Thursday 19th September,200210948العددالخميس 12 ,رجب 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

كالوس كالوس
استحضار صوت المسرحية
أمير الحسناوي

إذا كان للروائي أو كاتب القصة أو النص الأدبي القدرة على احتواء الزمن في حالة الخروج الكلي من الحدث إلى الإشباع السردي لها، فإن ذلك يواجه حقيقة الاخفاق في بنائية النص المسرحي، والتي تعتمد على لغة الحدث اعتمادا كليا وكذلك تراكيب الأفعال التي تولد صيروراتها أحداثا أخرى والتي تولدها ماكنة الأفكار المتصارعة وطموحات الشخوص المتقاطعة والمتضاربة دون ان يكون لمؤلف النص القدرة على الوصف السردي بغاية اختزال زمن الحدث المفترض أو الإفصاح عن أسرار ومكونات النص، فهو (أي النص) لايعني تتويج فكرة ما، بقدر ما يحتوي على عناصر غاية في السرية تتداخل في تركيبته وتكمن في ذاته.. ثم لتدفع به فيما بعد لتخطي أزمات الحاضر (الآن) ليعبر إلى أزمان أخرى.. فيحيا.. ذلك يعتمد على قدرة النص وبنائيته.
ان الفكرة بحد ذاتها مقيدة.. ترتبط بهم التأمل الفلسفي وبحساسية الخطاب الشعري أو التكوين الصوري للنص الأدبي، وذلك كله يجعلها محددة سلفا فما الذي يجعلها تنعتق من أسرار ذلك التقيد التأملي لتتجاوز أطرها ووجودها الفلسفي إلى عوال واسع دون ان تصاب بالعجز؟
ذلك التساؤل يشير بوضوح إلى قدرة الحدث المتكامل على صيانة سرده السردي دون تدخل مباشر لشخصية المؤلف فالنص لاكمت يظن البعض من الكتاب.. باعتباره شبكة مجهزة لاصطياد أخطاء الواقع، أو وسيلة لتأشيرها، أو أضح ملابساتها، عبر أسلوبية محددة سلفا من قبل المؤلف.. معتقدا الرقي.. والتكامل لفكرته خاصة في مراحل تكوين النص، وهذا الاعتقاد يصطدم بواقعية التركيب حال خروج النص من كينونته إلى العالم الرحب لمدار التجربة الإبداعية للتنفيذ فالنص المتكامل.. والمتجانس، والمتضمن وحدات الصراع الشمولية.. ينبض بالحياة.. يسافر عبر المكان والزمان.. يتعرض للتهميش.. يتجزأ.. يتألف هنا.. ويبدو غريبا على التجربة هناك.. تتحرك بداخله شبكة من العلاقات والأحداث.. تغيب.. أو تحضر بوضوح تام وفق قدرتنا على الاكتشاف..
يقول بيتر بروك: (إذا أردت للمسرحية ان تكون مسموعة فيجب ان تستحضر صوتها) فصوت المسرحية دفين في بنائها.. انه بكل بساطة يكمن هناك.. في مكان ما.. لكنه فيها.. في سرها.. وفي علنها وإعادة اكتشاف الصراع السري للنص يحتم البحث في دهاليزه المظلمة، وهو مايعني بصورة أخرى.. اكتشاف السرد السري.. التاريخ.. والتعليق.. والأجواء.. وغير ذلك الكثير، فمقومات الافصاح تتضح وفق اكتشاف خارطة الحدث ومقوماته.
لقد أراد برناد شوان يجرب مسرح الأفكار المجردة بأسلوبية مبدعة.. إلا أن تلك التجربة ظلت قيد التأمل.. أما مسرحياته الأخرى والتي تعتمد على خارطة حدث يمكن اكتشافه.. وليست مبنية على فكرة عائمة.. فقد توالت عروضها على خشبات المسارح.
وهكذا أراد ان يجرب (يوجين أونيل) في مسرحيته (فاصل غريب) فلم تحظ باهتمام المسرحيين بقدر ما تناولها الدارسون في عمليات البحث.
إن المسرح وسيلة لاكتشاف الذات، ولتقديم فكرة شمولية.. غير محددة.. تذهب إلى أبعد من إدراك أسرار النص ورموزه لكنها تعتمد عليه.. ان كان نصا متكاملا أم فكرة تتجسد وتتضح أبعادها خلال التجربة الفعلية.. وكلما كان النص ثريا.. كان حاضرا للبحث.. لايتقاطع مع الزمن فيخسر معركته.. وإنما يتكامل معه.. يكون محفزاً حقيقياً لأفكار لا نهاية لها وعلى أساس ذلك فإن اقحام أسلوبية المؤلف المحتارة سلفا تحد من قدرة النص وتكون عقبة حقيقية في بنائه.. وسببا لفشله.. مع العلم ان اللغة هي إحدى وسائل النص للإفصاح.. وهو (أي النص) ركيزة العرض.. وقاعدته.. التي يبني عليها القائمون على التجربة خطابهم الإبداعي.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved