Thursday 26th September,200210955العددالخميس 19 ,رجب 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

وقفات مع الدكتور العثيمين حول قراءته لتحقيق حماسة أبي تمام وقفات مع الدكتور العثيمين حول قراءته لتحقيق حماسة أبي تمام
أ.د. عبد الله عسيلان

بين الفينة والاخرى يتحفنا أخي الدكتور عبد الله العثيمين بما يجود به قلمه وفكره وثقافته من متابعات، وقراءات ماتعة، وعرض موجز، ودراسة سريعة لبعض الكتب والمؤلفات التي تسنى له الاطلاع عليها، ويدل ذلك على عنايته واهتمامه بمتابعة مسيرة الحركة الثقافية والعلمية، وإلقاء الضوء على ما يصدر في محيطها من نتاج علمي وأدبي هو بحاجة الى من يكشف النقاب عنه، او يلفت الانظار اليه او يقوِّمه، والساحة الثقافية تشكو من قلة الاقلام التي تقوم بمثل هذا الصنيع ذلك لأننا حين نتابع ما يصدر من مؤلفات، ونسعى الى التعريف بها وتقويمها انما نسهم مساهمة فعَّالة في تنشيط الحركة الثقافية والعلمية، كما نعمد الى تسديد مسيرتها، وترسيخ جذورها حتى تؤتي ثمارها يافعة شهية لا تشوبها شائبة ولا يكدر صفوها غث، وأخي الدكتور عبد الله العثيمين من الباحثين الذين لهم قدم راسخة في البحث التاريخي ولا سيما ما يتعلق بتاريخ المملكة العربية السعودية فجواده في هذا المضمار لا يشق له غيام، وهو الى جانب ذلك شاعر مجيد يملك موهبة شعرية لها حضورها في ميادين الادب والشعر ولعل هذه الموهبة هي التي دفعته الى ان يخص حماسة ابي تمام بحلقتين مما يكتب في جريدة الجزيرة، واعتقد ان هناك دافعا آخر، وهو ادراكه لقيمة هذا الكتاب ذلك لأن حماسة ابي تمام تعد اشهر المختارات الشعرية في تاريخنا الأدبي، واحتلت هذه المكانة لأسباب عديدة لا يتسع المقام للافصاح عنها، ولكن قصارى ما يقال في ذلك هو ان حماسة ابي تمام نالت من العناية والاهتمام مالم تنله مجموعة شعرية، او ديوان شعر على امتداد تاريخنا الادبي، وآية ذلك ان شروحها اربت على خمسة وثلاثين شرحا، ولم نعرف كتابا ادبيا او ديوان شعر حظي بمثل هذه العناية باستثناء ديوان ابي الطيب المتنبي، ولا ننسى الى جانب ذلك مؤلفها فهو شاعر مبدع من اشهر شعراء العصر العباسي الاول، فلا غرابة إذاً ان تضم مختاراته روائع من الشعر العربي، واكتفي بهذا القدر في الحديث عن الحماسة اذ بسطت القول فيها من خلال كتابي «حماسة ابي تمام وشروحها دراسة وتحليل» فبقي الآن ان اتوجه بالشكر الجزيل لاخي الدكتور عبد الله العثيمين الذي حرك قلمي للكتابة عن ديوان الحماسة بعد ان اطلعت على قراءته الموجزة لهذا الكتاب في حلقتين نشرا في جريدة الجزيرة الاولى يوم الاثنين 17 من جمادى الآخرة 1423هـ العدد 10924 ص «13» والثانية يوم الاثنين 24 من جمادي الآخرة لعام 1423هـ العدد 10931 واشتملت هذه القراءة الموجزة على بعض الملحوظات التي عنت للدكتور العثيمين والتي اشار الى انها لا تعدو ان تكون من الامور الثانوية التي لا تمس جوهر العمل التحقيقي، والامر كما ذكر لان ما اورده من ملحوظات ينحصر في رصد بعض الاخطاء المطبعية، وهو محق في جل ما ذكره منها، وأود ان اشير هنا الى ان هذه الاخطاء وغيرها مما لم يذكره الدكتور العثيمين وقعت في الطبعة الاولى والوحيدة التي صدرت عام 1401هـ 1981م وقد عانيت مع من تولى تصحيح التجارب معاناة شديدة في التصحيح غير ان جهل العاملين في المطبعة كان اقوى من حرصنا على سلامة الكتاب من الاخطاء المطبعية، اذ كلما صححنا اوراقا اعيدت لنا بأخطاء جديدة، ولهذا فان ما ظهر للدكتور من اخطاء جاء على وجه الصواب في نسخة الاصل التي صدرت عنها هذه الطبعة، ومهما يكن من امر فلا بد من بعض التنبيهات والايضاحات حول الملحوظات التي دونها الدكتور العثيمين في ثنايا قراءته لكتاب حماسة ابي تمام على النحو التالي:
1- لاحظ الدكتور اني التزمت منهجا في الضبط بالشكل لنصوص الشعر يقتضي ان اقوم بالضبط التام لكل حرف وكلمة، وهو منهج سليم درج عليه الاقدمون، فثم مخطوطات نجد فيها الضبط التام لما هو مشكل من الكلمات او غير مشكل وحين يلتزم المؤلف او المحقق بالضبط التام فهذا يعني انه لا بد ان يضبط كل كلمة بصرف النظر عن حاجتها للضبط من عدمه، وقد التزمت بهذا المنهج من الضبط في تحقيق حماسة ابي تمام كما اشرت في منهج التحقيق فهل هذا مأخذ كما ذكر الدكتور في ملحوظته هذه، ام انه هو الذي يؤاخذ حين عد الالتزام بهذا النهج من قبيل الترف والتجميل ولا مبرر له، وكيف يكون مثل هذا القول مقبولا ونحن نعلم ان من يسير على هذا المنهج انما يقتفي اثر ما جاء في كتاب القرآن الكريم من الالتزام بالضبط التام وفوائد الضبط على هذا النحو معلومة ولا تخفى على احد.
2- الملحوظة الثانية حول تفسير الألفاظ الغريبة، والاكتفاء بتفسير بعض الالفاظ وترك الاخرى ومن المعلوم ان الالفاظ تتفاوت من حيث الغرابة، وقد يكون الامر فيها نسبياً من نص لآخر، وهذا ما حدث بالنسبة لحماسة ابي تمام، اذ ان لها شروحا كثيرة ومنها شرحان مطبوعان ومتداولان وهما شرح المرزوقي وشرح التبريزي ومن هذا المنطق اكتفيت بتفسير الكلمات الغريبة التي تبدو بحاجة الى شرح وأحلت في الباقي على شروح الحماسة المتوفرة، وذلك في نظري اولى من تكرار ما في الشروح.
3- يبدو ان الدكتور اعتمد في تقويمه لبعض الابيات من حيث الوزن على الظاهر الذي يبديه له حسه في قراءة الشعر دون الرجوع الى ما تقتضيه اصول العروض ووزن الشعر، وفي كل المواضع التي تبين له، او اعتقد ان فيها نقصا في بعض الاحرف لم اره يعتمد في ذلك على اساس من قواعد العرض وأوزان الشعر والنهج السليم في تقويم الشعر من حيث الوزن يقتضي الجمع بين الحس الشعري وبين اصول العروض، وبذلك يكون الحكم دقيقا، وعدم التزام الدكتور العثيمين بهذا المنهج جعل بعض احكامه تحتاج الى نظر، ومن غير المقبول تأكيده في مثل هذا الامر على ما يظهر له دون دليل حيث لاحظت انه يبدأ نقده بقوله «ومن الواضح ان الشطر الاول من هذا البيت مختل الوزن» وذلك حينما لاحظ في القراءة الاولى ان الشطر الاول في بعض المقطوعات الشعرية ينقصه حرف بحيث يختل الوزن الشعري للبيت بعدم وجود ذلك الحرف واستشهد على ذلك بما ورد في الحماسة «1/4» من قول الشاعر:
لا يكشف الغماء الا ابن حرة
يرى غمرات الموت ثم يزورها
وحكم على هذا البيت انه مختل الوزن ولا يستقيم الا بوضع حرف في بدايته مثل الواو او الفاء لتصبح «ولا يكشف» او «فلا يكشف» ومثل هذا الحكم فيه نظر اذ البيت مستقيم من حيث الوزن ولو رجع الدكتور لادنى كتاب في العروض لوجد ان البيت من بحر الطويل، وتفاعيله كما هو معروف «فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن» وفي الحديث عن هذا البحر ذكر علماء العروض ان «فعولن في اول البيت يجوز فيها ان تتحول الى فَعْلُن كما حصل في اول كلمة من هذا البيت محل الانتقاد، ويطلق على ذلك «الثلم» كما ذكر ابن جني في كتابه العروض «ص 27» حين ذكر الامور التي تجوز في اوزان بحر الطويل، ومنها انه يجوز في فعولن الذي في اول البيت خاصة الثلم: وهو حذف الفاء فيبقى عُوْلُنْ، فينتقل الى فَعْلُن، واشار الخطيب التبريزي في كتابه الكافي في العروض والقوافي ص 27 ان بحر الطويل يجوز في ابياته الخرم وهو حذف اول متحرك من الوتد المجموع في اول البيت فاذا خرم فعولن بقي عولن، فينتقل الى فعلن، وهكذا يتبين ان البيت لا غبار عليه، وليس مختلا من حيث الوزن، وينطبق ذلك على المواضع التي اشار الدكتور الى صفحاتها، وأود ان اشير هنا إلى أن هذا البيت جاء في جميع نسخ الحماسة وشروحها بدون الزيادة التي اقترحها الدكتور، وينطبق على ذلك ما جاء في الحلقة الثانية من المقال حين اشار الى نقص حرف في بداية صدر قول الشاعر «قد كنت اعلو الحب حينا فلم يزل» وكذلك الشأن بالنسبة للصفحات العديدة التي أشار اليها.
4- كان حس الدكتور العثيمين موفقا في التنبيه على بعض الحروف والالفاظ التي سقطت سهوا في أثناء الطباعة بينما هي موجودة في الاصل على الوجه الصحيح، وحاول الدكتور ان يقدر الساقط، ولكنه لم يكن مطابقا كما جاء في الاصل كما حدث فيما ذهب اليه عند قول الشاعر «فما زال اكرامهم وافتقارهم» حين قدر ان في هذا الشطر نقصا، وقال لعل صحته «فما زال لي اكرامهم وافتقارهم» بينما الصواب جاء في الاصل هو «فما زال بي اكرامهم وافتقادهم».
5- نسبة على اختلال الوزن بسبب نقص كلمة في عجز قول الشاعر:
شيب ايام الفراق مفارقي
وأنشزن نفسي حيث تكون
وأشار هنا الى انه لا بد من وجود كلمة من ثلاثة حروف وسطها ساكن بين كلمتي «نفسي» و«حيث» وهذا التقدير صحيح غير انه كان بودي لو ان الدكتور رجع الى شرح الحماسة ليقف على الكلمة الساقطة، وهي «فوق» كما جاء في اصل نسختي «2/676» ويكون صواب العجز هو «وأنشزن نفسي فوق حيث يكون» أما صدر البيت فلا غبار عليه ويجري فيه ما سبق ذكره حول هذه الملحوظة.
6- اصاب الدكتور في تقدير الساقط سهوا في ملحوظته على قول الشاعر «1/263» «وقالوا لا تنكحيه فانه» والصواب كما ذكر «وقالوا لها» وكما جاء في اصل نسختي، ومثل ذلك ايضا حول قول الشاعر «1/329» «فان لم تقدر على ان تهينه» اذ الصواب كما ذكر، وكما جاء في اصل نسختي «فان أنت لم تقدر على ان تهينه».
7- في الحلقة الثانية من المقال أشار الى نقص في صدر قول الشاعر «1/362» «الا بكرت ام سلم» وهو نقص واضح اذ الصواب كما جاء في اصل نسختي «2/931» هو الا بكرت تلومك ام سلم» وهو سقط واضح اذ الصواب كما جاء في اصل نسختي «2/931» هو الا بكرت تلومك ام سلم» وهو سقط واضح للعيان ويختل به الوزن كما ذكر الدكتور.
8- في الحلقة الاولى من المقال جزم الدكتور بوجود خطأ مطبعي في كلمة القافية من قول الشاعر:
حلت تماضر غربة فأحتلت.
فلجا وأهلك باللوى فالحلَّت
حين قال: ومن الواضح ان خطأ مطبعيا وقع في الكلمة الاخيرة وصحتها «فالحلة» وكان بودي لو ان الدكتور لم يتعجل في هذا الحكم لأن هذا الرسم مأثور لهذا الكلمة في المصادر ولو رجع لاقربها وهو شرح الحماسة للمرزوقي تحقيق الاستاذ عبد السلام هارون لوجده يقول في تعليقه عليها «2/546» كذا رسمت بالتاء المبسوطة في الاصل والتبريزي ومعظم المراجع وفعل ذلك محققا الاصمعيات العلامة احمد شاكر والاستاذ عبد السلام هارون ص 161،
ومهما يكن من امر فلا املك الا ان اقدر لأخي الدكتور عبد الله العثيمين جهده المثمر في التنبيه على حاجة هذه الطبعة من الحماسة الى مراجعة وتصويب لما وقع فيها من اخطاء ادت الى اختلال الوزن فيما ذكره،
وهناك اخطاء لم يذكرها جاءت في هذه الطبعة التي عانيت في تصحيح تجاربها معاناة شديدة بسبب ضعف امكانيات هذه المطبعة وعدم التزامها بما يتم تصحيحه، وهي من مطابع الرياض القديمة حيث صدرت الطبعة عام «1401».
والله ولي التوفيق..

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved