دعوة دمج الأندية دعوة قديمة، تظهر حيناً وتختفي أحياناً، وهي كفكرة قد تكون جيدة إذا حصلنا على ما ننادي به من أجل الدمج وهو ظهور ناد قوي في جميع ألعابه يضم بين جنباته الخيرة أو النخبة من شباب المدينة أو البلدة التي يوجد فيها ننافس به شباب المدن الأخرى. وقد يأخذنا الخيال إلى أبعد من المنافسة بين المدن فنرى أن نادياً واحداً «فقط» يخدم مدينة كبيرة عجزت مدارسها ومعاهدها - على كثرتها - عن استيعاب الأعداد الكبيرة من أبنائها، ولكن هذا النادي استطاع ضم هؤلاء والسير بهم في دروب الرياضة وفيه قتلوا أوقات فراغهم بالمفيد، واستفادت أبدانهم وعقولهم وفخرت بهم مدينتهم..... إلى آخر طريق الأحلام.... كم هي جميلة أحلام اليقظة ولكنها تتبخر مع الواقع الذي يتجه غالباً إلى غير ما نحلم به.
الدمج دعوة العاجزين
نعم، هو دعوة العاجزين عن تغيير الواقع إلى الأحسن، فلما ندمج فريقين في مدينة واحدة هل يصبحان فريقاً قوياً، ولنأخذ مثلاً مدينة الدمام وفريقيها الاتفاق والنهضة فلو فرضنا أنه تم دمجهما فحتماً سيطمس النهضة كناد من الوجود ولن يستفيد الاتفاق من شباب النهضة وبذا نخسر الناديين ويظهر لنا ناد آخر سيعاني طويلاً وقد يصبح قوياً وهذا احتمال ضعيف لأن تاريخ الأندية المدموجة يقول غير ذلك.
أيضاً ما الفائدة من دمج ناديين متقاربي المستوى كنادي مدينة بريدة «الرائد والتعاون» وها هما يتنافسان الآن على استقطاب المواهب وصقلها وتقديم نتائج أفضل والفخر بذلك وبدمجهما حتماً سنقضي على هذا التنافس وسيظهر لنا فريق ضعيف تتنازعه الخلافات على الشعار والاسم واللاعبين وسيفتر حماس مشجعيه حتى ينصرفوا عنه وبالتالي ينحدر مستوى الكرة في بريدة.
ماذا تستفيد مدينة حائل من دمج نادي الطائي والجبلين، فسيهبط مستوى الطائي ولن يتقدم الجبلين، و«بالخلطة السرية» سيظهر ناد قد يبقى في الدرجة الأولى ولكن المؤكد أن الضعف سيعتريه مع مرور الأيام وينضم لأشقائه في بقعاء وموقق وجبه.
أيضاً: ناديا مدينة عنيزة «النجمة والعربي» أحدهما في الدرجة الممتازة والآخر في الدرجة الثانية، وبدمجهما هل سيحصل النجمة على بطولة كبيرة أم يتطور العربي أم يحدث لهما ما حدث لأندية دمجت سابقاً ومازالت تعاني من الضعف.
نادي الشباب تم دمج عدة أندية فيه أبرزها النجمة ولكنه لم يستفد من ذلك وهرب مشجعوه ومشجعو النجمة إلى أندية أخرى وساءت نتائجه بعد ذلك سنين طويلة لدرجة أنه هبط إلى الدرجة الأولى ولم يقم من عثرته إلا بعد أكثر من عشرين عاماً عندما مثله جيل جديد لا يعرف حكاية الدمج لأنه لم يولد بعد، ولكن الشباب مازال يعاني من ابتعاد جماهيره - على الرغم من بطولاته الحديثة - فجماهيره يعدون على الأصابع.
ألا تعجبون من ناد عريق له بطولات «حديثاً» بدون جماهير، السر في ذلك هو الدمج، وهذا ما لا نتمناه لأندية مدن الدمام وحائل، بريدة، عنيزة، الخرج، وغيرها من مدننا الحبيبة.
ألا تتعجبون من الأندية التي طالها الدمج أصبحت بدون مشجعين، وكلنا يعلم أن الجمهور هو الذي يحفز اللاعبين على الفوز ويوقد فيهم جذوة الحماس، فبالاضافة إلى ناديي الشباب والنهضة هناك القادسية النادي الذي ظهر نتيجة دمج ناديي الشعلة والوحدة، ومع أن هذا النادي يملك ميزة لا تتوفر في الشباب والنهضة وهي تفرده بمدينة الخبر إلا أنه يفتقد الجماهير حتى وإن ادعى مسؤولوه غير ذلك لأن الدمج اغتال التنافس بين ناديي المدينة الواحدة «الشعلة والوحدة» وبالتالي بقي دون مشجعين.
عدة أندية تم دمجها بمدينة القطيف فأين رياضة هذه المنطقة العزيزة،والطائف أيضاً تعرضت أنديتها للدمج فظهر فيها ناديان ضعيفان، وهربت مواهبها إلى مكة المكرمة وجدة.
التاريخ يقول لنا ان دمج الأندية - في الغالب - لا يولد إلا الضعف، ونحن لسنا بحاجة إلى ضعف أكثر خاصة بعد أن تعرت كرة قدمنا في المونديال الأخير.
بدلاً من الدمج لم لا نبث الحياة في شرايين التنافس بين أندية المدينة الواحدة كناديي عكاظ ووج بالطائف، ومرخ وطويق بالزلفي، وبقية مدننا كالخرج والجوف والقطيف وجازان وغيرها من أنديتنا «النائمة» التي أصبح أغلب مسؤوليها يتثآبون ويرددون سؤالهم التقليدي السنوي «متى الإعانة؟» فالتنافس هو أحد الطرق السريعة للتطور.
الشطب هو الحل
إن قلة الموارد المالية ومعاناة أنديتنا هي عذر أغلب دعاة الدمج، ويرون تقليل عدد الأندية بالدمج ليتسنى صرف الموارد المالية «الشحيحة» لعدد أندية أقل. وإن كان ولا بد من الأخذ بفكرة «شح الموارد» فهناك دعوة أخرى تغني عن الدمج ألا وهي «الشطب» أي الغاء الأندية غير المنتجة رياضياً وحلها وشطبها من خارطة الرياضة السعودية وهي أندية كثيرة - وهذه الدعوة حساسة ويجب أن تدرس جيداً فإن كانت ايجابياتها أكثر من سلبياتها فيجب أن تقر.
ففي بلادنا «153» نادياً لا نسمع عن أغلبها، وتقتصر النشاطات الرياضية على أندية الدرجتين الممتازة والأولى «24 نادياً» وعدد بسيط من أندية الدرجتين الثانية والثالثة، ولو افترضنا أن هذا العدد هو «30» نادياً فيبقى لدينا ما يقارب المئة ناد ليس لها أي نشاط رياضي، وأغلبها يجب شطبه لأنه لا دور لها، ولا يجب الصرف عليها فهي مسميات فقط «الأمثلة كثيرة واقدحوا الذاكرة لتعرفوها» ولكن متى يحق لنا شطبها وهذا سؤال اجابته صعبة ولكن أسهل الأمور هو الاطلاع على سجل يوضح ماذا قدم النادي لمدينته أو منطقته خلال خمس سنوات - مثلاً - وماذا استفاد شباب البلدة منه، والنادي الذي لا سجل لديه يجب شطبه.
ويلاحظ أن أغلب «الأندية النائمة» توجد في بلدات صغيرة هاجر شبابها إلى المدن طلباً للعلم أو العمل، وبقي النادي اسما ومبنى واعانة «فقط لا تمارس فيه إلا أنشطة الإداريين «بلوت وقليل من لعبة التنس» وهذه الأندية هي التي يجب شطبها وتوجيه إعاناتها إلى أندية أخرى ذات مردود رياضي.
أيضاً من «أندية البيات الرياضي» من يكون مقره في بلدة فيها مركز للتنمية الاجتماعية فلماذا لا تضم هذه الأندية إلى هذه المراكز وتصبح وزارة العمل والشؤون الاجتماعية مسؤولة عنها «هناك أندية بهذه الصفة».
قد يظهر أحد الإخوان منتقداً «الشطب» ومطالباً بإيقاظ الأندية النائمة، وهذه فكرة بديلة حسنة، دعونا نسير باتجاه ضوئها، فلو فرضنا أن رعاية الشباب أصدرت قراراً مفاده أنه سيتم بعد ثلاث سنوات شطب أي نادٍ لا تتم الاستفادة منه في بلدته ولم يقدم نتائج في ألعابه على مستوى مجموعته، فبربكم كيف سيكون صدى هذا القرار على الأندية النائمة «الدرجة الثالثة» حتماً ستعتري مسؤوليه فورة حماس ونشاط من خلالها سيحاولون اثبات وجود ناديهم وسيعملون على تطوير الألعاب والمواهب مما يبعدهم عن شبح الحل والشطب، فلماذا إذاً لا تعمل الرئاسة العامة لرعاية الشباب «وهي المسؤولية الأولى» على إيقاظ هذه الأندية من سباتها وتفعيل دورها الرياضي والاجتماعي ومطالبتها بالنتائج، فيجب على الرئاسة ألا تترك هؤلاء في تثآبهم انتظاراً للإعانة فقط فلا بد من التدخل وبسرعة.
الدعم ثم الدعم
دعوة الدمج هي فكرة هدفها مادي أي صرف الاعانات على أندية أقل مما يساعد على تطورها، ولكن الكل يعلم أن الرياضة في كل أنحاء العالم لا تتطور بالجهود الذاتية فقط ولن تتطور دون دعم مادي، فلا بد من صرف الأموال التي هي الوقود الذي لا تسير المركبة بدونه، وأتمنى أن نبتعد عن الفكرتين السلبيتين «الدمج والشطب» فالمطلوب عدد أندية أكثر، فلا تبخلوا بالأموال في سبيل نهوض شباب وأندية الوطن، ولا تفكروا بتقليل الاعانات، ويجب على الرئاسة أن تطرق كل السبل في سبيل ذلك خاصة أن ما يصرف حالياً على الأندية قليل جداً إذا ما قورن بأشياء أخرى.
غيض من فيض
* عندما قل الدعم هبط مستوى الرياضة لدينا.
* تراجع ترتيب منتخبنا عالمياً، كما تراجع تصنيف مستوى مسابقاتنا خاصة الدوري.
* اشطبوا أندية الريف لأنها في «مناطق الطرد» وادعموا أندية المدن لأنها في «مناطق الجذب».
* كثيرة هي الأندية التي بلا نشاط فلا تظهر اسماؤها إلا عند نشر قائمة الاعانات.
* لماذا لا تنشأ أندية جديدة في المدن الكبرى، فلا يكفي مدينة الرياض أربعة أندية فقط ولا يكفي مدينة جدة ثلاثة أندية أحدها مصاب بالهزال والكساح.
* أعيدوا قراءة المقابلات التي يتحفنا بها أسبوعياً الأستاذ خالد الدوس لتروا كيف هي حسرة لاعبي نجمة الرياض على ناديهم الذي أعدم بطريقة الدمج، وكيف هرب مشجعو الشباب والنجمة إلى أندية أخرى بنفس الطريقة.
* إذا دمج ناديان أو أكثر فلن تطولوا بلح الشام أو عنب اليمن، وها هو نادي النهضة بالدمام شاهد اثبات «النهضة نتاج دمج أكثر من ثلاثة أندية».
* وأخيراً الدعم ثم الدعم..... إلى ما لا نهاية فهو الحل الوحيد.
|