Thursday 26th September,200210955العددالخميس 19 ,رجب 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

نوافذ نوافذ
التاريخ
أميمة الخميس

إن قصة اليهود منذ تشتيتهم هي إحدى صور التاريخ الأوروبي بمجمله، فقد طردهم الرومان من القدس عند استيلائهم عليها عام (70) ميلادية، وتفرقوا عن طريق التجارة والهجرة بين جميع الشعوب وفي جميع القارات، وتعرضوا لاضطهاد الديانات الأخرى كما حرم عليهم النظام الإقطاعي حق ملكية الأراضي، وحالت النقابات الحرفية بينهم وبين الصناعة.
ويذكر (ول ديورانت) في كتابه الشهير (قصة الفلسفة): (لقد ازدهر اليهود في اسبانيا وجمعوا ثروة وإلى أن قام فرديناند بإخراج المسلمين منها نهائيا وهنا فقد اليهود في أسبانيا الحرية التي تمتعوا بها تحت حكم المسلمين المتساهل المتسامح، وزحف ديوان التفتيش عليهم، وخيَّرهم بين التعميد ومزاولة الشعائر المسيحية، وبين النفي وتجميد أموالهم، ولقد قبلت الأكثرية الساحقة من اليهود الخيار الأكثر صعوبة، وبحثت عن مكان تلجأ إليه، وأبحر بعضهم إلى الساحل الأفريقي حيث قتل الكثير منهم لاستخراج المجوهرات من بطونهم، حيث ساد اعتقاد بأنهم بلعوها قبل خروجهم من أسبانيا).
والملفت في الأمر أن الطمأنينة الوحيدة التي نالها اليهود عبر تاريخ الشتات، تمت تحت ظل أنظمة إسلامية أشرعت لهم العديد من البوابات التي كانت مغلقة عبر التاريخ، فموسى القرطبي كان أعظم طبيب في عصره وكانت له آراؤه الجريئة حول التوراة وكذلك حسداي بن شبروت في برشلونة الذي هزت آراؤه الديانة اليهودية بأسرها وجميعهم نعموا بواحة ونعيم الحرية الذي كانت توفره أنظمة الحكم المستنيرة في الأندلس.
وهذا بالضبط ما أريد أن أصل إليه هنا وهو التفسيرات المتعددة للإسلام.
فذلك النظام التعددي المتقبل للآخر والمستوعب له والذي كان يمثل منارة أوروبا في وقت ما وشعلتها الحضارية والثقافية كان يتخذ من الإسلام إطارا أيدلوجيا وثقافيا له سواء على المستوى الفكري أو الاقتصادي وما سوى ذلك من جوانب الحياة.
واليوم وبعد ثمانمائة عام من ذلك الأندلس المفقود فنظام (طالبان) كان يتحدث باسم الإسلام، ويحارب ويغتال ويفجر ويسحل ويدمر باسم الإسلام!!!
نظام طالبان بجميع تفاصيله وسقوفه المنخفضة وغرفه الضيقة تلك التي حرمت تربية الحمام أو تعليم المرأة أواقتناء أيٍّ من منتجات العصر الحديث التقنية!!
والنظامان يندرجان تحت التاريخ الإسلامي، على الرغم من الهوّة التاريخية والحضارية التي تمتد بين النظامين!!
وما محاولة بعض الجهات الفكرية والثقافية الغربية جعل الإسلام معسكراً واحداً يرزح تحت أنظمة أرهابية تناصب الغرب العداء إلا طريقة سطحية وساذجة ويقوم بها صحافيون سذج ومفكرون من الدرجة العاشرة يهمهم تحويل مناطق النفوذ في الشرق الأوسط إلى مناطق متوترة ومشتعلة تحت غطاء محاربة الإرهاب.
ولقد اختفى من الواجهة الثقافية للغرب اولئك المستشرقون الذين تعمقوا في الإسلام وأدركوا جميع أبعاده وتعدديته ووجهه الحضاري المضي ولم يبق سوى الأصوات المتعجرفة والسطحية التي أعلنت نفير الحرب والقتال وتصفية من لايشببها.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved