Wednesday 11th September,200210940العددالاربعاء 4 ,رجب 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

بين بدوييْن..! بين بدوييْن..!
إبراهيم عبدالرحمن التركي

«1»
** كما في أدبياتنا «أن زامرَ الحيِّ لا يطرب»، فإن في أدبياتهم «أن العشبَ على الضِّفةِ الأخرى أكثرُ إخضراراً دائماً..».
** هكذا «نحن».. وهكذا «هم» فلا وجعَ خاصاً هنا ولا عافيةَ مكتملةً هناك، ولا معنى إذن لجلدِ «الذات» ما ظلت «الحكاية» مؤطرةً في سياق «أمثال» تَرسم ولا تجزم، وتدلُّ وربما تُضل، ففي أحيائنا «زمارٌ» يتجاوزون «التطريب» إلى «أقدامٍ تدقُّ» وقلوبٍ «ترِقُّ»، و«رؤوس» تتمايل..!
«2»
** يقف المثلُ في «الإطار» الدلالي معبِّراً لا مقرراً، فيتفقُ مع «الممارسات» السائدة ويفترق، ويبقى «الحكمُ» إذناً بسلوكٍ» غالب «قد ينأى عنه نجمٌ «ثاقب»..!
** لا مُشاحةَ في المصطلح «أو المفهوم» فالأهمُّ هو «الموقف» الذي نتخذه في تقدير رموزٍ عربية استثنائية نبخل عليها بدمعةٍ واحدة، وربما وصفنا رحيلهم «الأخير» بأنه لا يؤسف..!
** حتى بعد الموت لا نستطيعُ تجاوز اختلافاتنا، أو القفزَ فوق «أوجاعنا» لأن فينا من هُمْ أُحاديُّو «الرؤية والتوجه..» نُصنّم» من نشاء، و«نشتم» من نشاء، ونعطي لنفسنا الحق في «التصنيف» و «المحاكمة»..!
«3»
** جاء «مارسيل كوربر شوك»، ليُسجّل باحتفاءٍ «تاريخَ» «وإبداعاتِ» «شليويح العطاوي» و «مطلق الجربا» و «دبيس العلوي» و «رضا الطارف» و «الدندان» و «ابن بتلا» في تجوالٍ «بحثي» مختلف داخل «أعماق» الجزيرة العربية..
** جاء الباحثُ والسفير «الهولنديُّ» موثقاً حياة البدوي «المتواري» في خيمته، المرتحل فوق «ناقته» أو حطامِ سيارته ، «السارح» بشويهاته وأباعره، لم تعقه لغة أو لهجة، أو «حَرٌّ» أو «قِرٌّ»، أو غربةُ دارٍ، أو «جفاءُ تعاملٍ» أو «غلظةُ طباعٍ» أو «خشونةٌ» في الحركة والمبات..!
** وخرج كتاب «البدويّ الأخير» مختلفاً، مملوءاً بالإنصاف وإن لم يخلُ من «هناتٍ» أو عثرات.
** هكذا وقف «المستشرقُ» جهده وسعيه ليقرأ في صفحات «الفيافي»، وليُعرِّفَ «الغريب» بما لم يحفل به «القريب» من سيرة مبدعي «عتيبة» و «وشمَّر» و «الدواسر» ، وليحدّثَنا عن «الدَّخول» و «حَوْمل» التي طالما ترددت في «محفوظاتنا» دون أن نعبأَ أو تعبأ مناهجُنا بإيقافنا قريباً من علاقة «الشاعر» «بالمكان»، وارتباط «الزمان» «بالإنسان».
«4»
** في فترة صدور كتاب «البدويّ الأخير» مترجماً توفي عملاقُ الفلسفة العربية «الحديثة» عبدالرحمن بدوي 1917 2002م»، الذي قال عنه «طه حسين «1889 1973» في 29 أيار عام 1944 بعد مناقشة رسالته للدكتوراه:
* لأول مرة نشاهد فليسوفاً مصريّاً..
** ألّف وحقّق وترجم أكثر من «مئةٍ وخمسين كتاباً، وأتقن «عشرَ لغاتٍ»، ودرَّس في أعرق جامعات «أوروبا»، وبحث في أهمِّ «مكتباتها»، ورفض ترشيح زملائه إياه من أجل جائزة «نوبل»، ورفض جوائز أخرى من بلاده، ولم يُعرفْ بعضُ ذلك من مثله..!
** هذا العملاق، يُرمى «بحجرٍ» بعد وفاته لأنه «ماديٌّ» يسعى خلف المال، ولأنه «حادٌّ» ينتقص من حق «عظماء»، ولأنه «مختلف» ينطلق من «مقدماتٍ» لم يألفوها ويصل إلى «نتائج» لم يعوها.
** وإذا جاز الإقرار بمثل هذه «النقائص» فهل يأذن ذلك لنا بإهالة «التراب» على أحد رموز الفكر العربي والعالمي «الذين خلّفوا إرثاً» يحتاج إلى تحليل واستقراء..؟!
«5»
** ليكن «بدوي» ماديّاً.. أفلا يتأملون في أنفسهم، وما يكتبونه في الصحف مثلاً مما لا يتجاوز «شخبطات» أو «معاريض» أو «دعايات» يطالبون بمقابلها، ويتذمرون من ضآلتها، ويلاحقون مسؤولي التحرير لزيادتها..؟ أمَّا «مؤلفاتهم» فعَدّوا عنها إذ هي «للتسويق» داخل الدوائر الرسمية «من بند دعم المؤلف»..!
** وليكن «بدوي» حادَّاً.. أفليسوا هم من ألغى الآخر ووصفه بأردى السمات، وربما أخرجه من الانتماء «للأمة» أو «للقمة»..؟!
** ثم أليس منهم من لم يكتفِ بذلك، بل حارب الآخرَ في رزقه، وضايقه في موقعه، وتجنَّى عليه في «حياته» وحاكمه حتى بعد «مماته»..؟!
** وليكن «بدوي» قد تجاوز في فكره.. فلِمَ لَمْ نجادلْه «بالحسنى» يوم أن كان «صوتُه» ممتزجاً «بصيته» فما هو «بنكرةٍ» عرَّفه «الموت»، وما هو «بمسطّحٍ» يبتسره «صوت»، وليس فينا من لم يَرد أو يُرد عليه إلا «رسول الله صلى الله عليه وسلم».
«6»
* لقد عرّى «بدوي» رحمه الله كثيراً من «المظاهر» الثقافية «والمثقفين» المظهريين، وتحدث في «سيرة حياته» بجزءيها عن «المتنفِّجين» ممن يدّعون ولا يبدعون.. وفضح بعضاً من حائزي الشهادات «العليا» من الجامعات العالمية العريقة، ومن حسن حظ «شانِئيه» أنه لم يطّلعْ على بحوث تخرجهم في شهادات الصيف، و«الكيف» و «الانتساب»..!
** ويظل فكر «عبدالرحمن بدوي» بعدما غيَّبه الثرى مشاعاً لنقاشٍ علمي هادئ موضوعي لمن أتقن أدوات البحث، وتمكن من «التخصص» وأجاد «اللغات» العربية والأجنبية وأهمُّها في حال عميد الفلسفة الحديثة اللغة «الفرنسية» التي كتب بها كثيراً من بحوثه ومحاضراته وتآليفه، ليبقى «الحقُّ» في الخاتمة أحقَّ أن يُتَّبع..!
«7»
** لنختلفْ مع من شئنا بشروط «الاختلاف»، ولنخالفْ من شئنا بمنطق «الخلاف»، فلا معصومَ عن الخطأ ولا منزهاً عن «المثالب» في بني البشر، ولبدوي كما لنا - «غفر الله للجميع» أخطاءٌ قد تصل لدرجة «الخطايا»..!
** أما المفارقة فهي أن يحتفي سوانا بما نجهله أو نتجاهله، ليبقى دورنا «احتفالياً» بمن تنطبق عليه شروط «الشلة»، أو يقدم فروض «الطاعة» أو يُطمع منه «بمنفعة»، أو يبرز شهادة حسن سيرة وسلوك ممن يرتضونهم «محكِّمين»..! ونسُوا.. أو ربما تناسَوْا أن الفكرَ فضاءٌ لا يأذن لمذهبِ الحَجْر، وعقول الحَجَر..!
** التميُّز لا يلغيه التحيُّز..!

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved