Saturday 21st September,200210950العددالسبت 14 ,رجب 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

في حوار الشهر بمنتدى شومان في حوار الشهر بمنتدى شومان
جميل مطر: لا وجود لمشروع نهضوي عربي في السياق الدولي الراهن

* عمان - الجزيرة - خاص:
شكك المثقف المصري جميل مطر، مدير المركز العربي لبحوث التنمية والمستقبل في القاهرة بوجود ما يمكن ان يطلق عليه «المشروع النهضوي العربي» في الظروف الراهنة، موضحا انه ان وجد فلا يزيد عن خطوط عريضة لم تحصل على الرضا العام او الاجماع.
جاء ذلك في لقاء حوار الشهر الذي نظمه منتدى عبدالحميد شومان حول «البيئة الدولية والمشروع النهضوي العربي» وقد ترأس جلسة الحوار السيدة ليلى شرف، وحاور الاستاذ مطر كل من د. لبيب قمحاوي وفالح الطويل.
ووضع مطر، في مداخلته، خطوطا عريضة لاي مشروع نهضوي لاي امة من الامم بحيث يجب ان يتضمن امنا واستقلالا وارادة حرة، وتعليما حرا وفرصا متاحة، ومستوى عاليا من التقدم التكنولوجي، وديمقراطية وحريات تعبير واحترام حقوق الانسان، وخطوات متكاملة نحو التكامل فالوحدة، واخيرا تضمنه حدا معقولا من العدالة الاجتماعية. وشدد المحاضر على ان النهضة تتحقق بتأثير عاملين وهما توفر الارادة وملاءمة السياق الدولي لتلك الارادة وحول الشرط الاول اوضح ان الارادة العربية غدت اشد تمسكا بالوضع القائم من الانشغال ببناء مشروع نهضوي.
وفي حديثه عن السياق الدولي دعا المحاضر الى الرجوع لثلاث مقالات اعتبرها نبراسا ينير الطريق لكل ساع الى فهم التاريخ السياسي المعاصر وتحليله، اما المقال الاول فهو الذي نشر في مجلة الشؤون الدولية التي يصدرها مجلس الشؤون الخارجية الامريكي وقد نشر المقال في العدد الصادر في صيف عام 1947م للكاتب جورج كينان.. اما المقال الثاني فقد نشر في صيف 1993م تحت عنوان «صدام الحضارات» لكاتبه صمويل هانتنجتون. والمقال الثالث نشر قبل اسابيع قليلة في مجلة السياسة الخارجية الامريكية للكاتب روبرت كاغان.
واشار المحاضر الى ان الرجوع الى المقالات الثلاث وبالتعاقب الذي ظهرت به يتبين انها اثرت في تاريخ العالم بشكل استثنائي وربما صنعت مرحلة من اهم مراحل التاريخ، فالمقال الاول وضع الاساس والمبررات لنشوب الحرب الباردة بين القطبين الأمريكي والسوفييتي حين نصح الكاتب كينان واشنطن بان تفرض الحصار على الاتحاد السوفييتي مما تسبب في نشوء نظام القطبين. وفي المقال الثاني الذي نشر 1993م بتوقيع H ثم كشف عن اسمه الحقيقي لاحقا اقترح الكاتب ان يرسم عالما تحل فيه الحضارات محل الدولة في لعبة الصراع الدولي، بمعنى ان تصطدم الحضارات ببعضها فتدفع الدول الى ممارسة الحروب باسم الحضارات وبذلك حلت «الحضارية» محل الايديولوجية التي سقطت بسقوط الشيوعية.
ثم صدر المقال الثالث قبل اسابيع، في وقت تتصاعد فيه حرب الحضارات وصارت تسمى حربا ضد الارهاب، ويحاول فيه كاتبه روبرت كاغان ان يبرهن على ان الخلاف بين اوروبا وامريكا داخل نفس الحضارة الغربية قد يكون اوسع واخطر من الخلاف بين امريكا وحضارات اخرى غير غربية حيث ان اوروبا تعود لتلعب مهمة توصيل الرسالة الحضارية الى الشعوب النامية، بينما الامريكيون يريدون ان يفرضوا على هذه الشعوب نمطا ماديا امريكيا محصنا تغلب عليه التبعية.
ونوه مطر الى انه ما بين هذين الفكين يقع المشروع النهضوي العربي، وتكمن المشكلة في ان اوروبا تتمنى فقط ولا تفعل، في حين تسعى امريكا لامتلاك قوة فائقة وخارقة للعالم، واعرب المحاضر عن اعتقاده ان امريكا في ازمة حقيقية فهي تبحث عن عدو ينطبق عليه وصف الشر والعنف لتحصل هي على شرعية «امبراطورية الخير».
وتساءل المحاضر عن امكانية وقوع تنمية او بناء مشروع نهضوي في سياق دولي مثل السياق الراهن. فالدولة التي تقود التنمية وتخطط للمشروع النهضوي وتعمل على تنفيذه صارت «كيانا اقل سيادة»، واقل قدرة على الحركة واضعف ارادة. من ناحية اخرى، خلت ساحة التنمية من بدائل للرأسمالية، لم يعد مطروحا للنهضة او للتنمية الا النظام الرأسمالي، وليس اي نظام رأسمالي، وانما النظام الذي تحدد معالمه الولايات المتحدة والمؤسسات الاقتصادية الدولية.
لم يعد الامر كما كان في اعقاب الحرب العالمية الثانية عندما كانت البدائل متوفرة بفضل وجود نظامين وعقيدتين متنافستين. ومما يزيد الامر على قادة النهضة في عدد من دول العالم النامي مشقة وصعوبة حقيقية ان الرأسمالية الجديدة تأتي اليهم ناقصة الشرعية بعد ان سلبت منها الجوانب الاجتماعية، ويثير هذا الواقع اسئلة صعبة تتعلق بمستقبل الرأسمالية بنمطها الامريكي وكيف يمكن ان تنتشر بالقبول الجماهيري العادي في دول نامية تفتقر الى الطبقة الوسطى ورأس المال وفي اشد الحاجة الى الخدمات الاجتماعية، هل تفرض بالقوة والقسر اذا لم ينفع الاقناع بالمعونات والاعلام الايديولوجي ونشر الثقافة الامريكية وتحسين صورة امريكا و «تلميع» نموذج الحياة فيها؟
وتابع المحاضر عرض اسئلته: هل يمكن تنفيذ مشروع نهضوي في ظل وضع امبراطوري كالوضع الراهن؟ هل يسمح به اذا تناقض او اختلف مع جانب او آخر من الامبراطورية الامريكية الراهنة، وهو ما لم تسمح به الامبراطورية العثمانية في عز مجدها، ولا عند افولها بطبيعة الحال. ولم تفعله الامبراطورية الفرنسية، وما فعلته الامبراطورية البريطانية كان في حدود تسهيل حكم المستعمرات، وكانت امبراطورية واثقة من نفسها ومن قوتها. فما بالنا ونحن نعيش في ظل هيمنة امبراطورية هي الاقوى بلا ادنى شك في التاريخ، وقواتها تطلق النيران عشوائياً في افغانستان على المدنيين في اعراسهم بحجة ان القوات خائفة، وسياسيوها لا يشغلهم اكثر من سن تشريعات وقوانين بسبب الخوف من العراق ومن عدو لا يعرفون ومن قوى شريرة لا تملك قوة تهديد حقيقية لامريكا.
واعرب المحاضر عن شكه في ان امبراطورية كهذه مرعوبة حتى وان كانت مرعوبة سوف تسمح بقيام نهضة حقيقية في امة لا يحمل سياسيوها ومشرعوها لهذه الامة الا الكراهية ويعتبرونها مصدر خطر مستمر وداهم. داعياً في ختام مداخلته الى ضرورة دراسة التجربتين الصينية والفيتنامية، ودراسة مشهد الارتباك في روسيا، للافادة ان قررنا الالتفاف حول بعض عقبات السياق الدولي الراهن، او تفاديه.
ويعمل المثقف المصري جميل مطر مديرا للمركز العربي لبحوث التنمية والمستقبل، وهو مركز يعنى بنشر الوعي بالدراسات المستقبلية واثارة اهتمام النخب المثقفة بالموضوعات والقضايا غير التقليدية ودرس العلوم السياسية بجامعة القاهرة وجامعة «ماكجيل» في مونتريال بكندا مثلما شغل في الفترة من «1975-1986» منصب مدير التنسيق في مكتب الامين العام لجامعة الدول العربية، ثم مدير الصندوق العربي للمعونة الاقتصادية للدول الافريقية، ثم نائب رئيس الادارة العامة لشؤون فلسطين. كما عمل رئيساً لوحدة العلاقات الدولية بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية التابع لمؤسسة الاهرام في الفترة من «1971-1975».
وقد بدأ حياته العملية ملحقاً دبلوماسياً في وزارة الخارجية المصرية وتنقل في وظائف متعددة في سفارات مصر بالهند فالصين فايطاليا وشيلي والارجنتين قبل ان يستقيل ليتفرغ للدراسات العليا بكندا وصدر له بالتعاون مع الدكتور علي الدين هلال كتاب بعنوان «النظام الاقليمي العربي». وشارك بتحرير كتاب عن الصحفي الراحل احمد بهاء الدين، وصدر له كتاب تأملات في السياسة الدولية ونشر العديد من المقالات المتخصصة في دوريات عربية واجنبية، وتنشر له مقالة اسبوعية في عدد من الصحف اليومية، الى جانب الكتابة بشكل غير منتظم في صحف ومجلات اخرى.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved