عندما أتحدث عن القطاع المصرفي وتبوئه مركزاً متقدماً ليس فقط في المجال التقني وإنما كذلك في المجال التأهيلي وانخراط الكوادر الوطنية في العمل المصرفي واختراقها هذا المجال لتأخذ مواقعها فإني أتحدث من واقع تجربة فقد أمضيت قرابة عشرين عاما بين أروقة المصارف وحصلت على أكثر من عشرين دورة مصرفية ولا أخفيكم القول بأني كنت «لزقة» وخاصة عندما يتعلق الأمر باكتساب المهارة والحصول على المعلومة إذا لم تأت عن طيب خاطر ممن سبقونا في هذا المجال. وكانت الحاجة ملحة لاستقدام الخبرات الأجنبية لتساهم في هذا الجانب وكان البعض منهم يحاول تهميش الكوادر الوطنية فهو يدرك بأن المتدرب سيأخذ مكانه بعد حين «وراعي الحاجة ملحاح»، وجميع موظفي البنوك في المملكة واجهوا هذا الأمر وكانوا أيضا على قدر كبير من المسؤولية مدركين أهمية هذا الأمر وخير دليل على ذلك هو نسبة السعوديين في البنوك وارتفاعها التصاعدي والسياسة المتبعة في هذا المجال استشعارا لأهداف الدولة الكريمة بهذا الخصوص ومواكبة المستجدات المتلاحقة والتقنية الملحوظة في الصناعة البنكية. وتجدر الاشارة في هذا الصدد الى المعهد المصرفي التابع لمؤسسة ا لنقد العربي السعودي والذي يعتبر بحق من أفضل المعاهد التدريبية ان لم يكن أفضلها ودوره الفعال في صقل وتنمية الكوادر الوطنية المصرفية من خلال الطاقم المؤهل ادارة ومدربين وحسن التنظيم ناهيك عن الدقة في المواعيد، وأذكر في إحدى الدورات بأني تأخرت نصف ساعة عن الحضور وكان المتأخر يحرم من الشهادة فأفادني المدرب بأني لن أحصل على الشهادة فأجبته بأني أرغب في بروزة المعلومات في ذاكرتي، ولاشك بأن كل انسان يرغب في ان يتوج جهده بشهادة ولكن طالما ان الهدف سيتحقق من خلال اكتسابي للمعرفة فهو حسبي، وأكملت الدورة بنجاح ولي في ذمتهم شهادة، فهذا المعهد يعتبر علامة بارزة واضاءة براقة تساهم في انارة الطريق ودعم القطاع المصرفي فهو يعمل بصمت بعيدا عن الضوضاء وحتى الرسوم التي يحصل عليها من البنوك مقابل هذه الدورات تعتبر رمزية قياسا لقيمتها الفكرية، فضلا عن ذلك فإن المعهد يساهم في انشاء علاقة حميمة بين موظفي البنوك فإذا كان التنافس بين البنوك على أشده في الخارج فإن الوضع داخل أروقة المعهد يختلف فتجدهم فريقاً واحداً يصْبُون الى نيل المعرفة واكتساب المهارة في هذا المجال في جو يسوده روح التآلف والتكاتف. والعمل البنكي حقيقة فن وأثبت السعوديون جدارتهم في هذا المجال، وأذكر قصة قديمة في أواخر الثمانينيات الميلادية وكنت حينها أعمل في البنك السعودي التجاري المتحد وكنت في اجازة ومسافرا للخارج وبالتحديد تركيا فرجعت في إحدى المرات الى الفندق ووجدت أخاً سعودياً كان يناقش موظفي الاستقبال ولم تكن البطاقات الائتمانية قد انتشرت في ذلك الحين فأظهر دفتر شيكات البنك السعودي التجاري المتحد محاولا اقناعهم بقبول الشيك فساقني فضولي الى سؤاله عن المشكلة فأفادني بأنه تعرض لعملية نشل وكان المبلغ زهيداً فأستاذنته وموظفي الاستقبال بأن يحولوا القيمة على حساب غرفتي وقلت له مازحا بعدما عرفته بأني موظف بالبنك لكي تعلم بأن خدماتنا تتعدى البحار ما كان له أكبر الأثر واتصل بي في المملكة وحول المبلغ وبغض النظر عن ابرازه الدفتر فإني كنت سأتدخل ومعروف عنا ولله الحمد «الفزعة» وتعرضت أيضا في إحدى المرات لنفس الموقف المحرج ووقف معي أحد الإخوان موقفا كريماً ففي أوقات الشدة نكون يداً واحدة وأسرة واحدة، وصدق الشاعر حين قال:
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والناس |
ولكم تحياتي وتقديري
* شركة اليمني للسيارات |