* لأننا متأكدون من أن نشأة النحو كان بقرار جماعي ولم يكن من اتخاذ قرار فردي قال به زيد أو عمرو.
ونتج عن ذلك العلم الذي تكونت ابجدياته الاولى ومصطلحاته في القرن الاول ثم توالى تشكيل ملامحه علماء القرن الثاني وكثر شراحه مع تعاقب الايام.. حتى امتلأت الارفف والمكتبات بتلك الشروح التي لاتعدو ان تكون بعضها ينطبق عليه مقولة «بعد الجهد فسّر الماء بالماء» وليت الامر يقف عند هذا الحد، بل الادهى والأمر ان نجد ان بعض الشروح بدلا من ان يراعى فيها التسهيل والتبسيط وتقريب القاعدة للاذهان نجد ان تلك الشروح يلفها كثير من الصعوبة والغموض والالغاز مما نتج عنه تلك الكراهية لدى بعض الاجيال التي اصابها الذعر حين قرأت في «شرح ابن عقيل» ان زيداً يضرب عمرو ولم تعرف بعد ما جناية عمرو حتى يقوم زيد بضربه ومن العجب ان عمرو لم يمت من ذلك الضرب المبرح الذي امتد على اكثر من الف صفحة من كتاب «شرح ابن عقيل» فإذا اراد النحوي ضرب امثله ما.. لتسهيل قاعدته اتى بزيد ليذيق عمرو ما شاء من الضرب والعذاب.. ويظل زيد يضرب عمرو حتى تفهم الاجيال تلك القاعدة.
وبدلا من وقوف الاجيال على ابجديات النحو العربي نجد انها قد ضاعت بين اسهاب النحاة وتعليلاتهم وافتراضاتم في الجزئيات والفروع واختلاف المدارس النحوية وتضارب آراء الكسائي مع سيبويه بل ان الاجيال تصورت من تلك الشروحات المسهبة في التعديلات والجزئيات ان النحو علم شاق وصعب لا احد يستطيع ان يفقه فيه شيئا ولم تعد تعرف الفاعل من المفعول، تخلط بين المنصوبات بل ان البعض لا تستطيع ان تفرق بين الاسم والفعل والحرف واذا قامت بالتعرف على ملامح الفعل بعد جهد فانها لا تعرف ان كان ماضيا ام مضارعا ام امرا.
وقضية ضعف الاجيال في النحو لم تعد غائبة عن اذهان الاكاديميين فقد اشبعت تلك القضية بالدراسات والابحاث والحلول المقترحة الا انها تبقى حبيسة الادراج والأرفف وما تزال حبراً على ورق، مليئة بالتنظيرات وتفتقر الى «التطبيق».
ولا عجب ان كانت الاجيال ضعيفة في هذا العلم الذي راحت تكتفي بحفظ القاعدة وتهمل الامثلة والشواهد والتطبيق، اضف الى ذلك جمود بعض مدرسي اللغة العربية وافتقارهم الآلية الصحيحة لتوصيل المعلومات الى اذهان الناشئة، وهذا مما ادى الى تفشي ظاهرة «الدروس الخصوصية» في «القواعد العربية».
والنحو كما يقول احدهم يكتسب بالممارسة والقراءة المكثفة للقرآن الكريم ودواوين شعر العصر الجاهلي والنظر المتكرر في ابداعات الجاحظ والتوحيدي ومقامات بديع الزمان والحريري.. مع الاستفادة قدر الامكان من المدرسة النحوية الحديثة التي تطالب بشرح القاعدة وفق مفاهيم وآليات العصر كمدرسة الاستاذ عباس حسن صاحب كتاب «النحو الوافي» ومصطفى أمين وعلي الجارم.
لقد كان النحو علماً ممتعاً ذو ابجديات واضحة يفقهه العربي والاعجمي على حد سواء فإذا هو قد اضحى في عصرنا كابوساً تفر منه الاجيال وربما ترتجف من صعوبته الابدان.. كيف لا والنحو عندهم «ضرب زيدٌ عمرو».
|