Friday 20th September,200210949العددالجمعة 13 ,رجب 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

تجفيف المستنقعات لحل القضية الفلسطينية تجفيف المستنقعات لحل القضية الفلسطينية
نعوم تشوميسكيي(*)

  أيقظت أحداث الحادي عشر من سبتمبر الكثيرين من الأمريكيين على حقيقة انه كان من الأفضل لهم ابداء الكثير من الاهتمام بما تفعله الحكومة الأمريكية في العالم والطريقة التي يتم بها النظر اليها. لقد فتحت هذه الأحداث الكثير من الموضوعات للمناقشة لم تكن مطروحة من قبل على بساط البحث فيما يعد شيئا طيبا ولعله من رجاحة العقل ان نعمل من اجل تخفيف احتمالات وقوع الأعمال القمعية في المستقبل ومما يبعث على الراحة في ذات الوقت ان نتظاهر بان اعداءنا يكرهون حريتنا حسبما قال الرئيس بوش الا انه من الصعوبة بمكان تجاهل العالم الحقيقي الأمر الذي يحمل دروسا مختلفة
.لماذا يكره العرب أمريكا ؟
ان الرئيس ليس هو اول من يتم توجيه السؤال التالي له لماذا يكرهوننا؟ ففي إحدى المناقشات التي جرت في هيئة الأركان قبل 44 عاما وصف الرئيس ايزنهاور حملة الكراهية ضدنا في العالم العربي بانها حملة من جانب الشعوب العربية وليس من جانب الحكام وقد حدد مجلس الأمن القومي الأمريكي في ذلك الوقت الاسباب الرئيسية لهذه الكراهية فيما يلي: مساندة الولايات المتحدة للحكومات القمعية ومعارضة التقدم الاقتصادي والسياسي وذلك من أجل تحقيق مصلحتها التي تتمثل في السيطرة على مصادر البترول بالمنطقة.
لقد كشفت المسوح التي أجريت في العالم العربي عقب أحداث سبتمبر ان هذه الأسباب لاتزال قائمة الى اليوم ويضاعف منها الاستياء من سياسات معينة ومن اللافت للنظر ان ذلك يصدق على الامتيازات التي تحصل عليها القطاعات ذات التوجه الغربي بالمنطقة ولعل المثال على ذلك ما كتبه أحمد راشد فى مجلة فار ايستيرن ايكونوميك ريفيو المعروفة على مستوى العالم بعددها الصادر في أول اغسطس ان حالة من الغضب المتصاعد تسود الشارع الباكستاني بسبب التأييد الأمريكي الذي يسمح للنظام العسكري الذي يقوده مشرف بالمماطلة في تحقيق الديموقراطية التي وعد بها.
والآن فاننا نجامل انفسنا بعض الشيء عندما نختار الاعتقاد بانهم يكرهوننا ويكرهون حرياتنا وعلى العكس من ذلك فان تلك هي مواقف الأشخاص الذين يحبون الأمريكيين ويعجبون كثيرا بالولايات المتحدة بما في ذلك حرياتها. ان ما يكرهه هؤلاء هو السياسات الأمريكية الرسمية التي تحرمهم من الحرية التي يتطلعون كثيرا للحصول عليها.
ومن خلال الاستياء والغضب وخيبة الأمل تأمل العصابات الإرهابية في الفوز بالتأييد لها وتجنيد عناصر جديدة وهنا يجب علينا ان نعي ان قسما كبيرا من العالم ينظر الى الولايات المتحدة على انها نظام إرهابي.
ففي السنوات الأخيرة قامت الولايات المتحدة بأعمال - أو ساندت أعمال - في كولومبيا ونيكاراجوا و بنما والسودان وتركيا - على سبيل المثال لا الحصر - ينطبق عليها الوصف الأمريكي الرسمي للإرهاب عندما يطبق الأمريكيون هذا المصطلح على الاعداء.
أمريكا قوة مارقة
كتب صامويل هينتنجتون في صحيفة فورين افيرز التي تتسم بالجدية والرصانة عام 1999 يقول لقد تحولت أمريكا في نظر الكثير من الدول الى قوة عظمى مارقة. في الوقت الذي تشجب فيه بانتظام دولا عديدة وتصفها بانها دول «مارقة» وتعتبر هذه الدول ان أمريكا هي بمثابة الخطر الخارجي الأكبر من نوعه على مجتمعاتها لقد أظهرت أحداث سبتمبر استمرارية هذه الحقيقة حيث تعرضت دولة غربية على أرضها - ولأول مرة - لهجوم إرهابي رهيب مألوف جدا لضحايا هذه القوة الغربية لقد ذهب هذا الهجوم الى ما هو أبعد مما يسمى أحيانا الإرهاب بالتجزئة الذي يقوم به الجيش الجمهوري الايرلندي أو جبهة التحرير الوطنية. أو منظمة الألوية الحمراء.
وقد أثارت أحداث سبتمبر موجة شديدة من الإدانة في مختلف أنحاء العالم وحالة من التعاطف مع الضحايا الأبرياء وكشف استطلاع للرأي أجراه معهد جالوب في أواخر سبتمبر عن تأييد محدود لشن هجوم عسكري أمريكي على أفغانستان وفي أمريكا اللاتينية - وهي المنطقة صاحبة أكبر خبرة في التدخل العسكري الأمريكي- تراوحت نسبة المؤيدين بين 2% في المكسيك 16 % في بنما.
ان حملة الكراهية الحالية التي يشهدها العالم العربي تغذيها- بالطبع - السياسات الأمريكية نحو إسرائيل - فلسطين و العراق لقد قدمت أمريكا مساندة قوية وهامة للاحتلال العسكري الإسرائيلي القاسي الذي دخل عامه الخامس والثلاثين وتتمثل واحدة من الوسائل الأمريكية لتخفيف حدة التوتر بين الإسرائيليين والفلسطينيين في التوقف عن رفض الانضمام للإجماع الدولي القائم منذ أمد طويل والذي يدعو الى الاعتراف بحق جميع الدول بالمنطقة في العيش في سلام وأمن بما في ذلك دولة فلسطينية تقام على الأراضي المحتلة حاليا مع تعديلات طفيفة متبادلة في الحدود.
صدام .. عداء بعد صداقة
لقد أدى مرور عقد من العقوبات المفروضة على العراق بضغط من الولايات المتحدة الى تقوية صدام حسين بينما أدى الى وفاة مئات الآلاف من العراقيين (ربما يفوق عددهم جميع الذين قتلوا بما يسمى أسلحة الدمار الشامل عبر التاريخ) حسبما كتب المحللان العسكريان جون وكارل موللر في مجلة فورين افيرز عام 1999.
ان التبريرات الأمريكية الحالية بشن هجوم على العراق يحظى بمصداقية تقل كثيرا عن ذلك الوقت الذي رحب فيه بوش الاب بصدام باعتباره حليفا وشريكا تجاريا بعد ان ارتكب أسوأ أعماله الوحشية - في حلبجة عندما ضربت القوات العراقية الأكراد بالغاز السام عام 1988 كان صدام القاتل في ذلك الوقت اكثر خطورة مما هو عليه الآن وبالنسبة لشن هجوم أمريكي على العراق فانه ليس بوسع أي شخص - بما فيهم دونالد رامسفيلد - التكهن من الناحية الواقعية بالتكاليف والعواقب المحتملة لهذا الهجوم.
يأمل المتطرفون الراديكاليون ان يؤدي هجوم على العراق الى قتل الكثيرين من أبناء الشعب العراقي وتدمير أجزاء كثيرة من البلاد الأمر الذي يساعد على توفير مجندين للأعمال الإرهابية بل انه من المفترض انهم يرحبون ايضا بنظرية بوش التي تتضمن حق الهجوم على التهديدات المحتملة وهي تهديدات لاحدود لها من الناحية الواقعية.
المستنقع والبعوض
لقد أعلن الرئيس الأمريكي بوش ليس من المعروف عدد الحروب التي تحقق الحرية في الوطن وهذه حقيقة ان التهديدات قائمة في كل مكان حتى في الداخل وخوض حرب بلا نهاية يشكل خطرا اكبر على الأمريكيين مما يشكله الأعداء الظاهرين لاسباب تفهمها المنظمات الإرهابية بشكل جيد وقبل عشرين عاما أشار الرئيس السابق للمخابرات العسكرية الإسرائيلية يهوشافات هاركابي وهو أيضا مستعرب بارز قائلا من أجل تقديم حل مشرف للفلسطينيين يحترم حقهم في تقرير المصير فانه لابد من حل مشكلة الإرهاب وعندما يختفي المستنقع لن يكون هناك بعوض.
لقد تمتعت إسرائيل في نفس الوقت بحصانة فعلية للقيام بالانتقام داخل الأراضي المحتلة استمرت حتى وقت قريب جدا الا ان تحذير هاركابي كان ذكيا غير ان هذا الدرس يتسم بقدر كبير من العمومية فقبل أحداث سبتمبر بفترة طويلة كان من المفهوم ان القوة القوية والغنية سوف تفقد احتكارها لوسائل العنف وانها يمكن ان تتوقع المعاناة من الأعمال الوحشية على أرضها.وفي حالة الإصرار على إقامة المزيد من المستنقعات فسوف يكون هناك بعوض كثير لديه قدرة رهيبة على التدمير ولو خصصنا مواردنا لتجفيف المستنقعات ومخاطبة جذور حملات الكراهية عندئذ سيكون بالإمكان خفض التهديدات التي نواجهها ونعيش للمثل التي نعترف بها والتي يمكن تحقيقها اذا اخترنا التعامل معها بجدية.

(*) استاذ في علم اللغويات وكاتب أمريكي
المصدر: زد نت خدمة الجزيرة الصحفية

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved