Thursday 19th September,200210948العددالخميس 12 ,رجب 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

حول مهور الزوجات حول مهور الزوجات
الدوسري: وجهة نظر قابلة للصواب ومحتملة الخطأ!

عزيزتي الجزيرة:
اطلعت على ما طرحه الاخ عبده جماح الذي سميته بدوري «تحطيم المهور»، فما ظننت يوما من الدهر ان يوجد شيء يكون كل شيء أغلى منه حتى محلات «كل شيء بريالين»، انها تلك الزوجة التي قدم مهرها على أنه ريال واحد فقط. نعم فقد بخس الحق الذي جعله الله لها قال تعالى مبيناً ذلك: {وّآتٍوا النٌَسّاءّ صّدٍقّاتٌهٌنَّ نٌحًلّةْ فّإن طٌبًنّ لّّكٍمً عّن شّيًءُ مٌَنًهٍ نّّفًسْا فّكٍلٍوهٍ هّنٌيئْا مَّرٌيئْا (4)} [النساء: 4] ، ومعنى صدقاتهن أي صداقهن وهو المهر فنسبه إليهن ولم ينسبه الى اوليائهن اذ هو حق لهن. وفي الآية معنى آخر يدل على ما ذكرته وهو قوله تعالى: {فّإن طٌبًنّ لّّكٍمً عّن شّيًءُ مٌَنًهٍ نّّفًسْا} [النساء: 4] ، أي من المهر. ولم يقل فإن طابوا أي الآباء فهذا دليل على ان المهر أوله وآخره ومبتداه ومنتهاه وأساسه ورأسه حق للمرأة لا لوليها. ولا يمنع ذلك ان يتدخل والدها حين يرى ان ابنته قد جارت في مهرها بكونه كثيراً.
أما حين يحدد الأب هذا المهر بريال واحد دون استشارة ابنته فهذا في ظني انه لا يوافق بادي الرأي ولا باطنه.
ولا أدري ما قصة هذا الريال الذي أتى بزوجة قد تكون جمعت صفات عائشة بنت طلحة او سكينة بنت الحسين او هما معاً في الجمال والشرف او هند بنت المهلب والرباب بنت امرئ القيس في السؤدد والجاه او عمرة بنت عبدالرحمن وام البنين بنت عبدالعزيز في العلم والتقوى او صفية بنت ابي عبيد وفاطمة بنت المنذر في الأدب والخلق رضي الله عنهن اجمعين.
نعلم فلقد قرأت تلك المقالة وانني بدوري ككاتب لي الحق في ان ادلي بدلوي ان اقول لأولئك الآباء الذين زوجوا بناتهم بريال واحد ان اوجه لهم عدة اسئلة:
هل تريدون السنة؟ وما هو مستندكم في ذلك؟ وهل بناتكم خير من أمهات المؤمنين وزوجات الصحابة رضي الله عنهم أجمعين؟!
ولعلي ان اريحهم من الاجابة فأقول: اما السنة فلم ترد بهذا المبلغ الذي لو وجد اضعافه عشر مرات لجاز ان يكون لقطة فكيف بمهر تناله الزوجة ويكون تكريماً لها؟
أما المستند فلا اظن لديهم شيئاً من ذلك، إلا ان يكون دليلهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «أعظم النساء بركة أيسرهن مؤونة» فإن كان هذا هو المستند، فهذا غلط في فهم النصوص ووضع لها في غير موضعها.
إذ ان قول الرسول صلى الله عليه وسلم «أيسرهن مؤونة» يراد به الذي يتيسر للزوج ان يجمعه اما هذا المبلغ فيجمعه كل احد بل كل صبي لم يبلغ سن التمييز، فلفظة «ايسرهن» لا يقصد بها ان يعطي أي شيء مما يكون فقده خير من نقده بل مما اتفق عليه العقلاء انه لا يبخس الزوجة حقها ولا يرهق كاهل الزوج. أرأيت لو ركبت مع صاحب سيارة اجرة فأوصلك الى منزلك او عامل عمل لك عملا ثم سألته عن اجرته فقال: أي شيء تجود به نفسك مقبول، ايحسن بك ان تعطيه ريالا؟! كلا فهذا لا يقوله احد ممن يستفهم عنه ب«من». وإنما يقصد ما تطيب به نفسك مما يكون يسيراً عليكم قريباً من حقي الذي يدفعه عامة الناس.
وارجو ألا يحتج علي احد بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اذهب فقد زوجتكها بما معك من القرآن»، فإن هذا الحديث إنما هو من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه وسوف يرد بعد قليل.
فهل تعلم كم يبلغ القنطار؟ اذا اردت ذلك فأعلم انه يساوي كذا وكذا من الدنانير، والدينار يساوي كذا وكذا من الدراهم بدليل قوله تعالى: {وّمٌنً أّهًلٌ الكٌتّابٌ مّنً إن تّأًمّنًهٍ بٌقٌنطّارُ يٍؤّدٌَهٌ إلّيًكّ وّمٌنًهٍم مَّنً إن تّأًمّنًهٍ بٌدٌينّارُ لاَّ يٍؤّدٌَهٌ إلّيًكّ إلاَّ مّا دٍمًتّ عّلّيًهٌ قّائٌمْا} آل عمران: (75).
ولو نظروا للأحاديث المفسرة لرأوا بيان ذلك جلياً فقد جاء في صحيح مسلم من حديث ابي سلمة بن عبدالرحمن انه قال: سألت عائشة رضي الله عنها كم كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: كان صداقه لأزواجه اثنتي عشرة اوقية ونشئا، قالت: اتدري ما النشء؟ قلت لا. قالت نصف اوقية فتلك خمسمائة درهم فهذا صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه.
وجاء في الصحيحين ان عبدالرحمن بن عوف تزوج امرأة من الأنصار على وزن نواة من ذهب. فلما اخبر النبي صلى الله عليه وسلم بارك له في ذلك وقال: «أولم ولو بشاة. وعليكم ان تحسبوا كم تبلغ النواة من الذهب من الدراهم؟ علماً ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يعاتبه على ذلك او يعيبه.
وأصرح من هذا وذاك ما اخرجه الشيخان من حديث سهل بن سعد الساعدي في قصة المرأة التي جاءت تهب نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فطأطأ النبي صلى الله عليه وسلم رأسه وقال: لا حاجة لي اليوم في النساء، فقال احد أصحابه: إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها فقال النبي صلى الله عليه وسلم «وهو الشاهد في ذكر هذا الحديث»: التمس ولو خاتماً من حديد.. الخ الحديث. ولو أمعنت النظر في الحديث جيداً لرأيت قوله صلى الله عليه وسلم «ولو خاتماً من حديد» تفيد نهاية القلة في المهر. ولو أردنا ان نسعر ما جعله النبي صلى الله عليه وسلم أقل شيء وهو الخاتم من الحديد لكانت قيمته في السوق عشرة ريالات او أكثر ولن تجد خاتماً من حديد يستحق اللبس بأقل من هذا.
كل هذه أدلة تبين ان الصواب ليس ان تهدى المرأة، الى زوج قد يهينها يوماً من الأيام وقد قالت العرب قديماً «كل مبذول مملول» بل ان ذلك سوف يجعل البعض يتقدم مجرباً، والبعض ممن لم تكن لديه رغبة في هذه الزوجة ان يتقدم ويقول في نفسه «ما أهون من السلعة إلا ثمنها» فلست خاسراً شيئاً، فيتقدم اليها وهو لم يقدرها حق قدرها.
ولعلي ان اذكر قصة حيال هذا الصدد: فقد رأى أحد الآباء بعض الصفات التي اعجبته من احد الرجال: من رزانة في العقل وسداد في القول، وصواب في الرأي فما كان منه إلا أن زوجه ابنته فلما سأله عن المهر قال: ريالان، ومرات الأيام وكسدت هذه البضاعة في جو منزلي شحن بالغضب بين الطرفين فما كان من الزوج إلا ان قال لها: لو كان فيك خير ما زوجك والدك بريالين فكأنه ألقمها حجراً خشناً فجمعت ثيابها وذهبت الى والدها.
وعلم والدها بالقصة فقال لابنته ما دام ان هذا منطقه فابقي عندي حتى يأتي ليرجعك فلما جاءه يريد ارجاعها، انهمر عليه والدها بالتقريع والتوبيخ وما شبهه.. إلا بمن بدلوا نعمة الله كفراً.. ثم قال له: البنت لن ترجع حتى ترضيها بمبلغ من المال جزاء اهانتها فقال: الزوج وقد استبشر: لها ما تريد ولعله كان يعتقد ان «الرضاوة» ستكون «5 أو 10 إلى 100» فأخبره الاب بأنها كما قال تريد: مائة فلبى الزوج هذا الطلب وما هو إلا ان قاطعه الاب قائلاً أتريد ما هي المئة؟ انها مئة ألف ريال نقداً وعداً مما جعل عينيه تصابان بالحول ورأسه بالدوار ويديه بالرعشة «فحاص يميناً وشمالاً» وهيهات وجلس اياماً لا يكاد يصدق هذا الأمر فإذا بالأمر في غاية الجد ولن يتنازل عن ريال واحد فما كان منه إلا ان جمعها بجروح لن تندمل إلا بعد سنوات حتى يسدد آخر قسط. وبعد ذلك عرف قيمة هذه المرأة الغالية.
أعود فأقول: ان اولئك والله أعلم على طرف النقيض من أهل الغلاء والجور ممن باع ابنته علنا وجعلها حملا ثقيلاً على زوجها فعند ادنى مشكلة تحدث بينهما يتبادر له على الفور تلك الأموال الطائلة التي دفعها في هذه العلة المميتة فيزداد هماً الى هم.
وما أجمل قول شوقي وكأنه يخاطب هؤلاء الآباء حين قال:


ما زوجت تلك الفتاة وإنما
بيع الصبا والحسن بالدينار

وكلاهما على خلاف الصواب و«كلا طرفي قصد الأمور ذميم».
فالله الله أيها الآباء لا تظلمون ولا تظلمون فلا تظلمون المتقدم لبناتكم ولا تظملون من قبل المتقدمين ببخس بناتكم حقهن من المهر فالوسط الوسط والقصد القصد وقد كان لنا في رسول الله اسوة حسنة ولسنا خيراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه الكرام ولست بناتنا خيراً من زوجاته صلى الله عليه وسلم وقد قدمت سلفا كم كانت مهورهن رضي الله عنهن.
وقد ذكر لنا التاريخ قصة المرأتين اللتين مضى ذكرهما في أول هذا المقال وهما عائشة بنت طلحة وسكينة بنت الحسين زوجتي مصعب بن الزبير أمير الحجاز والعراق رضي الله عنهم أجمعين. ان مهر كل واحدة منهما ألف ألف درهم مما حدا بأنس بن زنيم الدئلي ان يرفع هذا الخبر الى اخي مصعب وهو عبدالله بن الزبير رضي الله عنهم بقوله:


أبلغ أمير المؤمنين رسالة
من ناصح لك لا يريد خداعاً
مهر الفتاة بألف ألف كامل
وتظل سادات الجيوش جياعا
لو لأبي حفص أقول مقالتي
وأقص شأن حديثهم لارتاعا

فوافقه عبدالله بن الزبير وقال صدق والله أنس لو قيلت هذه المقالة لأبي حفص لارتاع من تزويج امرأة بألف ألف. انظر كتاب المعارف لابن قتيبة.
ولعل أصحاب هذه القصة رضي الله عنهم اجمعين يتلمس لهم العذر بأن هذا أمر فعله مصعب بن الزبير رضي الله عنه من قبل نفسه ولم يطلب منه ذلك وإنما فعله تكرماً وتكريماً لتلك المرأتين العريقتين في النسب رضي الله عنهما.
وأخيراً أقول من وجد دليلاً على صحة ما رآه فليبسطه لنا والحكمة ضالة المؤمن انى وجدها فهو اولى بها وما هذا إلا وجهة نظر قابلة للصواب ومحتملة للخطأ.
محمد بن سعد الدوسري
متوسطة الأمير نايف بالخرج

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved