* القاهرة- مكتب «الجزيرة»- عتمان أنور:
على الرغم من ان اتهام اسامة بن لادن وتنظيم القاعدة بالتفجيرات التي هزت أمريكا كان ملء الاسماع والابصار في العالم كله طوال العام الماضي حتى الآن إلا ان مساحات الرؤى المختلفة مع هذا الاتهام في تزايد مستمر وتحمل أسانيدها المنطقية والعقلانية بعضها يشكك في اتهام ابن لادن واخرى تقلل من قدرته على القيام بمثل هذه الاحداث واخرى تنفي صلته بها غير ان جميع هذه الرؤى تلقي بظلال كثيفة من الشك والغموض حول صحة اتهام أمريكا لابن لادن وتنظيم القاعدة، فعلى الرغم من مرور عام كامل لم تفصح أمريكا عن أي أدلة، وربما اكتفت باعتراف بن لادن والشرائط التي أذيعت له ولبعض اعضاء التنظيم .. هذه الاعترافات التي حملها عدد من المراقبين تفسيرات شتى بعيدة عن جوهر الاتهام الأمر الذي يظل معه التساؤل قائماً.. من فعلها؟! «الجزيرة» التقت بفؤاد السعيد باحث بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية وهو أحد المحللين الذين تابعوا ورصدوا بدقة احداث 11 سبتمبر واعادوا قراءتها في ضوء معطيات ووقائع تم اهمالها في البداية سواء كانت داخل الولايات المتحدة الأمريكية أو خارجها.
والباحث فؤاد السعيد انتهى حالياً من مؤلفه الجديد بعنوان 11 سبتمبر: نهاية العالم «تحت الطبع» يتناول فيه الاحداث من مختلف جوانبها وتحليلها وقد صدر له من قبل محاكمة جارودي.. دراسة تحليلية في خطاب الادعاء الصهيوني والمناخ الثقافي في مصر، وسوسيولوجيا الجريمة في الوطن العربي.
* على الرغم من مرور عام كامل على احداث 11 سبتمبر إلا ان الغموض ما يزال يكتنف الموقف تجاه الفاعل الحقيقي للاحداث .. ما هو تفسيرك لذلك؟.
- في اعقاب صدمة 11سبتمبر 2001م مباشرة كان السؤال الطبيعي وقتها من الفاعل ولكن مع تسارع وهول رد الفعل العسكري الأمريكي وصولاً إلى الحرب في أفغانستان وما تلاها من ترتيبات سياسية غير مسبوقة انهمكت الحكومات في حسابات معقدة لتفادي شظايا ما يسمى بالحرب على الإرهاب وفي خضم ذلك كله توارى السؤال عن الفاعل ليحل محله سؤال آخر بدا اكثر الحاحاً على الاقل من الزاوية العملية وهو ماذا بعد 11 سبتمبر وخلال عام كامل نجح الإعلام الأمريكي «العالمي» في فرض روايته الرسمية التي حصرت المسؤولية في اسامة بن لادن وتنظيم القاعدة على عقل العالم ليس لانها قدمت الادلة الدامغة على صحتها ولكن لان نقاد هذه الرواية الرسمية لم يقدموا حتى الآن رواية بديلة أكثر احتمالاً ومعقولية.
النقطة الاخرى التي اود الاشارة إليها فأنا لست من الذين يميلون إلى أن الولايات المتحدة تطرح قصة وهمية ولكن ربما كان الاقرب إلى الصحة هو ان الرواية الرسمية الأمريكية تذكر جزءاً من الحقيقة دون الحقيقة كاملة فهذه الرواية قد تكون صحيحة نسبياً لأن اسامة بن لادن وتنظيم القاعدة يظل احد المشتبه فيهم الرئيسين وهو نفسه لم ينكر عداءه للولايات المتحدة في اكثر من مناسبة ولكن معظم الخبراء والمحللين في أوروبا على وجه الخصوص اكدوا ان مثل هذه العمليات في 11 سبتمبر 2001م كانت فوق مستوى تنظيم القاعدة الذي يراه بعض هؤلاء الخبراء انه مظلة لمجموعات ارهابية صغيرة وليس تنظيماً بمعنى الكلمة وهؤلاء الخبراء رأوا وايضا ان بن لادن لا يستطيع الانفراد بهذه العملية المعقدة لان افراد القاعدة كانوا تحت المراقبة الدقيقة منذ فترة ليست بالقصيرة بل انه مخترق من بعض الاجهزة الغربية والمحلية ايضا في المنطقة اضافة الى ذلك فالبعض لاحظ ان العملية كانت خارج الخيال المتاح للعقل العربي أو الإسلامي وخارج امكانات مثل هذا التنظيم فالكل ركز على ما حدث في الجو متمسكين بفكرة ان التدريب على قيادة الطائرات قد يمكن الفرد العادي في قياداتها وتوجهها للاصطدام ولكن احداً لم يركز كما ينبغي على ما حدث على الأرض من اختراق للمؤسسات الأمريكية المدنية وفك شفرات اتصالها وشلها واحتمال استخدامها بشكل مضاد.
الفاعل متعدد
* هل يعني هذا ان هناك أكثر من طرف مشارك في هذه الأحداث؟.
- التقديرات الأكثر عقلانية الان ترى انه بفحص قدرات أي جماعات سواء داخل أمريكا أو خارجها يؤكد انه لا وجود لمثل هذه المنظمة التي تستطيع أن تقوم بمثل هذه العملية بمفردها وهي العملية التي افترض خبراء أوروبيين انها احتاجت الى سنة كاملة من الاعداد من خلال اكثر من 100 موقع داخل أمريكا وخارجها، ومن ثم الافتراض الذي يجب ان ننتبه إليه هو البحث عن نظرية الفاعل المتعدد والمتكامل لاحداث 11 سبتمبر وفي قلب هذا هناك توجه إلى العودة إلى نظرية الفاعل الأمريكي الداخلي إذ لاحظ بعض المراقبين ان العملية بدت أمريكية الطابع سواء من جانب دقتها وكفاءة تنفيذها أو من جانب سلاستها وخلوها من الخطأ وهو ما جعل من خططوا لها ونفذوها يبدون كمن يتحركون في بيتهم لا كغريب مرتبك سرعان ما يصطدم بالمفاجآت ويقع في الأخطاء بل ان البعض لاحظ ان العملية انطوت على نوع من الخيال الهوليودي الذي شبه البعض بالسينما الأمريكية.
اغلب الظن ان الرؤية الرسمية الأمريكية تركز على احد الاطراف المفترضة وتقضي النظر عن مشتبه فيهم مهمين آخرين للتغطية على الصدمة المتوقعة في حال الحديث عن عناصر داخلية معارضة وراء الحادث واعتقد ان الوزارة التي انشئت من اجل الامن جاءت لامتصاص الاثر النفسي الكبير الذي احدثته عناصر أمريكية من الداخل والذي يشكل صدمة كبيرة للشعب الأمريكي ويصعب الاعتراف بهذه البساطة.
* هل يعني ذلك وجود معارضة داخلية للحكومة الفيدرالية؟
- وما حدث خلال الشهور التالية للحادث يؤكد وجود مؤشرات على حالة من حالات الرفض والعداء للحكومة الفيدرالية من قبل قطاعات من الشعب الأمريكي شملت التكرار الرمزي للصورة الدرامية لاصطدام الطائرات لبعض المباني الفيدرالية، اطلاق الجمرة الخبيثة والتقديرات الأمريكية تقول ان مطلقيها من الداخل وتوقيتها يعكس انطباعاً بوجود ارتباط أيضا كان هناك الالاف من حالات ارسال الرسائل الكاذبة عن وجود الجمرة الخبيثة من قبل أمريكيين لدرجة أن وزير العدل اشكروفت طالب بشن قانون يعاقب الأمريكيين على البلاغات الكاذبة، هذه البلاغات قد تعبر عن شحنة من الكراهية للحكومة الفيدرالية لدى هؤلاء الافراد لكن الأمر الثاني انها قد تكون تكراراً للمنهج ذاته الذي استخدم يوم 11 سبتمبر لانه يذكرنا انه قبل اصطدام الطائرات تلقت الاجهزة المسؤولة المئات من البلاغات المضللة عن اختطاف الطائرات بحيث عندما يتم اختطاف الطائرات الحقيقية لا تستطيع الأجهزة التمييز ومن هنا يلاحظ تشابه في الاسلوب فالإهمال للدور المحتمل لعناصر داخلية نوع من الخطأ المحتمل أو نوع من التجاهل الواعي المتعمد.
كيف؟!.. الاجابة من التاريخ نفسه لو رجعنا لاكبر حدث من العنف السياسي لاسيما هو تدمير مبنى كبير في أوكلاهما كان 19 ابريل سنة 1995م وهو اكبر حدث لانه حصد 168 قتيلاً واكثر من 500 جريح وقد حدث ان جهات التحقيقات الأمريكية جاءت باعتقال عدد من المسلمين في الولاية واتهمتهم بهذا التفجير لكن عندما ندرس ملف هذا الحدث نجد وقوع جهات التحقيق في خطأ ولكن هو نوع من التجاهل المتعمد للفاعل الداخلي لان أي متابع للعنف داخل أمريكا لابد ان يعرف ان هناك دلالة لتفجير هذا الموقع بالذات فهو يحتوي على ما يسمى مكاتب مورا الفيدرالية التابعة لمكتب التحقيقات الفيدرالي.. التاريخ ايضا له دلالة وهو 19 إبريل هذا اليوم يمثل ذكرى سياسية مهمة للميليشيات المعارضة داخل أمريكا «الذكرى الثانية لتدمير واحدة من الطوائف الأمريكية المعارضة وقتل وحرق 83 من اعضائها وهذا الكلام قاله منفذ التفجيرات ما كفاي وقال انه قام بتفجير المكتب في يوم الذكرى الثانية نفسه الذي احرقت فيه القوات الفيدرالية إحدى الطوائف المعارضة يوم 19 ابريل سنة 1993م.
فهل يعقل ان هذا التاريخ المعلن فات على المحققين الأمريكيين فبالتأكيد وكان هناك تجاهل متعمد لطرف خارجي بعيد عن المجتمع الأمريكي واعتقد انه حدث شيء مشابه في سبتمبر.
وهذا الكلام يتناقض تماماً على ما يتفق عليه خبراء الارهاب من ان عمليات العنف السياسي عادة ما يجري توقيتها وضبطها في تواريخ رمزية مثل ذكرى حدث سياسي بارز.
والمجتمع الأمريكي مملوء بالجماعات العنصرية والانفصالية المعادية للحكومة الفيدرالية ويقدرها بعض الخبراء بأكثر من 500 جماعة، وبعضها لديه ميليشيات مسلحة ومدربة وتتضمن في عضويتها اعداداً معتبرة من الضباط والجنود السابقين في الجيش الأمريكي وهؤلاء مهتمون من قبل الحكومة بتخزين كميات كبيرة من السلاح غير المرخص به، وتكررت الحصارات والصدامات بين الطرفين خلال العشرين عاماً الاخيرة.
كما تحدث بعض الغربيين عن انفراد الثقافة الإسلامية بما يسمونه النزعة الانتحارية، ولكن المجتمع الأمريكي يحتل المركز الأول بين دول العالم في هذا المجال ففي 4/5/2001م أي قبل 11 سبتمبر بشهور قليلة اعلن ديفيد ساتشر مدير الصحة العامة اطلاق الاسبوع الوطني لمنع الانتحار، وظهرت إحصاءات تشير إلى أن هناك 650 ألف محاولة انتحار سنوية في الولايات المتحدة، تنجح منها 30 ألف محاولة «في مقابل 20 ألفاً يترهبون ضحية أعمال قتل».
تحدث بعض الغربيين أيضا عن انفراد الثقافة الإسلامية بالروح الاستشهادية ولكن التقارير تشيرإلى زيادة مذهلة في أعداد الطوائف الدينية الجديدة ACULTS ذات الأفكار الغريبة التي تعادي المجتمع والحكومة الفيدرالية ودخلت معها في صدامات متكررة ايضا وفي تقرير لدراسة اجريت عام 1997م ان هناك عددا يتراوح بين 2 و 5 ملايين عضو في حوالي 5000 طائفة من هذه الطوائف «ولا شك أن هذه الاعداد زادت الآن» وهؤلاء يؤمنون بعقائدهم الغريبة لدرجة استعدادهم للموت في سبيلها.
والخلاصة ان اعمال العنف أو الارهاب المضاد للحكومة الفيدرالية ورموزها تستدعي التحقيق من مسؤولية المليشيات والطوائف الأمريكية عنها أولاً، خاصة إذا كان التاريخ القريب ينطوي على صدامات دموية متكررة بين الطرفين.
* وهل هناك دور لإسرائيل في هذه الأحداث:؟.
- طبعاً لا يوجد ما يؤكد ذلك باستثناء ما قيل عن تغيب عدد من اليهود لكن الأمر المؤكد ان إسرائيل استطاعت بكفاءة عالية ان تستثمر الاحداث لصالحها من خلال تأكيد صور نمطية سلبية عن المسلمين ومن اجل استثمار ما يعرف العقيدة الالفية ذات التأثير الكبير لدى الشعب الأمريكي.
ففي احد الاستطلاعات تبين انه 40% من الأمريكيين يعتقدون اننا الان نعيش في نهاية الأمان وانهم يعيشون في انتظار السيد المسيح ومن شروط ذلك حدوث احداث دموية وكوارث كبرى وقيام دولة إسرائيل، وقد استطاعت إسرائيل استثمار هذه العقيدة الراسخة لتوظيف الأمور لصالح سياستها داخل فلسطين والمنطقة العربية.
|