ليست «العربية» محور اهتمام المختصين في علومها فقط، بل تدخل ضمن إحساس كلِّ من يتحدثها.. وهي مبعث الإحساس بالغيرة ليس عليها فقط، بل على الدستور العظيم الذي أنزل بها وهو مصدر الإسلام وفيه تشريعه، من لدن اللَّه الخالق، المرسِل الرسل، الخاتِم رسالاته العظيمة للخلق بهذه اللُّغة في هذا القرآن.. ولئن مرّت العربية عقب حقب التاريخ بكثير من الدراسات، وغدت محور اهتمام تعلُّم المستشرقين الذين حرصوا على اتقانها فنقلوا عنها حضارة هذه الأمة العريقة عبر تشريعها، وفقه معاملاتها، ودعوة نبيها، وإعجازه بأُمّيّته، ونجاح الدين الذي أُرسل به، والرسالة التي بلَّغها بهذه اللُّغة وما حقّقه من الانتشار من الأدنى للأقصى.. فإنَّها لا تزال محور الاهتمام عند كلِّ حادث، ومع كلِّ حديث...
وها هو العالم يهبُّ من غفوته عنها، ويضعها محور الدراسة، ومنتهى الأمل في الاتقان وها هي جامعات الدول الكبرى تتَّجه «جَبْراً» لا «رغبة» إلى وضع «العربية» لغة الساعة، كي تكون برامج دراستها ضمن أوَّل التخصصات بالغة الأهمية، ولئن كانت «الأحداث» على سوئها باعثة لهذه الهمَّة، فإنَّ لكلِّ «ضارة نافعة»... ولعلَّ العرب المسلمين الآن يدركون الأمر «الفارق» بين توجُّههم لدراسة اللُّغات الأجنبية، وأسلوب التعامل معها، بل الهدف من ذلك، وبين توجّه العالم لدراسة لغتهم وأسلوب التعامل معها، بل الهدف منه.
إنَّها «الفرصة» الذهبية لأبناء العربية كي يُدرِكوا أبعاد وأهداف ومقاصد ودلالات المأثور «من تعلَّم لغة قوم أمن مكرهم». أوَ ليس لنا أن نسعى الآن كي يتقن أبناء العربية لغتهم قبل أن يجدوا من ينافحهم ويناظرهم فكراً وبلاغة وفصاحة واستخداماً لها من غير أبنائها الذين لا هُم مع لغتهم، ولا هُم مع تلك التي لهثوا لها وتناكبوا من أجلها لتكون فقط حروفاً تتردد على ألسنتهم دون أن تكون الجسر والباب إلى فكر غيرهم واتجاهه.. بل وأسلوب تعاملهم كي يأمنوا مكرهم؟!. فيتنبُّهوا إلى ذلك ويحرصوا على إتقان لغتهم ويحسنوا استخدامها لمصلحة أمتهم.
لقد آن الآوان لأن يكون العرب أكثر جدية.. ويبتعدوا عن التسطح والسذاجة في أهم ما يخصهم: لغتهم، وفكرهم.
|