سِبَّة.. وكان فيها فيما مضى من الأزمنة، ما فيه رحمة بالأمة، حتى مع ما صاحب ذلك، من صدام وتحارب في بعض الفترات، كان سببه الرئيس، خطأ التفسير، وخطيئة الفهم، وليس السبب في الخلاف الفقهي نفسه، وما هو مؤمل من هذه الوزارة الفتية، ان تكون هي الدرة الثمينة، التي تتوسط عقد مثيلاتها في بقية دولنا العربية والإسلامية، بحيث تلتقي جميعها عندها، حتى لو برز الخلاف في بعض المسائل الفقهية.
.. أقول مرة أخرى إن وزارة الشؤون الإسلامية، عالجت او هي تعالج بهذا التوجيه الصادر عنها، ظاهرة تلك الكتب والنشرات التي كانت تصدر بالمئات من هنا وهناك.. فماذا عن الداخل ولغته..؟!.
.. ماذا عن الخطب المنبرية، والتسجيلات الصوتية، تلك التي يعج بها الداخل، وفي بعضها إلى جانب ضعف العلم والفقه تشويش واضح على العامة، وتسييس متعمد لقضايا كبيرة، لا تحتمل هذا المحمل، وليس محلها منبراً، ولا شريطاً صوتياً، يتداوله من يفهم ومن لا يفهم، ثم اضف الى ذلك، الكثير من الأمور التي تدور بين المنبر و شريط «الكاسيت»، وهي في مجملها، تحتاج الى تدخل سريع، وضبط منيع، وإجراء صارم، يعيد الأمور الى نصابها..؟!.
.. كنت ومازلت، أقرأ وأسمع الكثير من الخطب والتصريحات لمعالي وزير الشؤون الإسلامية، ويعجبني في هذا الرجل، علمه وفقهه، وسعة صدره، وانفتاحه وفهمه لأبعاد مسؤولياته في هذه البلاد، ولكني انتظر مثل غيري، ترجمة هذه الأقوال التي نقرأها ونسمعها، الى افعال بينة، من قبل فروع الوزارة في المناطق والمحافظات، لأن الخطاب المنبري، سلاح ذو حدين، فإن احسنا استخدامه، احسنا لأنفسنا، وان أسأنا هذا الاستخدام، أسأنا لها، وليس هناك اساءة اعظم من الإساءة للآخرين من فوق منبر عام، والتشويش على العامة كافة، بطرح مفاهيم خاصة، عن مسائل خلافية عامة، ثم العمل على تسييس الخطبة، وتحويلها من تفقيه وتنوير في العبادات والمعاملات، ومن شأن محلي ذي صلة، الى شأن دولي معقد، دون علم أودراية، ودون أدنى فهم لخلفيات ما يجري حولنا، الأمر الذي تختص به جهات أخرى غير هذه المنابر، مثل وزارة الخارجية، وفروعها. ومثلي هنا، يتفهم الخوض في الشأن السياسي الدولي، من على منبري الحرمين الشريفين، المكي والمدني، لأنهما يخاطبان أمة محمد كافة على القنوات الفضائية، و«قد» يعكسان الى حد ما، وجهة نظرها في القضايا المحيطة، لكن ما شأن الآخرين في المدن والقرى والبوادي، فأنت ترى الواحد من هؤلاء، وتسمع له وكأنه مندوب من وزارة الخارجية جاءنا ليخطب فينا..!
فيخيل لك وهو يشرق ويغرب في قضايا قد لا تهم أحداً من المتابعين؛ انه لا يمثل إلا نفسه، فهو لا يعكس رأي الوزارة التي ينتمي اليها على سبيل المثال، وهو يتناول من القضايا والمسائل؛ ما هو بعيد عن محيطنا، وكأن بلادنا خليت من قضايا المخدرات، وإعاقة الوالدين، ومخالفة الأنظمة العامة؛ الذي يعني الامتثال لها، التمسك بها، وسلامة المجتمع كله وأمنه، فلا قضايا سلوكية أخلاقية، ولا مشاكل اجتماعية وأسرية، ولا ظواهر شاذة تخدش دين المرء وحياته في مجتمعه، ولا شيء من ذلك ألبتة.. إلا التحريض على حرب الكفار في أفغانستان والشيشان؛ والنفرة الى كشمير وإندونيسيا والفلبين وجنوب السودان..!
ان ما يقال عن الكتب والنشرات التي تحدث عنها توجيه الشؤون الاسلامية؛ من إثارة للعصبيات؛ يمكن ان يقال عن بعض الخطب المنبرية، ويقال بصورة أكثر عن التسجيلات الصوتية، فبعض الخطباء يعمد الى «التغريب» في الكلام؛ حتى لربما تساءلت وأنت تستمع اليه: هل أنا في المملكة العربية السعودية أم في شرق آسيا أم في أفريقيا..؟! لأن كثيراً من القضايا التي تطرح على العامة في بعض الخطب فيها من الخلاف بين أهلها في تلك البلدان؛ ما هو فوق علم هذا الخطيب..! ومع ذلك يصر بعضهم على طرح مفاهيم خاصة يرونها هم وحدهم «مسلمات»؛ ويعتقدون أن الناس هناك؛ سيسمعونهم وسينزلون على رأيهم؟!
وفي بعض الأشرطة الصوتية، كثير من الخلط، وقليل من العلم، بل كثير من الاشارات الصريحة التي تسيء ليس فقط الى طوائف وفرق اسلامية، ولكن الى أشخاص بأسمائهم.أقول قبل ذلك وبعد ذلك: أحسنت وزارة الشؤون الاسلامية صنعاً، عندما أصلت لمبدأ عدم الاساءة لطوائف المسلمين ومذاهبهم وفرقهم؛ من خلال الكتب والنشرات التي تصدر عن فروعها ومكاتبها وننتظر منها الالتفات الى الداخل، من أجل منهجة الخطب المنبرية، ورقابة التسجيلات الصوتية ووضع كل ذلك في خدمة وحدة هذه البلاد، وتماسك أبنائها كافة تحت لواء سعادتي الدنيا والآخرة:«لا إله إلا الله.. محمد رسول الله».
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ من رواية طارق الأشجعي، وهو صحابي:«من قال: لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه، وحسابه على الله» أخرجه مسلم.. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
fax:027361552 |