Thursday 19th September,200210948العددالخميس 12 ,رجب 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

ذكرى كارثة سبتمبر .. المضي في تجنب أسئلتها ( 2 - 2) ذكرى كارثة سبتمبر .. المضي في تجنب أسئلتها ( 2 - 2)
د. فوزية عبدالله أبوخالد

في الجزء الاول من هذا المقال ليوم الجمعة الماضي تناولتُ الكيفية التي تعاملت بها الكتابات الامريكية مع حدث 11 سبتمبر وقلتُ ان مجمل الكتابات التي تناولت الحدث وتداعياته المرعبة تحتاج الى مراجعة بعد مرور عام عليه.
وإذا كنتُ قد حددتُ في ذلك السياق الاتجاه الامريكي الاعم في التعامل مع الحدث والذي تمثل في اتجاه تنزيه الذات «الامريكية» واتهام الآخر، فإنني في مقال اليوم سأعمد الى طرح الكيفية التي تناولت بها كتابتنا حدث سبتمبر علّ ذلك يكون بداية لوقفة نقدية نخرج بها من دائرة الاحتكام لردة الفعل الامريكية الى اتخاذ مواقف مستقلة تحافظ على وحدتنا الوطنية وتحمينا من ابتزاز التهم وتستجيب لتحدي اللحظة التاريخية الراهن والتي لم تفعل احداث سبتمبر وتداعياتها اكثر من وضعنا وجها لوجه امامها.
فعلى صعيد ضفتنا من منطقة العالم العربي والاسلامي الذي توجه اليه حراب وليس مجرد اصابع الاتهام الامريكي نجد ان «كتابتنا» تكشف عن وجود عدة اتجاهات في تناول احداث الحادي عشر من سبتمبر وتداعياتها المرعبة على العالم اجمع ومنطقتنا تحديدا، الا انني في طرحي هذه الاتجاهات سأكتفي بالاشارة الى بعضها دون الدخول في تفاصيلها ودون ان اقوم بربطها بما تتبناه من اتجاهات سياسية تأسيسية متباينة وذلك ليس لضيق الحيز او تجنبا لما قد يضيق به الرقيب وحسب ولكن لسببين آخرين اذكرهما لعلاقتهما بما اريد ان اخلص اليه.
السبب الأول: هو ان الاتجاهات السياسية وان اختلفت او تعددت في منطلقاتها وآلية عملها فإنها قد تلتقي على المواقف عند مواجهة الأزمات الوطنية او الحالات السياسية الحادة كالحالة التي خلقتها في منطقتنا تداعيات سبتمبر وخاصة حين يكون التهديد لا يفرق او لا يهمه تمييز اي اختلاف في الخط السياسي طالما انها جميعا بأطيافها المختلفة لا تمثل الا الآخر «المتهم» في نظر من يطلق التهديد بل ويعمل على تنفيذه.
السبب الثاني: هو ملاحظتي المتراكمة لوجود اتجاه عام يطبع معظم كتاباتنا في تناول الحدث مهما اختلفت خلفيتها السياسية وهذا الاتجاه هو ما يمكن تسميته باسمه الفعلي وهو «الاتجاه الدفاعي» فمعظم «كتاباتنا» مع الأسف تتبنى موقفا دفاعيا مقابل موقف الاتهام الذي تتبناه غالبية الكتابات الامريكية كما ذكرنا في الجزء الأول من هذا المقال.
وهنا سأشير باختصار لابد ان يكون مخلا بعض الشيء إلى عدة اتجاهات في كتابتنا حول حدث سبتمبر تحددها كيفية كل منها في قراءة ذلك الحدث وفي قراءة ردة الفعل الامريكية عليه وعلى الأخص التصعيد السياسي والاستهداف العسكري لعدد من شعوب المنطقة وانظمتها ومن هذه الاتجاهات:
1 اتجاه لم يكتف بالتعاطف مع ضحايا تفجيرات نيويورك وواشنطن وبنسلفانيا تعاطفا انسانيا ولم يكتف بإدانة الحدث سياسيا بل برأ ساحة السياسة الامريكية الخارجية غير العادلة تجاه قضايا المنطقة من اي مسؤولية عنه برفض الربط بين الحدث وبين مشروع الهيمنة الامريكي الذي يعمل على تهميش «الآخر» وتكريس علاقة امريكا الفوقية بالمجتمع الدولي. وهذا الاتجاه اما اكتفى بتسجيل اعتراض ادبي على حرب امريكا على الارهاب وإما انه لم يبلغ حتى تلك المرتبة من اضعف الايمان. ومجاراة امريكا من قبل هذا الاتجاه بلغت احيانا حد مجاراتها ليس فقط في تعريفها الغامض للارهاب، بل باعتبار حركات المقاومة المشروعة في لبنان وفلسطين جزءاً منه وهذا الاتجاه المستميت في مجاراة امريكا اما يأتي رهبة من امريكا واتقاء «لشرها» وإما املاً كاذباً بأن تحمل امريكا قيم الحرية والديموقراطية الى المنطقة. وعلى ما في الحالتين من سراب فهو في الحالتين يصدر من موقف مغرق في الدفاعية.
2 اتجاه يعمد الى معاداة امريكا معاداة مطلقة وذلك لان امريكا تعادي شعوب المنطقة وتقف من قضاياهم موقف الناصر لعدوهم وتستبيح اراضيهم وثرواتهم وتحاول ان تمحو هويتهم الحضارية بما فيها الهوية الدينية بعولمة هيمنتها غير ان هذا الاتجاه لا يكتفي بتلك الاسباب الموضوعية والمنطقية (الحقة) المسببة لموقفه بل يذهب الى ابعد من ذلك في ربط العداوة لامريكا بمنطلقات تعصبية في النظر الى الآخر. وهذا الاتجاه يرى في حرب امريكا على الارهاب استكمالا لما بدأته امريكا في حرب الخليج 91 لغرض سيطرتها بالقوة العسكرية على المنطقة. هذا إذا لم ير فيها تجديدا للحروب الصليبية، وهذا الاتجاه وان لم يتردد في اظهار أن مواقفه انما هي مواقف دفاعية وان لم تأت دفاعيته للرد على الاتهامات الامريكية التي صاحبت احداث سبتمبر كما في الاتجاهات الاخرى، فإن طروحاته لا تخرج عن الاطار الدفاعي وان اختلفت دوافعه.
3 هو اتجاه لا يرى في امريكا الخير كله كما في الاتجاه الأول الا انه ايضا لا يرى فيها «الشر» كله كما في الاتجاه الثاني فهو يرى فيها آخر مختلفاً يحتوي وعاؤه الاجتماعي والسياسي على كثير من التموجات التي يجدر عدم تجاهلها فهناك اختلافات بين ادارته السياسية وبين تجمعاته الاهلية كما ان الخلاف معها يتمحور حول سياستها الخارجية غير العادلة تجاه قضايانا كما يتمحور حول محاولتها الشرسة لعولمة نموذجها الحضاري عن طريق السيطرة على حساب هويات الغير دون ان يعني الوعي بذلك وضرورة التصدي له التقليل غير الموضوعي من شأن منجزها العلمي والتقني. وإذا كان هذا الاتجاه يرى عدم مناسبة حل اختلافنا وان كان جذريا بالعنف، فإنه لا يرى ان بالامكان فرض احترامنا على امريكا او سواها بأسلوب المسكنة والمجاراة والتفريط في الحد الأدنى من الاستقلال.
ولذا ومن هنا فإن هذا الاتجاه يرفض قبول اي مبرر سياسي او سواه لقبول ما تسميه امريكا الحرب على الارهاب حيث يرى ان ضحايا سبتمبر مثلهم مثل مدنيي فلسطين او لبنان هم ضحايا السياسة الخارجية لامريكا وعلى رأسها مساندتها السياسية والعسكرية لاسرائيل وتبقى المفارقة ان هذا الاتجاه ايضا عندما ينبري لتوضيح وجهة نظره فإنه لا يستطيع ان يفعل ذلك الا في اطار الدفاع امام هجمة الاتهام الامريكي.
هذا مع ملاحظة ان هناك تداخلاً وانقسامات على الذات بين هذه الاتجاهات فيما بين بعضها البعض وبينها وبين اتجاهات اخرى لم اذكرها في مجمل «كتاباتنا» عن احداث سبتمبر وتداعياتها المروعة، الا ان ما يكاد يكون قاسمها المشترك رغم الاختلافات القطعية بين بعضها هو تبني معظمها موقفاً دفاعياً عاماً باختلافات نسبية بسيطة وكأنها جميعا تتجنب محاسبة الذات او الاعتراف بمسؤولية ما سواء عن احداث سبتمبر او عن اوضاعنا التي تسمح لأمريكا بشن حربها على المنطقة باسم الحرب على الارهاب.
فمنذ اللحظة الاولى لتفجيرات نيويورك وواشنطن ونحن نخرج من موقف دفاعي لندخل في موقف دفاعي آخر احلك وأعقد من الذي سبقه، وذلك ليس فقط على صعيد المواقف الرسمية بل وهذا ما يلفت النظر ويثير الحنق على صعيد مواقف الكتاب والمحللين السياسيين والمعلقين الصحافيين ومن لف لفهم من الاكاديميين ونخبة المثقفين. وعلى سبيل المثال فمن الدفاع بأن ليس منا من «شمت» بمصاب امريكا وان من فعل ذلك انما هم حفنة من الصبية و«النساء» الجهل، الى الدفاع المستميت بأن ادانة حدث سبتمبر يجب الا تحتوي على أي كلمة استدراكية كقول.. «ندين الحدث ولكن...» إذ يجب حسب هذا الموقف الدفاعي المتهالك ادانة تفجيرات سبتمبر من «غير لكن او ليه». وفي هذا السياق كان الدفاع عن «براءتنا» بقول «إنه لا يمكن ان يكون منا من قام بذلك العمل لأننا لا نملك تلك «القدرة الانضباطية الجبارة» على ذلك النوع من التخطيط والتنفيذ الدقيق». ومن مثل هذا الدفاع الأرعن المليء بعقد النقص والاستذلال إلى الدفاع عندما بدا لا مناص من ان من قاموا بذلك العمل انما هم «حثالة» من المنحرفين المغرر بهم مع ان وصايا بعضهم التي اعلنت مؤخراً تؤكد غير ذلك تماماً.
لقد تبنينا في مواجهة احداث سبتمبر ورياح الحرب الامريكية الضارية التي هبت على منطقتنا موقفاً دفاعيا بامتياز، ليس فقط على مستوى محاولة البعض كسب رضا البيت الأبيض الامريكي بالتطمينات المستمرة على مصير الاستثمارات الكبيرة في بيوت المال الامريكية وتأمين النفط والتعاون الاستخباراتي وسواه، بل على مستوى تقديم «كتابات» دفاعية تزيد من ضعف مواقفنا الرسمية كما تضيف إلى الفجوة بين الخطاب الرسمي والحس الشعبي فجوة جديدة هي الفجوة بين المكتوب وبين المنطوق في الخطاب السياسي للمجتمع.
وكما يقود اتجاه الاتهام المطلق للآخر وتنزيه الذات الكتابات الأمريكية لطرح اسئلة غير دقيقة ان لم تكن مضللة كسؤال «لماذا يكرهوننا؟» وكما وضحنا في الجزء الأول من هذا المقال، فإن «الموقف الدفاعي» الذي تتبناه «كتاباتنا» باتجاهاتها المختلفة يقودنا لأن نتوسل «السلامة» بأسئلة لا تخلو من سذاجة سياسية كسؤال «لماذا لا ينصفوننا؟»، لماذا يتنكرون لصداقتنا التاريخية؟ هذا إذا لم ننزلق لسؤال كيف نسترضيهم؟ أو في احسن الاحوال كيف نأمن طائلة حربهم لئلا تطول رقابنا...؟
وإذا كنا قد نحتاج إلى خطاب دبلوماسي رسمي يقوم على التوازنات السياسية كما اشار كل من الدكتور غازي القصيبي والدكتور سليمان السليم بجريدة الحياة في الاسابيع الماضية للتعامل مع عولمة الرعب الامريكي بعد اثارة المزيد من عداواته، فإننا بنفس القدر ان لم يكن اكثر بحاجة إلى وقفة محاسبة مع الذات. ووقفة المحاسبة المطلوبة بقدر ما هي مطالبة بعدم الارتهان للمواقف الدفاعية، فإنها مطالبة ايضاً بعدم الارتهان للاحكام القيمية المطلقة على الآخر مثل مايتردد من قول انهم يحملون عداءً تاريخياً للاسلام بجميع اطيافه السياسية أو انهم يحملون نزعة تعصبية لا شفاء منها ضد العرب. إذ ان هذه الاحكام وان صحت على مواقف اليمين المسيحي بأمريكا وفي طاقم الادارة الامريكية عدد منه، فإنها لا تصح لتحكم علاقتنا بمجمل تشكيلات المجتمع الامريكي.
فمتى وقد مضى عام على احداث سبتمبر وعاصفة الحرب الامريكية الجديدة المسماة الحرب على الارهاب لم تتوقف لحظة واحدة عن العصف بأعصابنا وبمصائرنا السياسية والانسانية شعوبا وانظمة نقوم بتقديم كتابة تتجرأ على طرح الاسئلة الجارحة على الذات؟
ومن امثلة الاسئلة التي يجب عدم تجنبها في «كتاباتنا» وعدم الجبن أو التردد في طرحها الاسئلة التالية:
ما هي مسؤولية خطابنا السياسي السائد في دفع عدد من شباب العالم العربي والإسلامي ليروا في خطاب الاسلام السياسي يمثله تنظيم القاعدة خطاباً بديلاً؟
ما هي مسؤولية مؤسساتنا التربوية كالاسرة ومسؤولية مؤسساتنا السياسية في التسبب بهجرة هؤلاء الشباب من بيئاتهم الحميمة للبحث عن بيئة بديلة؟
ألم يكن توجيه وليس فقط توجه عدد من الشباب نحو الجهاد بأفغانستان في مرحلة مقاومة المد السوفيتي خطأ ما كان له ان يستمر لو أننا بحثنا عن تداعياته؟
كيف يمكن استيعاب وتفعيل الطاقات الشبابية في مجتمعات العالم العربي والإسلامي بما لا يهمشها أو يغربها، بل لتكون عامل بناء في هذه المجتمعات؟
ما هي مسؤولية الاوضاع الاقتصادية في العالم العربي والإسلامي، ان بحبوة او ضيقا في العيش او تفاوتا بينهما في طلب هؤلاء الشباب مصادر اخرى لحياة اخرى؟
ما هو الدور الذي يلعبه اختلال موازين القوى السياسية والعسكرية بيننا وبين الآخر الذي يسمح له بفرض سيطرته على مجتمعات العالم العربي والإسلامي في تيئيس الشباب من تحقيق أي معادلة عادلة لقضايانا بغير العنف العشوائي الذي ليس هو الا رداً على العنف المنظم الذي تمارسه قوى الهيمنة الدولية وعلى رأسها أمريكا. وهكذا أنهي مقالي بموقف دفاعي آخر يضاف إلى «كتاباتنا» الدفاعية... اما مجابهة مثل هذه الاسئلة وغيرها كثير فتتطلب جبناً فردياً اقل وشجاعة جماعية أكثر. ولله الأمر من قبل ومن بعد.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved