خلق الله سبحانه وتعالى الكون بكل مفرداته ودقائقه، وخلق إلى جانبه قوانين محكمة لا يأتيها الباطل، إذ لا ثغرة يمكن لهذا الباطل أن يمر عبرها وتجلت قدرته سبحانه وتعالى في حفظ هذه القوانين، وجعلها في دائرتين الأولى ضمن نطاق الإدراك البشري، وهي المجال الذي يقع فيه قوله تعالى: {إنَّ فٌي ذّلٌكّ لّعٌبًرّةْ لأٍوًلٌي الأّبًصّارٌ} وفي آيات أخرى {... لّعّلَّهٍمً يّتّفّكَّرٍونّ}، والثانية خارجة على هذا الإدراك يصرفها الله كيف يشاء. وفي القانون الواحد «الإلهي» قد نجد أحكاما وتقديرات مختلفة، فالنخلة شجرة واحدة، وموسم إثمارها يفترض ان يكون واحدا في تربة واحدة وتقويم زمني واحد، إلا أننا نجد نخلا يثمر قبل غيره وآخر يتأخر عن سواه.
ليس في الأمر خلل أو خروج عن المألوف فلكل فائدة ومنفعة متصلة بزمانها. بل إن هناك أنواعا من الكرمة تثمر أكثر من ثلاث مرات في الموسم الواحد، وليس في ذلك خروج على طبيعة العنب الموسمية أو طيب ثمره.
هذا الكلام لا بد لي من ذكره قبل أن أدخل في حديث شجي عن الدوائر المختلفة التي لكل منها مرجعية قانونية مكتوبة أو عرف متفق عليه.
أنا أفهم أن الهيكل التنظيمي لأية مؤسسة هو بمثابة «مطبخ» الدراسات والخطط التنموية والتطويرية. ولذا يفترض في القائمين على هذا الهيكل أن يتمتعوا بقدر كبير من الوعي والمهارة، وقبل ذلك بالمرونة اللازمة لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكتسبات التي تتطلع إليها الخطط والقرارات الإدارية. وذلك يعني الابتعاد بالضرورة عن نمطية الأداء الإداري وعن حرفية تنفيذ القوانين المكتوبة والأعراف السائدة في التنظيم دونما مناقشة أو محاولة للاجتهاد في سبيل تطوير هذه القوانين والأعراف على الأقل - من خلال المواقف التي قد تحكمها ظروف تخرج عن الميدان الموحد للتطبيق الفعلي أو يتطلبها مواكب التطوير وسياسة إدارة التغير.
إن من شروط صاحب القرار ان يكون عارفاً أكثر من غيره بمصالح الناس، وقادراً على حفظ تلك المصالح وتنميتها، وألا يقف مكتوف اليدين أمام التطبيق الحرفي لشروط وبنود النظام دون محاولة البحث عن تفسيرات أخرى أو مبررات تطلق يده إلى وراء الحروف بحيث يضع إصبعه على المعنى العام المفيد الذي من أجله وجد ذلك النظام.
بعض الأنظمة الإدارية تضع شروطاً محددة أمام المواطن الذي يرغب في المساهمة بتنمية الوطن في مجال قدراته الذهنية والمادية ويبدأ هذا المواطن في حصر متطلبات المشروع الذي يصبو إليه حسب اللوائح والشروط التي يتسلَّمها عند طلبه ترخيصا لذلك المشروع، ويبدأ السيناريو على النحو التالي:
* «المواطن لنفسه»: مطلوب رأس مال مع ضمان بنكي ب ....
- «مجيبا على نفسه»: هذا الشرط متوفر والحمدلله.
* مطلوب مكتب في موقع له شروطه، ولا تقل مساحته عن.... متر مربع.
- الحمدلله... وهذا أيضا متوفر
* مطلوب شهادة علمية بمواصفات كذا... وكذا.
- الشكر لله ثم للدولة التي هيأت لنا سبل التعليم بأنواعه ووالدي الذي لا يتوانى في تهيئة المناخ التعليمي المناسب حتى حصلت على الشهادة المطلوبة.
* السن يجب ألا يقل عن 25 سنة.
- «يهرع المواطن إلى حفيظة النفوس»... آآآخ 24 وسبعة أشهر وخمسة أيام!!
* «يصمت قليلا... ثم يقول لنفسه بصوت عالٍ»: لا يمكن ألا يتفهم القائمون على الأمر هذه المشكلة البسيطة وخاصة أن «أبوفلان لحية غانمة» ومتفهم وصاحب عقل راجح ومتنور ويحب الأفكار الجديدة ويعين المواطنين بحماس وثقة» ويمضي إلى ذلك المدير أو الموظف الذي لا ينظر إليه وهو يجيبه النظام يقول: 25 سنة يا أخي!
- يا ابن الحلال «معقولة» أقل من خمسة أشهر تحول بيني وبين مستقبل أراه أمام عيني، بل طوع يدي؟!
الموظف: النظام... هو النظام يا أخي أرجوك لا تحرجني.
... وتاليتها؟!
|