Saturday 21st September,200210950العددالسبت 14 ,رجب 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

المنشود المنشود
صندوق التكريم
رقية الهويريني

ثمة مجال هام كنا نأمل من التجار تركه للتربويين وهو تكريم المعلم المثالي! حيث أن ذلك يعد من أدق خصوصيات التربية، وقيام إحدى الشركات المتخصصة بإنتاج المأكولات الخفيفة برعاية برنامج «تكريم معلم» يعتبر خرقا في نسيج التعليم. وتشجيع وزارة المعارف لهذا النهج يشكل منعطفا خطيرا للأهداف السامية للتعليم! ولعلنا لا نغفل الهدف الذي من أجله سعت تلك الشركة إلى تخطي أسوار المدارس واختيار أهم شخص فيه وهو المعلم أس التعليم وأساسه... والتاريخ الإسلامي يحذر من دخول التعليم واتجاهاته إلى اغراءات التجارة، ويشير إلى أن الفتن ظاهرها وباطنها لا تأتي إلا من تسلل بريق الأموال إلى قلوب المربين والمعلمين وهي التي يفترض ان يسكنها الزهد والاستغناء.
وعلينا ان نمنع التبعية التربوية بالذات من الوقوع في مهاوي التجارة والمال، وحسبك من معلم عاش ردحا من الزمن يشهد بالله ربا، ويؤمن بالإسلام ديناً، ويتخذ من التعليم الصحيح هدفاً ومسلكاً.. محافظاً على أوقات الحضور والانصراف ومتابعاً لطلابه يتفقد أحوالهم النفسية والدراسية، محباً لمهنته مستشعراً عظم المسؤولية، ثم تجده منسيا في أركان مدرسته لم يتلق خطاب شكر أو تكريماً من قبل إدارته أو امتناناً من طلابه، ثم تتقصى شركات التغذية وغيرها عن المعلمين المخلصين المحبوبين لدى تلاميذهم المهملين من قبل إداراتهم فيشار لذلك القابع في دهاليز العطاء وأركان التضحية ليجد من يشد على يده ويشكره ويبارك خطواته، وفي لجة الثناء على عطائه المغمور، وفي أوج التكريم يوحي إليه أن شركات التغذية تشارك في التربية. والغذاء والتربية صنوان مهمان في حياة المرء.
أقول ذلك بعد ان نشرت الصحف خبراً عن انطلاق برنامج تكريم (المعلم - المعلمة) الذي ترعاه إحدى شركات المأكولات الخفيفة حيث يشمل البرنامج - الذي وقع بين مسؤولي وزارة المعارف والشركة - عدداً من الفعاليات يشارك فيها أربعة ملايين طالب وطالبة وربع مليون معلم ومعلمة!! ويتناول البرنامج إيجاد البرامج التربوية التي تساهم في تعزيز العلاقة القوية بين الطالب وأسرته من ناحية والمعلم ومدرسته من ناحية أخرى وكما ذكر الخبر بأن ذلك سيساهم في (دفع) مسيرة التعليم الناجحة والمتطورة بالمملكة بمجالاتها المختلفة وكما يهدف البرنامج إلى (دفع) المعلم والمعلمة للعطاء المتواصل والكفاءة وفق الأساليب التربوية الحديثة واثرائها بالأفكار المناسبة.
وترى الشركة ان رعايتها لهذا البرنامج يعد بادرة طيبة من القطاع الخاص لما له من انعكاس إيجابي تجاه المشاركة في التنمية الاجتماعية والتعليمية والاقتصادية!! وذلك ينبع من قناعة المسؤولين بالشركة بدعم النشاطات الاجتماعية والتعليمية التي من خلالها يتم تخريج القيادات المستقبلية لتقود عملية التنمية بفروعها المختلفة (والطلاب العنصر الأساسي) في هذه العملية!! كما تعتبر الشركة ذلك مشاركة منها في النشاطات الخيرية والإنسانية.
شعار جميل وهدف إنساني رائع! ولكن ألا يمكن ان تضع الشركة مساهمتها - مشكورة - في صندوق التكريم وتترك للوزارة حرية التصرف فيها كان تكرم بها المعلمين أو تشيد بها مباني مدرسية تليق بهم وبطلابهم وهذا من باب التكريم أو تمنحها مكافآت للطلاب المتفوقين الذين يعتمدون في تغذيتهم على الغذاء السليم والمتكامل المحتوى والفائدة!! ذلك الغذاء الذي لاتحرص عليه هذه الشركة بمنتجاتها «الخفيفة».
وبعد.. ألا يحق لنا أن نتساءل: ما الدافع ان تكون هذه الشركة أو غيرها من الشركات الاستهلاكية هي الراعي الرسمي لتكريم المعلم المثالي الذي سيجد نفسه - بإدراك أو بدونه - داعياً ومشجعاً تلاميذه للإقبال على المأكولات الخفيفة، وبهذا ستكون تلك الشركات قد وفرت على نفسها تكاليف الدعابات، بل قد تستغني عن إدارة التسويق لديها مادامت قد طرقت أسلوب التشويق!! وطالما يرى التلاميذ والتلميذات معلميهم أنهم المصدر الوحيد والموثوق لاستقاء المعلومة فما ترانا فاعلون ونحن نحمل ألوية محاربة المأكولات الخفيفة ونقنع أولادنا بمضارها! وفي جانب آخر تتمسك الوزارة بمبدأ جميل ورائع وهو ضرورة ان يكون مديرو المدارس الأهلية على ملاكها ماديا ووظيفيا وفي ذلك يظهر جلياً حرص الوزارة على نزاهة التربية والتعليم في المدرسة على الرغم من الثقة الممنوحة للمدارس الأهلية!! ولكن ماذا عن المعلم، أتتركه نهباً للشركات الاستهلاكية وهو الأكثر قرباً للطالب في ظل تنصل الوالدين عن مهمة التربية وسعيهم الحثيث للأمور المادية؟!.
ونخشى - في المستقبل - ان تشجع الشركة الأطفال ووالديهم على تملك أسهم في شركات أغذية معلبة أو مجففة (مغتالة الفائدة) ومردود هذه الأسهم يصرفونها على أطفالهم في ماراثون التدليل وشراء المزيد من الأغذية السريعة والخفيفة.. وقد يكون للمعلمة (الأم) دور أكبر في ذلك حين تسد الفراغ الذي تتركه في منزلها بتعبئته بالأغذية الخفيفة، فهي تارة تلوح به مكافأة على سلوك ابنها الهادئ، وتارة - حين يحظى- تحرمه منه عقاباً له بعد ان اعتاده وأدمن على تناوله!... ولكنها قد تعيد النظر في نوع هذه العقوبة حين تكون عين على ابنها والعين الأخرى ترسلها على طابور التكريم بانتظار الدور الذي سيصلها حتماً فهي تستحقه بجدارة.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved