«للناس فيما يعشقون مذاهب» والقراءة عشق وللناس فيها مذاهب، وهذا لا يشمل كمية القراءة ونوعية الموضوعات المفضلة فحسب بل أيضا «طقوسية» القراءة ذاتها، فلو أخذنا على سبيل المثال مذاهب الناس في قراءة الصحف لوجدنا أن منهم من يتصفح أولاً ليقرأ بتعمق لاحقاً، ومنهم أيضاً من يباشر رأساً في القراءة المتعمقة، كما أن هناك من يقرأ كل شيء مقابل من يفعل ذلك بانتقائية، بل من القراء من يبدأ من الصفحة الأولى نزولاً إلى الصفحة الاخيرة مثلما أن البعض منهم من هو على العكس من ذلك حيث تمثل لهم الصفحة الأخيرة نقطة البدء صعودا «تنازلياً» الى الصفحة الاولى.
وبما ان الحقيقة تؤكد ان في بعض الفضول منطقاً فقد يتبادر الى أذهان بعض القراء سؤال فضولي عن طرائق الكُتَّاب أنفسهم في القراءة وأعني بها هنا تحديداً قراءة الصحف.. أما عن شخصي المتواضع فطريقتي القرائية للصحف تكاد تكون «غلافية».. بمعنى من الغلاف للغلاف، وبخصوص نوعية ما أقرأ، فلا تستوقفني في الحقيقة الأخبار الجوهرية بقدر ما «تفرمل» بي الاخبار «نصف كم!».. السامجة.. الطريفة.. الجدية الى درجة السخرية.. الساخرة الى درجة الجدية، حيث أتوقف عندها تأملاً وتفكراً، ومن ضمن هذه الأخبار ما نشرته جريدة «الجزيرة» منذ عدة اسابيع عن إحدى الزواجات التي تمت في إحدى مناطق المملكة حيث ذكر الخبر أن الزوجة الأولى «للمعرس» هي من قامت بغالب أعباء حفل العرس من ترحيب بالمدعوات «وصبٍّ!» للقهوة.. بل حتى الرقص، وبما أنه لا يصح في النهاية إلا الصحيح فقد أطل الزوج وهو ممسك بيد عروسه الجديدة في لحظات كانت فيها الزوجة الاولى ترقص وترقص وهنا حدثت المفاجأة: فعلى غرار نظرية «كالطير يرقص مذبوحاً من الألم» سقطت الزوجة الاولى مغشياً عليها.. وحقاً ففي مثل هذا الموقف تتجلى في رأيي الشخصي جوهرية مواقف الحياة، ولهذا السبب أيضاً لم أستطع تجاوز الخبر الا بعد أن أقنعت «شخصيتي» الأخرى بأن كل اجراءات الترحيب والخدمة التي قامت بها المرأة المعنية قد صدرت بفعل «غيبوبة صحو» نمر بها جميعا ونطلق عليها أسماء مختلفة رغم ان المعنى واحد كالمجاملة.. التجمل.. الضغط على الأعصاب.. الحياء.. ضياع الحيلة، وغيبوبة اليقظة هذه لا نصحو منها في الغالب الا بعد أن تتخلى عنا أرجلنا فنسقط على الأرض.
أما المثال الثاني على ما يستوقفني من الأخبار الصحفية، فقد قرأته أيضاً في جريدة «الجزيرة» منذ اسبوعين تقريباً نقلاً عن وسائل الاعلام العالمية بعنوان «دراسة علمية تثبت ان معظم الأوروبيين من نسل شرق أوسطيين»، هنا أرجو التكرم بالتوقف قليلاً عند عبارة «معظم الأوروبيين» حيث إن معناها - كما يظهر لي على الأقل - يعني «كلهم إلا شوي!».. وبما ان عبارة الشرق أوسطيين تعني العرب.. فهل معنى ذلك ان الاوروبيين كانوا ذات زمن أحفاداً لنا..؟ إذن فبكل تأكيد فنحن مما يبدو لم نحسن تربيتهم أخلاقياً..!، وهم لم يعبأوا بما لنا عليهم - بوصفنا أجدادهم - من حقوق استدلالاً بأن عقوقهم بلغ حداً دفع بهم إلى استعمارنا وامتصاص خبراتنا.. وهنا فليس لديَّ ما أقوله سوى «يا الله صلاح العطاء والذرية»!..
بالمناسبة من هو المستفيد الوحيد من نتائج مثل هذه الدراسة؟.. بالطبع لا أحد غير اليهود الذين لم يتركوا وسيلة لغرض إثبات صلتهم «المقطوعة» بالشرق الاوسط إلا طرقوها أو بالأصح زوَّروها.. ولهذا إياكم والاستغراب فيما لو قام شارون ذات يوم «بالحجْر» على إحدى الفتيات العربيات بدعوى أنه ابن العم الوحيد المؤهل للزواج منها حسب ما تفرضه تقاليد القرابة، وفي حال تم رفض طلبه هذا فسوف يسارع إلى تقديم شكوى بذلك الى الأمم المتحدة، وبالتأكيد فأول من سوف يصوت على عدالة قضية حجز شارون على بنت عمه هو زوجة شارون الأولى أو بنت عمه من الرضاع: السيدة أمريكا.. وهنا دعوني استبق الاحداث فأهنىء شارون على زواجه هذا مقدماً بالقول: «بالطقاق..!
وإلى الجحيم.. ومنها الفأس ومنك الرأس..!».. فمهما زوَّر «فيتو» الأقوياء عقود اغتصاب تراب الضعفاء فلن يمنح ذلك زواجك من «فلسطين» الشرعية التي ترنو إليها، فهو زواج إكراه باطل.. بشهادة محكمة التاريخ التي حتماً ستصدر قرار فسخها منك ذات يوم موعود تطهيراً لها من أدرانك النجسة.
|