في إحدى رحلاته الخارجية، كان جالساً امام الشاشة يتابع برنامجاً تنقله فضائية عربية عن جمهورية النيجر، حتى جاء ذلك المشهد الذي صور امرأة تعيل أسرة فقيرة وسط صحراء، وهي تسير نحو بيت للنمل، ثم تبدأ بمجرد وصولها إليه، في إزاحة الرمل بكلتا يديها، الى ان ظهرت لها مستودعات التخزين التي يكدس فيها النمل غذاءه، لتقوم بجمع الغذاء القليل والاستفادة منه في إعداد خبز يسد جوعها وجوع عيالها.
امام هذا المنظر لم يستطع وهو المسؤول ذو الشخصية القوية، ان يحبس دمعة ضاقت بها عينيه، نعم.. تتابعت الدموع وكأنها البشارة بحلول مواسم المطر على صحراء الجفاف الافريقية.. سيورق الصبار فاكهة الفصول كلها، وستختفي الكثبان الرملية القاسية، ليأخذ مكانها المد الاخضر، وقد غاب عنها طويلاً، فيما يشبه لقاء العاشقين بعد طول فراق. دائماً يقف الانسان بطبيعته موقفاً سلبياً، عندما يتعلق الامر بمآسي الآخرين، مادام الضرر لا يمسه وامكان الفائدة الشخصية غير متحقق، ولكن البشر ليسوا سواء، وذاك الرجل لا يشبهه احد، فهو القوي بالله اذا تكالبت المشكلات وصار القرار الحكيم امنية صعبة، وهو المعين بإذن الله متى احس بنبض المعاناة وصدق الحاجة.. غالبا ما يبادرك بابتسامة لا تغادر محياه كلما التقيته، وكأنه يوجه لملامحك المتوترة والمشدودة دعوة مستمرة كي تشاركه الشعور بجمال الحياة والناس، بل وبمجرد حضوره ، يتحول المكان مهما بدا قاسياً أو مستبداً، الى ليلة صيفية يتسامر فيها الاصدقاء القدامى، فأبواب الحوار كلها مفتوحة والأذن تستمع للجميع بنفس الدرجة. يتمتع بأريحية قد تجعله يفاجئك باتصال غير متوقع، ليسأل ويستفسر ويطمئن ، رغم علمه المسبق بأن التجاهل لن ينقصه شيء، وربما وجدت له عذراً في كثرة مشاغله ومسؤولياته، ولا يهمه من تكون، بقدر ما يراعي لجوءك اليه بعد الله، ويقرر بصورة صحيحة انك تحتاجه الآن تحديداً، مثلما المؤمن يرى بنور الله، وهذه حقيقة اشهده سبحانه وتعالى عليها، بخلاف ان الشواهد المعروفة هنا وهناك كثيرة والشهود أكبر من أن يحصروا.
لقد اثر المشهد الناطق لتلك المرأة البائسة، في نفس الرجل الانسان المفعم بروح التواضع والمحبة والنقاء، فقام بتكليف فريق عمل في مهمة لدراسة وضع المرأة وحالتها الاقتصادية والتوصية بما يجب حيالها، ليفاجأ الفريق بحالات مشابهة تملأ الاصقاع، ليس بالنيجر وحدها، وانما في جمهوريات تشاد واثيوبيا ومالي وغيرها، وكانت الرؤية الكريمة، بتخصيص ميزانية قوامها عشرات الملايين تديرها بعثات لمساعدة اولئك المحتاجين، ومدهم بما ينقصهم ويعينهم على مصاعب الحياة في القارة السمراء.. بينما لا تزال المنظمات الدولية والدول شديدة الثراء، تتقاعس عن اداء دورها المطلوب، نحو هؤلاء وغيرهم حول العالم لتأكلهم الارض يوما بعد يوم.
شكراً سيدي... أيها الأمير والانسان والمسؤول وصاحب الايادي الخيرة سلطان بن عبدالعزيز.
|