Saturday 21st September,200210950العددالسبت 14 ,رجب 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

مجمع الأمير سلطان ببريدة للمتفوقين مجمع الأمير سلطان ببريدة للمتفوقين
خالد عبدالعزيز الحمادا - بريدة

كلمة «التفوق» كلمة تستهوي الجميع فالنفس تسعد عند قرائتها حتى القلم يستلذ في كتابتها وتنميقها على السطور.. كل إنسان يطمح للنجاح والتقدم والتفوق فالأب حريص على أن يكون عنده أبناء أسماؤهم مدرجة ضمن لائحة المتفوقين والمعلم كذلك فخور بأن الطلبة المؤتمن عليهم كلهم من المتفوقين..
لأن هذه الكلمة تعني الكثير فليست هي عبارة عن مجموعة حروف صفصفت على الورق وزينت بجمال الخط ولون الحبر فلم تعط معنى وبهرت لفظاً.. لا..لا.. فهذه الكلمة أكبر وأشمل من ذلك.. هذه الكلمة تعني للنفس البشرية الكثير تعني النجاح.. تعني التقدم والرقي.. تعني الحيوية ونبذ الكسل والنشاط.. وأيضاً تعني تحريك النفوس والتفاعل وبعث التنافس والركض المستمر المتواصل للوصول إلى أعلى المراتب وأرقى الدرجات..
فلو قام معلم من المعلمين بتعليق لوحة صغيرة على باب الفصل وتشير إلى أن هذا الفصل للمتفوقين أو أن مدير مدرسة علق على مدخل مدرسته لوحة تشير إلى أن هذه المدرسة للمتفوقين لأحدثت هذه الورقة البسيطة وهذه اللوحة الصغيرة الأثر الكبير في نفوس الطلاب وحركت مكامنهم ودفعتهم للتعبير عن واقعهم ولأوقفتهم قليلاً للتساءل وتقليب الأوراق ومراجعة النفس هذا ما تعمله لوحة وما تصنعه ورقة تحمل على ظهرها كلمتين فقط «فصل «أ» للمتفوقين» «مدرسة.. للمتفوقين».. فما بالك إذن بمدرسة قد خصصت فعلاً للمتفوقين كيف سيكون وقعها على النفوس وما الأثر الذي ستحركه وتحدثه في مجتمع الناس والتعليم.؟ في تصوري أنها ستغير وتحدث في واقع الناس والمجتمع المحيط بها الشيء الكثير فالطالب سيتفاعل ويزداد توقده وحماسه للدخول ضمن قافلة السير في ركب المتفوقين وسيحرص على الدرجة ويهتم بالمادة ويحرص على الحضور والوجود في المدرسة أيضاً المعلم سيزداد نشاطه ويبتهج ويفرح عندما يقرع الجرس موعد حصته.. أما ولي الأمر فسيزداد حرصه على متابعة ابنه وتشجيعه وعلى أن يدرج اسمه ضمن لائحة المتفوقين هذه المدرسة ولله الحمد وجدت في تعليم القصيم بفضل الله ثم بفضل تشجيع وموافقة معالي الوزير وبفضل كذلك مدير تعليم المنطقة الأستاذ صالح عبدالله التويجري هذا الرجل القيادي الذي يعد مكسباً ومفخرة للتعليم بالمنطقة فهو على مستوى راقٍ من الأدب والأخلاق وحسن التعامل مع الناس وهو يملك هذه الخصلة التي لا تجدها عند كثير من الناس وهي فن التعامل وفن الإدارة ويحمل هم التطوير والتحديث والرقي بتعليم المنطقة فله منَّا خالص الشكر وكثير الجزاء ولولا خوفي من تشتيت القارئ والخروج عن إطار الموضوع لسكبت في هذا الرجل حبراً كثيراً وما أظن الملامة في ذلك فمن حقي أن أسطر إعجابي..
وعوداً إلى ما كنا فيه أي هذا المَعْلَم الذي اُستُحِدث في منطقتنا في تعليم القصيم وهو مجمع الأمير سلطان للمتفوقين الذي يعد واجهة حضارية وصفحة مشرقة للمنطقة وأيضاً نقلة نوعية وخطوط إيجابية ومحاولة تحديثية راقية لأن جمع هؤلاء المتفوقين في مكان تمت متابعته وإعداده وتجهيزه بجميع الوسائل اللازمة والمتقدمة والمتطورة ولا شك أنه سيأتي بنتاجه وسنقطف ألذ وأطيب ثماره فالنفوس ستمتلئ بالحيوية والجد وبذل الجهد والنشاط ويتحرك أيضا من داخل هذا المكان التفاعل ويولد التنافس وتكون الحركية وعدم التوقف والتواصل والاستمرار وحب التنافس والطموح والنجاح هي السمة البارزة والظاهرة والمنسحبة على هذا المعلم وهذا المكان.
ولكنْ هناك أمر ضروري بل حتمي يرفد هذه التجربة ويدعم هذه الفكرة ويرقى بهذا المشروع وهو قضية المناهج وما أدراك ما المناهج نفد الحبر وارتفع سعر الورق في الحديث عنها والمطالبة بمراجعتها وتكثيفها وتطويرها ولكنْ صدى هذه الكتابات عاد على المناهج وخاصة الشرعية واللغوية وحتى العلمية بالتسهيل والتيسير والتبسيط وأصبحنا نراعي في صناعة وتكوين المناهج فكر وعقل الطالب ومستواه المعرفي فكلما نزل نزلنا، مع أن الهدف من المناهج هو تطوير الطالب وتنويره وتفتيح عقله وتغذيته وتأصيله بثقافته واطلاعه على تاريخه وتعريفه وتعميقه بدينه وعقيدته ثم بعد أن يتأصل ويمتلئ وينهل من منابع ثقافته الثرة أمسك بيده وأنقله إلى ثقافة الآخر وأحاول أن أطلعه عليها وأعرفه بها معرفة أصول لا معرفة قشور فأجتذب له النظريات العلمية وفلسفاتها وأحاول مناقشتها وتفكيكها وأبين له كذلك بأن هذه الثقافة العلمية التي بين أيدينا من ثقافة الآخر هي نتاج وامتداد لحضارة وثقافة ماضيه من حضارة وثقافة المسلمين ونحن أول من أهال عليها التراث وجعلها نسياً منسياً فمعظم الطلاب عندنا تجده يعرف شخصيات شعرية منحرفة مثل شخصية أبي نواس وتجده واسع الثقافة بشخصيات «مائعة» منحرفة مثل الشخصيات الغنائية وعندما تسأله عن علماء وعباقرة من ثقافته وتاريخه لا يكاد يعرف شيئاً لماذا؟
لأن هذه الحضارة بهرتنا وهذه الاكتشافات والصناعات التي تأتينا من الآخر أسرت تفكيرنا وسيطرت على عقولنا وجعلتنا نحصر هذا العلم عليهم فقط وأنهم هم أصحابه ومبدعيه أما علماؤنا الأوائل فلم يأتوا بشيء فكانوا متزمتين سلطويين متخلفين وعندما قدمنا هذا العلم للطلاب هل عرفناهم بابن رشد وأنه هو الذي حرر العلم الغربي من قبضة الكنيسة وهو الذي أقنع رهبان الكنيسة بأن الوحي لا يعارض العقل والعلم.. عندها تحرر العقل شيئاً فشيئاً بسبب إقناعات هذا الرجل المتواصلة في الأندلس لهؤلاء الرهبان «المتخلفين» الذين أبادوا وعذبوا جماعات كبيرة من العلماء باسم الدين والعقيدة النصرانية فهل وضعنا عدة صفحات في مناهجنا العلمية تعطي نبذة عن حياة هذا الرجل وهل وضعنا صفحات أخرى لعلماء آخرين لهم إبداعات كبيرة ما برح الغرب إلى الآن ينهل منها مثل جابر بن حيان والخوازرمي وابن سينا والهازان وقانونه وعرفناهم أكثر «بالهازان» وأنه هو الحسن بن الهيثم العالم العربي المسلم عالم البصريات وله نظريات يضارع بها أعظم العلماء الغربيين ولا تقل مكانته عن أنشاتين وأمثاله وما انفك الغرب إلى الآن ينهل من كشوفه وأحكامه وسيبقى معتمداً عليه سنوات وقرون أخرى. وإنَّ قانوني الضوء المنسوبين لديكارت هما للحسن بن الهيثم ،فهو صاحبهما وأما كتابه علم المناظير فهو مرجعية في موضوعه.
نحن حقيقة في مناهجنا «مذبذبون بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء» فلا نحن تعمقنا في ثقافتنا وتشربناها وأصبحنا ننطلق من خلالها ولا نحن تعمقنا في ثقافة الآخر ودخلنا إليها مع الأبواب.. نحن درسنا وتعلمنا أشياء بسيطة من ثقافتنا وخاصة العلمية والاكتشافية منها ثم جزأنا نتفاً وقطعاً مبتورة ونظريات غير مكتملة من علوم وحضارة الآخر وقدمناها لأبنائنا وعرضناها في مناهجنا فلم نوضح ونرسم لهم الطريق الموصل إلى عمق هذه الحضارة.
البلدان من حولنا تتحرك وتتطور بهدوء وبلا ضجيج باجتماع واحد وطباعة للمناهج مرة واحدة وتأتي خططهم وأفكارهم واقتراحاتهم بنتاجها ويقطفون ثمارها بفترة وجيزة.
أفضل وأحسن مرحلة عندنا في التعليم هي المرحلة الابتدائية مرحلة الخصوبة لو حاولنا أن نكثف زراعتنا لهذه الأرض لقطفنا أجاود الثمار فلو ملأنا هذه المرحلة وأصَّلناها بثقافتنا الإسلامية وخاصة اللغة العربية لصنعنا وأنتجنا وأنشأنا جيلاً بعقل كبير وفكر واعٍ وثقافة ثرة واسعة.. والتركيز على اللغة العربية وإبعاد كل لغة مزاحمة لها حتى اللهجات من الأمور المهمة بالنسبة للطفل لأن اللغة العربية لغة اشتقاقية مطاطية مرنة.. ميدان واسع للتفكر والتفكير فعندما يتعمق فيها الطفل يتحرك عقله ويتسع إدراكه وفكره فليست اللغة كما يتصورها البعض أنها لغة للإبداع والإنشاء فقط ولا تستفيد من التوسع فيها لا.. اللغة أوسع من ذلك وأشمل.. الإبداع جزء بسيط من أجزائها ومهامها فهي مفتاح العلوم وآلة الطالب لاقتحام أي مجال والدخول فيه وطرق باب أي علم من العلوم والإمام الشافعي رحمه الله لم يلد لنا التاريخ ولم تقدم لنا الثقافة الإسلامية رجلاً أكبر منه عقلاً وأكثر ذكاء وأثرى حفظاً وأحسن وأجود لغة من هذا الإمام البارز في العلوم شتى والسبب في ذلك أنه أمسك بهذا المفتاح وملك ناصية هذه اللغة ففي بداية حياته ذهبت به أمه إلى الأعراب في البادية وجعلته يحفظ ويتعلم ويمارس هذه اللغة شعراً ونثراً حتى حفظ منها الكثير، آلاف القصائد والأخبار والأشعار وبعدها صار إماما فيها ومعلماً لها في الحرم الملكي عندها سهلت عليه وانقادت له جميع العلوم.. قد يخالفني البعض فيقول إن الشافعي عملة نادرة وحالة خاصة فأقول له: إن الشافعي وهبه الله ورزقه طاقات ومواهب فطورها ووجهها وطلابنا ولله الحمد فيهم الخير الكثير ويملكون المواهب وعندهم الطاقات ولكن بحاجة إلى توجيه وتغذية وتطوير.
الكلام عن المناهج وتطويرها جميل ويطول ولا ينتهي ولم يكن هدفي في هذا المقال الحديث عن المناهج ولكن الذي جرني للحديث عنها هم المتفوقون وبما أن تجربة مجمع الأمير سلطان للمتفوقين في بريدة نجحت لماذا لا نجرب معهم مناهج مكثفة جديدة مطورة إذا كنا نستصعب أو نحتاج إلى وقت كبير لتطوير وتحديث مناهج الوزارة لماذا لا نضع البذرة الأولى في مجمع الأمير بمناهج «مكثفة» من ثقافتنا وثقافة الآخر وأراعيها وأتابعها وأمدها بجميع عناصر التقوية التي تحتاجها وأنتظر تفلق الأرض عن هذه البذرة فإن أورقت وسمقت واخضرت وجادت بأطيب الثمار عممت ذلك على سائر المناهج في التعليم وتقدمت خطوة وانتقلت نقلة إلى الأمام ولحقت بركب الأمم ومصاف الدول المتقدمة؟! لا أظن هذه الخطوة تحتاج إلى وقت وجهد وطول تفكير لأن تجربة مجمع الأمير ولله الحمد نجحت بوجود محوري العملية التعليمية وهما المعلم «المؤهل» ثقافياً وعلمياً والطالب المتفوق، بقي المحور الثالث وهو «الكتاب المدرسي» فلابد من تكثيف مادته وتحديثه حتى يكون هناك توازن وتكامل في مسيرة هنا التجربة وهذه العملية التعليمية.
وأخيراً فمن هنا من عند الكلمة الأخيرة في مقالي أبعث كلمات ملؤها الاحترام والتقدير لمعالي الوزير الدكتور محمد الرشيد الذي أعطى التعليم مساحة من الحوار وتقديم الآراء والاقتراحات والسعي الحثيث لتحديث وتطوير هذا التعليم فأتمنى من معاليه أن يدعم هذه التجربة بمناهج مكثفة ومطورة وأدعوه كذلك إلى أن يستغل المراحل الأولى في تعليمنا مرحلة النشء فهي حقيقة مرحلة التغذية والإخصاب ويحاول أن يعرفها أكثر بثقافتنا ويؤصل انتماءها ويبعد عنها كل دخيل حتى لا يكون هناك مزاحمة لعقولهم وازدواج.
ولك مني خالص الشكر والتقدير.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved