Saturday 21st September,200210950العددالسبت 14 ,رجب 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

يارا يارا
الكتابة أثناء الكتابة
عبد الله بن بخيت

كنت أتصور أن الكاتب يمكن أن يكتب في أي مكان مجرد أن يُحضر ورقة وقلماً وزاوية هادئة يبدأ في سرد الأفكار والآراء أو حتى المدائح والتطبيلات والنصائح، ولكن تجربتي الأخيرة ألقت ظلال شك حول هذه الآراء في مجملها، فالكتابة أقرب إلى العادات المرتبطة بالمكان والوقت.
كل المقالات التي كتبتها في شهر سبتمبر كتبت في الطريق.. أي مرة أكتب في فندق ومرة أكتب في شاليه ومرة أكتب في قرية نائية ورغم أنني لا أعرف بعد أثرها على قرائي من أصدقائي لأنني ما زلت خارج المملكة إلا أنني أشعر أنها ما زالت عند مستوى المعدل الذي أكتب فيه، أي أنها لم تكن أسوأ ما كتبت. في هذه المرة أكتب من فندق والمشكلة مع الفنادق أنها لا تتوفر لديها طاولات كتابة: تسريحة وكمدينات وطاولة تلفزيون الخ، وليس لي خيار سوى أن استخدم التسريحة لكن المشكلة مع التسريحة أن عليها مرآة، أي اني أكتب في هذه اللحظة وأنا أطالع في وجهي. تصور أنك تكتب وأنت تطالع وجهك. لم أشاهد وجهي في حياتي أثناء العمل. هل أقطب حاجبي.. هل أعض على شفتي.. هل أصر عيني؟ كل المرات التي أطالع فيها وجهي أكون مشغولاً بتفصيل من تفاصيله: بالخدين والذقن أثناء الحلاقة أو في واحدة من العينين إذا ألمَّ بها شيء أو في الشعر إذا كنت أسرحه. أما أن أنظر إلى وجهي أثناء الكتابة فهذا لم يحدث قبل الآن. هل أكتب عن وجهي؟ من الصعب أن أكتب عنه، ففي اللحظة التي أريد أن أكتب عنه تتغير تعابيره لأنني لا يمكن أن أكون مشغولاً بالكتابة وأنا مشغول بشيء آخر. أي لا يمكن أن أكون مشغولا بالكتابة وأنا مشغول بتعابير وجهي أثناء الكتابة.
عندما أصف وجهي أثناء الكتابة فأنا أكف عن الكتابة وأكتب عن التفكير في الكتابة وأبدأ في التفكير بوجهي وأنسى الكتابة عن وجهي.. أي يصير وجهي هو المشكلة وليس الكتابة عن وجهي أثناء الكتابة، لأني لن أخرج بموضوع هو تعابير وجهي أثناء الكتابة. كما أنني لن أخرج بموضوع آخر بحيث أكتب عنه ثم أرى وجهي أثناء الكتابة لأنه سيكون أمامي في هذه الحالة موضوعان الأول هو موضوع الكتابة التي تحرض وجهي على اتخاذ تعابير معينة والثاني هو موضوع تعابير وجهي أثناء الكتابة.. كما نلاحظ فإن أحدهما ينفي الآخر، ويبعده عن سياق تفكيري، فأنا أخوض في موضوعين مختلفين تماماً.. الأول موضوع الكتابة أي ما يحرض وجهي على التعبير والثاني تعابير وجهي وهو ما ينفي الأول لأنه يحل محله وإذا حلَّ محله نفى نفسه في الوقت نفسه. من الصعب جداً الحديث عن موضوع الكتابة أثناء الكتابة أي وأنت تراقب نفسك وأنت تكتب. في حالة واحدة فقط يمكنك أن تراقب نفسك أثناء الكتابة هي أن تضع كاميرا تصوِّرك أثناء الكتابة شريطة أن يكون لديك القدرة على أن تنسى وجودها. هنا يمكن أن ترى كيف يكون وجهك أثناء الكتابة.
عندما أتحدث عن الكتابة أتحدث عن التفكير بصفة عامة أي لا يمكن أن تفكر في شيء وتصف كيف تفكر في ذات الوقت. لا أجد أي سبيل للكتابة وأنا أطالع وجهي أثناء الكتابة. على كل حال المقال التالي سأكتبه في الرياض.
ففي بيتي في الرياض لدي مكتب جيد ومريح عندها لن يكون وجهي عقبة في وجهي أثناء الكتابة.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved