الذين يتابعون المعركة الدبلوماسية الدائرة منذ أيام في أروقة منظمة الأمم المتحدة بين الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا من جهة، وبين الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي من جهة أخرى، يرون أن ما يجري في نيويورك وواشنطن وعواصم الدول ذات العضوية الدائمة بمجلس الأمن الدولي من أكثر المعارك الدبلوماسية ضراوة وأهمية معاً.
ففي الوقت الذي تسعى فيه واشنطن ولندن إلى تأييد مشروع القرار الذي عرضتا مسودته على الدول الأعضاء الثلاث عشرة الأخرى في المجلس بشأن التفتيش على الأسلحة في العراق، ترى الدول الأخرى، وبالذات روسيا وفرنسا والصين أن مشروع القرار الجديد بمثابة مشروع لإعلان حرب على العراق ومنح تفويض لواشنطن ولندن لشن هذه الحرب بمجرد حصول أي تلكؤ أو اعتراض من نظام بغداد، وبما أن مشروع القرار يتضمن الكثير من «المصائد»، إذ لا بد أن بغداد ستصطدم بفريق التفتيش، كما أن بنود القرار وبما تحمله من مرافقة حراس لفريق مفتشي الأسلحة، ونقل أي شخص وعائلته لخارج العراق للتحقيق معه حول برامج تصنيع الأسلحة بمجرد أن ترشحه أية دولة عضو في مجلس الأمن الدولي، وغيره من البنود التي هدف واضعوها إلى استفزاز نظام بغداد، من شأنها أن تجعل من إمكانية الصِّدام بين العراق وفريق تفتيش الأسلحة إمكانية ليست واردة فحسب، بل مؤكدة ولذلك ترى هذه الدول بأن تأييد القرار الجديد سيكون بمثابة تأييد لإعلان شن حرب على العراق مؤجلة، وهذا ما جعل فرنسا تطالب بأن يكون هناك قراران كل منهما له مهمة خاصة، وهدف باريس من وراء ذلك أن يكون هناك قرار خاص بالتفتيش خاضع لإجراء تعديلات عليه، تستبعد منه «مصائد» وشراك الصِّدام، وقرار آخر باستعمال القوة إذا لم يجد فريق التفتيش تعاوناً من بغداد.
أما روسيا فلا تجد أصلاً مبرراً لإصدار قرار جديد طالما أن بغداد أعلنت قبولها ببدء مهمة المفتشين دون أي شروط، وتعهدت بالتعاون الكامل في حين تعارض الصين وبشدة الضربة العسكرية.
وهذه الدول الدائمة العضوية كل واحدة منهن قادرة على إجهاض المشروع الأمريكي البريطاني إذا ما استعملت إحداهن «الفيتو»، والذي يرى المتابعون أنه إذا ما تمسكت باقي الدول أعضاء المجلس غير الدائمة العضوية بمواقفها، فسيكون غير ضروري لأن المشروع لن يحصل سوى على أربعة أصوات فقط، بالإضافة إلى صوتي أمريكا وبريطانيا والأصوات الأربعة هي بلغاريا والنروج، وكولومبيا وسنغافورة، أما الدول الأخرى وهي الكاميرون وغينيا والمكسيك وسوريا وموريشيوس وإيرلندا وفرنسا وروسيا والصين فهي إما تعارض القرار أو تمتنع عن التصويت، وبذلك فلن يحصل على موافقة تسعة أعضاء على الأقل وهو الحد الأدنى لإقرار أي مشروع قرار.
|