اعتبرا انهما في المنتصف يقفان بقاربهما الصغير بجوار سفينة ضخامتها تسد الأفق عليهما، كانت السفينة وكأنها جبل يتربع على المحيط.
جلس الأول على حافة القارب متأملاً هذا الجبل الذي أمامه ومستعيداً حلم اليابسة الذي تمناه منذ شهور.. الثاني لم يجلس.. بل انهار على طرف القارب..
جدار السفينة الأحمر يجعل من الأرض حولهما صراخاً من الدم ويزيدهما تعباً.
جسد الثاني في منتصف القارب الصغير مهدوداً متمنياً ان يسرعوا في انزال الحبال أو أى شيء فقد تعب من الوقوف على الماء.
عندما نزلنا إليهما كان أحدهما فاقداً للوعي والآخر يحاول ان يتماسك إلى ان انهار بين أيدينا، نظرت إلى محتويات القارب العفنة فلم استطع معرفة محتوياته عدا عظام السمك.
كان منظرهما مريعاً وجسداهما خفيفين جداً، ذكراني بشياطين البحر، خفت ولكننا حملناهما إلى ظهر السفينة.
ادخلوهما إحدى الغرف وعدت إلى عملي ولم أحاول ان اسمع أخبارهما، إلى ان اختفيا من السفينة ولم يعد يعرف أحد كيف ذهبا ولا إلى أين.
رابغ 2001
«سواد البياض»
تتعرف على الظلام بسواده القاتم بمجرد ان ترى وجهها.
ولم تكن بشرتها سوداء لم يكن الضوء خافتاً ولكنها تملك هيبة السواد العظيم لمجرد ان تتكلم وتنظر إليك، عيناها غابة من السواد محاطة بهالة من الرموش تجعلهما مغارتين للأسرار.
منذ سنوات وأنا أعرفها وتعاملت مع سوادها بالكثير من الحذر ولكنني الآن مع نظراتها هذه لا استطيع ان اقترب منها أكثر.
بدأ الخدر يتسرب إلى قدميَّ وأحداث السنوات الماضية ارتسمت أمامي والسواد بدأ يزحف حولي. لن اتقدم بل سأكتفي بالنظر إليها من بعيد واتذكر أوقاتنا البعيدة مستمتعاً بسوادها القادم من الذاكرة. لا أعرف منذ متى وأنا أشعر بها سوداء ولكنني الآن لم أعد اتذكر انها كانت بيضاء قط.
رابغ 2001م
«الأخذ من هناك»
نتف من الماضي متراصة فوق بعضها لتشكِّل في النهاية خراباً ومدناً نائية من التفاهات تجعل من الحياة في وسطها أشبه بالانتحار البطيء.
لذلك وبعد ان رفعت الستارة قليلاً نظرت إلى جوار النافذة التي تقف عندها، كانت تحاول ان تشاهد ما قد يكون عليه المستقبل المنتظر، أضافت إلى نفسها بعضاً من العزيمة والقوة، تمسكت بحافة النافذة المتشققة فبدت وكأنها تتعلق بحافتها وبدا المنظر أمامها وكأنه يختفي إلى ان انسدلت الستارة أمام عينيها ويبهت العالم من أمامها، لتتراجع هازئة ومحركة الهواء حول رأسها والضوء يجاهد بالدخول عبر الستارة المهتزة.
جدة 2002م |