ربما لم ينجح العراق في إثناء واشنطن عن حملتها للإطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين ولكن قبوله بالعودة غير المشروطة لمفتشي الأسلحة التابعين للأمم المتحدة ونجاح الجولة الاخيرة من المفاوضات بين العراق من جانب ورئيس انموفيك هانز بليكس في وضع جدول زمني لعودة فرق التفتيش قد أدى إلى ازدياد الانقسام الحاد ولو بصورة مؤقتة بين الولايات المتحدة - التي تطالب مجلس الامن بصدور قرار جديد من مجلس الامن - وأغلب دول العالم الأخرى من ناحية ثانية.
وفي ضوء رغبتهم في تجنب الحرب رحب القادة الصينيون والألمان باتفاق بغداد والامم المتحدة باعتباره خطوة أولى جيدة في الوقت الذي عبروا فيه بدرجات متفاوتة عن شكوكهم في مدى مصداقية العرض العراقي.
في المقابل رفض المتحدث باسم البيت الأبيض سكوت ماكليلان العرض واعتباره مناورة فاشلة، ولكن العرض العراقي سيعقد جهود الولايات المتحدة لاستصدار قرار من مجلس الأمن لاستخدام القوة إذا لم يلتزم صدام حسين بقرارات الأمم المتحدة السابقة أو أي قرارات جديدة تصدر في المستقبل.
من ناحيته قال وزير الخارجية الروسية إيجور إيفانوف انه لا توجد حاجة لإصدار قرارات جديدة من مجلس الأمن خاصة بالعراق لإرسال المفتشين الدوليين، وأضاف إننا نجحنا في تجنب سيناريو الحرب وانتقلنا إلى الوسائل السياسية لحل المشكلة العراقية. ولكن المسؤولين الأمريكيين لا يرون الموقف بهذه الصورة.
يقول جون شيبمان مدير المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن إن الولايات المتحدة أوضحت أنها تطالب بالخضوع الكامل لكل مطالب مجلس الأمن الدولي التي كانت جزءاً من اتفاق وقف إطلاق النار عام 1991 مع العراق، ويضيف أن الأمريكيين يرون أن عودة المفتشين الدوليين هي مجرد جزء من هذه المطالب ولكنها لا تعني التنفيذ الكامل لقرارات مجلس الأمن.
والواقع إن الصراع سيشتعل مرة أخرى إذا اعترض القرار على أي شيء يطلبه المفتشون منه مثل زيارة القصور الرئاسية التي يصر الرئيس العراقي صدام حسين على اعتبارها خارج نطاق التفتيش، وسيواجه هانز بليكس كبير المفتشين الدوليين لضغوط كبيرة من جانب واشنطن لوضع عقبات أمام الحكومة العراقية ولكي يكون أكثر عدوانية وتطفلا على العراقيين.
ولكن الدكتور شيبمان يقول إن بليكس قد لا يتمنى لنفسه أن يكون سببا في اشتعال الحرب، ويرى أنه يتلقى أوامره من مجلس الأمن الدولي وليس من أحد أعضاء هذا المجلس أي الولايات المتحدة، وقد لا يتمنى أن يصل إلى حافة الهاوية.
وإذا كان اختيار المواقع التي ستخضع للتفتيش موضوعا حساسا فإن الوقت الذي ستستغرقه عمليات التفتيش سوف توفر فرصة كبيرة من أجل مزيد من الجدل.
قال هانز بليكس لإحدى الصحف الألمانية إن هناك 700 موقع ستتم زيارتها وأن هذا سيستغرق حوالي عاما كاملا للانتهاء من عمليات التفتيش على القدرات العراقية في مجالات الأسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية حتى في ظل التعاون العراقي الكامل.
ويقول جورجيوس جوليتي رئيس قسم الأبحاث في معهد العلاقات الاستراتيجية في باريس إنه يمكن أن يحدث أي شيء خلال هذا العام وستكون مفاجأة كبيرة إذا لم يحاول الرئيس العراقي صدام حسين التراجع ولو قليلا عما وعد به حاليا.
أما شيبمان فيقول ان كل التجارب السابقة مع صدام حسين تؤكد أن هدف العرض العراقي هو تعطيل الاستعدادات الأمريكية لضرب العراق وجعل هذه الضربة أكثرصعوبة، وفي حالة عدم نجاح عمليات التفتيش بالصورة الكاملة أو تجاهل أمريكا لعمل المفتشين وضرب العراق فسيسعى العراقيون إلى الاحتفاظ بقدراتهم الكيماوية والبيولوجية في حالة اشتعال الحرب.
وقد كانت بريطانيا أكثر دول العالم حديثا عن النوايا العدوانية للعراقيين.
يقول ديفيد بلانكيت وزير الداخلية البريطانية لهيئة الإذاعة البريطانية إن قبول عودة المفتشين للعراق خطوة هامة جدا جدا ولكننا نتعامل مع شخص كل همه هو خداع كل العالم.
وهناك عضو آخر دائم في مجلس الأمن ويمكنه استخدام حق النقض الفيتو ضد أي قرار تحاول أمريكا استصداره من المجلس وهو الصين يرى أن القرار العراقي بقبول عودة المفتشين هو الأمر المطلوب. يقول وزير الخارجية الصينية تانج جيا سوين إن القرار العراقي هو بالضبط ما كان المجتمع الدولي بما في ذلك الصين يتطلعون إلى رؤيته.
أما وزارة الخارجية الروسية فقالت في بيان لها إن العرض العراقي يوفر فرصة حقيقية لحل المشكلة بين بغداد وواشنطن من خلال الوسائل الدبلوماسية. وأن روسيا ستعمل بكل ما في وسعها حتى لا تضيع هذه الفرصة.
في الوقت نفسه قال وزير الخارجية الفرنسية دومنيك فيلبين : يجب أن يلزم العالم صدام حسين بكلمته من خلال إرسال المفتشين الدوليين إلى العراق باقصى سرعة وإذا نجحت مهمة المفتشين فإن هذا سيوضح كيف يمكن للمجتمع الدولي أن يحقق النتائج التي يسعى إليها عندما يتحد.
كما تنفست الدول العربية والإسلامية الصعداء بعد أن وافق العراق على استئناف عمليات التفتيش على الأسلحة التي ظل يرفضها طوال أربع سنوات، وقال المتحدث باسم الحكومة الإيرانية عبد الله رامزان زادة انه قرار حكيم ومسؤول ونتطلع أن يؤدي إلى توقف طبول الحرب.
أما في تركيا حيث لا يثقون كثيرا في الوعود الأمريكية بأن أي حرب في العراق المجاورة لن تؤدي إلى فوضى في المنطقة تتأثر بها تركيا فقد أعلنت وزارة الخارجية التركية إن القرار العراقي خطوة كبيرة نحو تلبية توقعات المجتمع الدولي من بغداد.
وفي أوروبا اعتبرت الحكومة الألمانية التي تعارض أي عمل عسكري ضد العراق أن القرار العراقي خطوة كبيرة في الاتجاه الصحيح وترحب بها على لسان وزير خارجيتها يوشكا فيشر.
ويقول الخبير الاستراتيجي جورجيوس جوليتي إن أمريكا لا تستطيع أن تتجاهل كل هذا الترحيب العالمي بالقرار العراقي. لأن الجميع يقولون انه حتى إذا كان القرار العراقي مجرد مناورة أو فخ للولايات المتحدة فلنترك المفتشين الدوليين يثبتون ذلك بأنفسهم.
ويبدو أن العراقيين أنفسهم يدركون تماما النوايا العدوانية للولايات المتحدة الأمريكية، يقول نائب رئيس الورزاء العراقي طارق عزيز إن الموقف لن ينتهي بعودة المفتشين إلى العراق، فالهدف الحقيقي للسياسة الأمريكية هو بترول الخليج.
* خدمة كريستيان ساينس مونيتور - خاص بـ «الجزيرة» |