Saturday 21st September,200210950العددالسبت 14 ,رجب 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

شيء من شيء من
تخبيصات ابن خلدون
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

لا شك لدي أن ابن خلدون هو أول عالم اجتماع عرفه العالم، رغم انه كان يضع نفسه موضع المؤرخ. غير ان مقدمته التي أراد منها ان تكون مفتاحاً لفهم تاريخه الكبير التي كتبها أصلاً تهيئة لفهمه، طغت في النهاية على التاريخ، واعتبرت بحد ذاتها من أهم وأقدم النظريات التي تعتبر ان الوقائع التاريخية هي نتائج لمسببات، ومن ثم تصبح هذه النتائج مسببات لنتائج لاحقة وهكذا دواليك، وان التاريخ ليس كله مصادفات او طوارئ، وإنما هناك ما يمكن ان نسميه قوانين كونية هي التي تتحكم في سيره، وتوجه وقائعه. وفي ظني ان هذه الرؤية كانت اول محاولة مكتوبة لقراءة التاريخ سببياً، بغض النظر عن مدى صوابيتها في تفاصيلها.
غير ان ابن خلدون رغم علميته ومحاولته ان يكون موضوعياً ورصيناً، اظهر موقفاً غير منصف تجاه كل ما هو عربي. ولم تكن مواقفه تجاه العرب ترتكز على مبررات علمية، ولا حتي دلائل تاريخية، تجعلنا نقبل سياقه ونتائج هذا السياق، بقدر ما كانت تنطلق من منطلقات لا يمكن تصنيفها إلا انها عداء لجنس العرب. يقول في المقدمة عن العرب مثلاً:
«انهم بطبيعة التوحش الذي فيهم أهل انتهاب وبعث، ينتهبون ما قدروا عليه من غير مغالبة ولا ركوب خطر ويفرون الى منتجعهم بالقفر». وهذا قول فيه من التحامل ما يجعله غير علمي البتة. وهو ما يتناقض اول ما يتناقض مع التاريخ. فنحن نعرف ان الأمم البدوية القديمة مثل العرب والهكسوس والعبرانيين، الذين كانوا يعيشون في منطقة واحدة جغرافياً، كانت لا تعتمد في اقتصادياتها على الرعي والغزو كما يؤكد ابن خلدون فحسب، وانما كانت تمارس نوعاً مما يمكن تسميته بالتجارة الخارجية، بحكم تنقلهم المستمر، وترحالهم الدائم، مما جعلهم مهيئين عملياً لممارسة هذا النوع من التجارة، وتوظيف مواشيهم في مهمة النقل بين بلدان ومدن المنطقة، ولعل قصة النبي يوسف عليه السلام، الذي التقطته قافلة قادمة من سوريا ومتجهة الى مصر بغرض التجارة، تؤكد هذا النشاط لهذه الأمم. كما أن اسواق العرب في الجاهلية كانت حافلة كما نقرأ بالبضائع حتى من الهند وبلاد فارس. وما يؤيد ان العرب كانوا أهل تجارة وانفتاح على العالم الرحلة القرشية الشهيرة قبل الإسلام، نحو بلاد الشام ونحو اليمن طوال فصول السنة. ويذكر لنا التاريخ مدي اهتمام العرب بآداب الرحلات، واكتشاف الآخر، ولعل ابن بطوطة احد اشهر الرحالة العرب الذي انطلق من «طنجة» وحتى بحر اليابان يؤكد لنا مدي اهتمام العرب باكتشاف الآخر من خلال الترحال العلمي. كما ان الانثربولوجيين يؤكدون، كما ذكر هادي العلوي، ان كلمة «تاج» بالصينية والتي تعني «تاجر» تم استلهامها من العربية، وحذفت «الراء» لعدم وجودها في الابجدية الهندية.
والتجارة هي عكس «التوحش» ومناقضة للإنغلاق. ولا يمكن لقوم يمارسونها بهذه السعة، وهذا الكم، وهذه الأبعاد، ومنذ ما قبل الإسلام، ان يكونوا أمة ذات طبيعة «متوحشة»، واهل نهب وسلب. صحيح ان مفهوم «الغزو» لدى بعض القبائل العربية كان أحد أساليب تداول الثروة فيما بينهم، إلا ان ذلك جزء من هذه الأساليب، ومن الخطأ في نهاية الأمر التعميم، او الحكم على الكل بمقتضيات الجزء.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved