ألا يُلاحظ أنَّ كلَّ هَدْرٍ حاصلٍ في حياة الناس بفعل «الأحداث»؟
فحركة السير، في السفر والحضر، وازدحام صالات الفنادق الكبرى في العالم، وردهات المؤسسات ذات الصلة بالأحداث، ومطابع الصُّحُف والنشرات بل المؤلفات آنيَّة الحدث تلوب في ضغطٍ وهدرٍ وضجيجٍ..؟ والجهود الجسمية والذهنية التي يبذلها المختصُّون بها، والمتعايشون معها، والغارقون فيها، والقريبون منها بل البعيدون؛ إنَّما توحي إلى إجهادٍ عامٍ في الصحة البشرية، ومع كل ذلك فإنَّ الهَدْر لا يقف عند ذلك الذي تُبذل له صحة الإنسان تفكيراً، واضطراباً، وضغوطاً نفسية، وتشتُّتَ مشاعر، وفَقْدَ ثقةٍ.. بل يمتدُّ هذا الهَدْر إلى الخزائن المالية للدول ممَّا يجعل الأسئلة، وليس السؤال، تلوح باستفهامٍ واحدٍ: لماذا؟ ومن أجل ماذا؟ وإلى ماذا؟ وكلُّ «الماذا» هذا يجعل مصداقية الاعتقاد في جدوى هذا الهدْر، وهذا الضجيج لاغية..
إذ إنّ لا إجابة شافية يمكن أن تعيد إلى نفوس البشر الثقة في أنَّ الأحداث سوف تعود بهم إلى استقرار المشاعر، وإعادة ما فُقد في هذا الهَدْر الجامح، الطامح، الذي لا يقف، ولا يتوانى..
إنَّ نظرةً، وإصغاءً إلى الشاشة الكبرى لساحات الأرض، سوف تؤكدان أنَّ اللوحةَ العامةَ تُمعن في الاضطراب، وأنَّ ما يُصغىَ إليه من ضجيجٍ، يتداخل فيه الخيطان الأبيض والأسود، والماءان الملح الأُجاج، والعذب الفُرات، ونسائم الهواء، ولفحات الريح..، وأنَّ الإنسان مع كلِّ هذا الضجيج يفقد..، ويفقد..، ولا يزال الهَدْر..، وسوف يظلُّ..
ونسمع جعجعةً، ولا نرى طحيناً..
فالأحداث العالمية إنَّما هي نذير أسى، وحزن..،
ومفاتيح إلى هوّات الفراغ..، وخواء الإناء..،
ومزيداً من الضِجَّة..، والضَّجيج، وهالات النُّور الأحمر.. العاملة على الهَدْر اللاَّحق بالإنسان، ولكن..
للإنسان أنْ يعلم.. أنَّ الإنسان وحده الذي لا يعلم.
ولسوف يعلم ذات يومٍ.. أنَّه لا يعلم..
|