Wednesday 11th September,200210940العددالاربعاء 4 ,رجب 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

التقرير الاستراتيجي وتداعيات 11 سبتمبر التقرير الاستراتيجي وتداعيات 11 سبتمبر
أحداث 11 سبتمبر جعلت دول الخليج مستهدفة

* القاهرة - مكتب الجزيرة - شريف صالح:
صدر التقرير الاستراتيجي الخليجي للعام 2001 -2002 عن دار الخليج للصحافة والنشر، وشارك فيه عدد من الأساتذة والمحللين السياسيين من بينهم د. حسنين توفيق، د. محمد السعيد ادريس، د. نيفين مسعد «مصر»، د. جلال فقيرة «اليمن»، د. علي العقلي «الامارات»، والتقرير يضم تسعة ملفات مهمة جاءت تحت عنوان «التقرير الاستراتيجي والسنة الصعبة» في اشارة واضحة إلى ما يعيشه العالم بعد أحداث 11 سبتمبر التي ألقت بظلالها على العالم وخاصة على الخليج العربي.
يؤكد التقرير على أننا أمام لحظة مفارقة تفصل بين عالمين، عالم ما قبل 11 سبتمبر وعالم ما بعد 11 سبتمبر، وأن الخليج أصبح منطقة للتوتر المعلن مع الولايات المتحدة حتى قبيل أحداث سبتمبر، فمن مايو إلى أغسطس 2001م وضعت القوات الأمريكية في الخليج في حالة التأهب القصوى «دلتا» وتم سحب الأسطول الخامس من البحرين إلى مكان آمن في عرض مياه الخليج بعد تلقي تهديدات أمنية، كما تم سحب فريق التحقيقات في حادث المدمرة «كول» تجنباً لتهديدات أمنية، وظلت الأجهزة الاستخباراتية تؤكد أن هناك تهديدات عالية المصداقية ومرتبطة بشبكة القاعدة تخطط لتنفيذ أعمال ارهابية ضد المصالح الأمريكية في المنطقة.
وعقب 11 سبتمبر نظرت الولايات المتحدة إلى الخليج كعنصر أساسي من حربها ضد تنظيم القاعدة وحركة طالبان وسعت الإدارة الأمريكية إلى الحصول على اذن من دول مجلس التعاون لاستخدام مرافق عسكرية كجزء من المجهود الحربي، والتعاون في الأمور الاستخباراتية والمعلوماتية، وتحطيم الشبكات المالية لتنظيم القاعدة.
إدانة الحادث
أجمعت دول مجلس التعاون الخليجي على ادانة التفجيرات التي حدثت في نيويورك وواشنطن يوم 11 سبتمبر، لكنها كانت حريصة وعلى لسان جميل الحجيلان الأمين العام السابق لمجلس التعاون الخليجي، على أن تشير إلى ضرورة توخي الولايات المتحدة عدم الاندفاع في توجيه اتهامات لا دليل عليها، الأمر الذي يثير مشاعر العداء والاستفزاز ضد دول وشعوب لا علاقة لها بمثل هذه الأعمال الاجرامية.
الدعوة إلى وجوب التروي - كما يشير التقرير - تعكس مخاوف خليجية مفرطة لتركيز الولايات المتحدة توجيه الاتهامات إلى الأفغان العرب وتنظيم القاعدة.. هذه المخاوف ناتجة - بالطبع - من ادراك صعوبة المواقف التي سيتعين على الدول الخليجية اتخاذها ازاء الحرب على أفغانستان.
إلى جانب التعاطف الكامل مع كارثة تفجيرات نيويورك وواشنطن حرصت دول الخليج على تأكيد أن هذه التفجيرات تمثل في أحد جوانبها انعكاساً للاختلالات التي تتسم بها السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط وبالذات التحيُّز الأمريكي الصارخ ل«إسرائيل» وتجاهل الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني.. وأعربت دول المجلس عن أملها أن تكون معالجة الولايات المتحدة للازمة متوازنة وموضوعية.
جاءت مواقف دول المجلس - عقب أحداث سبتمبر - لتعبر عن تفاعل دقيق بين عاملين: أولهما الصداقة مع الولايات المتحدة التي تفرض التعاطف وما هو أكثر من التعاطف.. وثانيهما: التحفظ على بعض ممارسات السياسة الخارجية الأمريكية.
وكان واضحاً ان دول الخليج تحاول ارضاء الولايات المتحدة، وفي الوقت ذاته تحرص على عدم استدراجها للتورط في تقديم مساندة لوجستية في الأعمال العسكرية المتوقعة في أي لحظة.. في ظل هذه الصعوبات عقد وزراء مجلس التعاون اجتماعاً استثنائياً في جدة يوم 23/9/2001م استمر زهاء ثلاث ساعات أقر فيه الوزراء الموقف الرسمي لدول الخليج الذي نقله الأمير سعود الفيصل وزير خارجية المملكة للإدارة الأمريكية وأبرز ما فيه.
أولاً: ان المملكة وبقية دول الخليج لا يمكن أن تقدم أي مساعدة أو تعاون مع الولايات المتحدة أو غيرها إذا كان هناك استهداف لأي دولة عربية.
ثانياً: ضرورة عدم الاعلان عن أي اتهامات لأشخاص أو جهات قبل التأكد من صحة المعلومات والتحقيقات.
ولوحظ ان البيان الصحفي الذي صدر عن الاجتماع أكد دعم دول الخليج وتعاونها الكامل مع الجهود الدولية الهادفة إلى تحديد مرتكبي الأعمال الارهابية وتقديمهم للعدالة، ولم يشر البيان إلى ما يمكن أن يقدم من دعم للولايات المتحدة في حربها ضد الارهاب.
ويبدو أن الصيغة المبهمة لتقديم المساعدة للولايات المتحدة جاءت لتحاشي الخلافات التي برزت في مواقف الدول أعضاء المجلس، ووضعت ثلاثة شروط كإطار لتنظيم هذه المساعدات هي:
أولاً: ان يكون التحرك ضد الارهاب محدد الأهداف.
ثانياً: ان يحظى بتأييد المجتمع الدولي.
ثالثاً: ألا يستغل للاساءة إلى سمعة العرب والمسلمين.
حرب أفغانستان
يلخص التقرير موقف دول الخليج من حرب أفغانستان التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية بدعوى محاربة الارهاب، في ثلاث نقاط:
أولاً: التشويش والغموض فيما يتعلق بطبيعة المساعدات العسكرية التي قدمتها دول المجلس في الحلف ضد الارهاب فحرصت دول الخليج على التأكيد أن الولايات المتحدة لم تتقدم إليها بطلب تقديم مساعدات أو تسهيلات عسكرية من أي نوع.. وكانت البحرين - الدولة الوحيدة - التي أعلنت استعدادها لارسال قوات للمشاركة في الفعاليات ضد طالبان والقاعدة.. وان كان ضرب أفغانستان بالصواريخ والطائرات من قواعد في دول المجلس هو احتمال غير مؤكد من الناحية اللوجستية نظراً لابتعاد ميدان الحرب عن منطقة الخليج.
ثانياً: منعت دول الخليج مواطنيها الراغبين في الانضمام إلى «الجهاد» من السفر إلى أفغانستان حتى لا تقدم مدداً بشرياً لتنظيم القاعدة.
ثالثاً: الاسهام الخليجي الرئيسي كان معلوماتياً وخاصة فيما يتعلق بتجميد التدفق المالي لتنظيم القاعدة.
من ناحية أخرى نبهت حرب أفغانستان القوة العظمى إلى أهمية تعدد المراكز الاستراتيجية لقوتها في المنطقة، وألا تكون قاصرة على شمال الخليج بل يجب أن تمتد لتشمل جنوب الخليج والقرن الأفريقي، في محاولة لربط الخليج بمناطق جيو استراتيجية أوسع تشمل ثلاثة أقاليم: اقليم أفغانستان وآسيا الوسطى «حيث النفط وطريق الحرير العظيم» واقليم المحيط الهندي في شرق وجنوب أفريقيا واقليم بحر قزوين والقوقاز.. وبالتالي فإن منطقة الخليج بعد 11 سبتمبر لم تعد أهميتها الاستراتيجية قاصرة على المصالح النفطية وإنما لكونها المنطقة المركزية في قلب المثلث الاستراتيجي للعالم الجديد أو بالأدق العالم القديم الذي أُعيد اكتشافه.
انعكاسات الأزمة
وبغض النظر عن مدى مساهمة دول الخليج في حرب أفغانستان ونوع هذه المساهمة، فمن المؤكد أن توابع الأزمة وانعكاساتها مازالت ماثلة بقوة في المشهد السياسي لدول المجلس.. وهذا ما يكشف عنه التقرير بجلاء فالعلاقات بين الدول الخليجية والولايات المتحدة قبل 11 سبتمبر لم تكن ايجابية في عمومها نتيجة الموقف الأمريكي شديد السلبية مما يحدث في فلسطين المحتلة.
فمن توابع أحداث سبتمبر أنها وضعت دول المجلس موضع المستهدف والمحتمل تعرضه للعدوان المباشر من الولايات المتحدة، من ناحية أخرى ازدادت حدة العداء الشعبي الخليجي ضد الولايات المتحدة،، بالاضافة إلى خسائر اقتصادية بسبب انخفاض أسعار النفط وتدهور القيمة السوقية للأسهم الأمريكية التي وصلت إلى 14% خلال أسبوع واحد عقب انفجارات 11 سبتمبر.
ويرى التقرير أن على الدبلوماسية الخليجية أن تتعامل على ثلاثة مستويات:
أولها: المستوى المركزي ودراسة مستقبل الأمن الاقليمي للخليج والدور الأمريكي في هذا الأمن، وخطورة قيام الولايات المتحدة بشن عدوان ضد العراق.
ثانيها: القيام بدور فعَّال في تطوير العلاقات مع باكستان وأفغانستان ومجمل دول حوض بحر قزوين ووسط آسيا.
استشراف المستقبل
ترتبط دول مجلس التعاون بعلاقات أمنية مع الولايات المتحدة وهذه العلاقات غير متكافئة في مجملها، وهذا شأن كافة التحالفات التي ترتبط بها الولايات المتحدة مع الدول الأخرى مثل أوروبا واليابان، وتواجه الولايات المتحدة بصفتها القوة المهيمنة في السياسات الدولية المعاصرة اشكالية كلاسيكية تتمثل في تذمر الدول الأخرى من هذه الهيمنة والتي تصفها بالجور وعدم العدالة، غير أن هذه الدول الأخرى ليس في مقدورها معالجة الأزمات الدولية التي تنشأ بين الحين والآخر.
واجمالاً يتعين على دول الخليج في معالجة تداعيات 11 سبتمبر «وحسبما يشير التقرير» ان تتحسب لمستقبل ما بعد النفط وايجاد مصادر جديدة للدخل القومي، وأن تفكر في مناهج تنمية قومية وان تعمل جاهدة على عدم الانسياق وراء الدعوات الأمريكية الداعية إلى استعداء الجارين الكبيرين: العراق وإيران، إذ ان منطق التحالفات الأمنية الدولية يتميز بالمرونة الشديدة، الأمر الذي يجعل دول المجلس عرضة للحرمان من الحماية العسكرية الدولية «الأمريكية أساساً» في يوم ما، خاصة إذا انخفضت القدرات الانتاجية النفطية لدول المجلس أو نجحت القوى الصناعية المستوردة للنفط في ايجاد مصادر طاقة بديلة، بل قد يكون من المفيد أن تتعاون دول المجلس مع كل من العراق وإيران من أجل مواجهة مرحلة ما بعد النفط بعد عدة عقود من الآن.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved