مثلما ان العالم العربي دخل مرحلة جديدة بعد نكسة 67م، ولم تتغير شفرته، ولا أسلوب الدخول على مواقعه، فإن أمريكا دخلت مرحلة أجدّ، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وتغيرت كل الطرق إليها. بل أكاد أجزم ان العالم بأسره ينقاد راغباً أو راهباً الى حياة خائفة مخيفة، حياة طلسمية، يحتاج معها الى تعامل مغاير، وستكون لهذه الحياة حساباتها العسيرة، وتصوراتها الأعسر، وطبعي توقع ما حصل، فكل دولة تشرعن لنفسها حق التدخل في شؤون الغير، تكون معرضة لمثل ما تعرضت له امريكا، وهذه الأحداث جعلتها في شغل غير فاكه، لرسم المسار وأخذ الحذار، وما من مشهد سياسي إلا هو في تحرف جاد، لتجاوز الظروف العصيبة، وتجهيز خطاب جديد، قد لا يكون الأفضل، ولكنه الحاصل الذي لا مناص منه، ولا ينكر حتمية التغيير الجذري إلا من ليست لديه القدرة على متابعة الاحداث الموجعة والذين يظنون امريكا كما هي بالأمس، يصدمهم تصرفها التحفظي الاحترازي التعسفي، ومن ثم فلن يتمكنوا من معايشتها بأساليبهم القديمة، ولن يكونوا على معرفة تامة بمتطلبات حاضرها المضطرب، وواجب المرتبطين معها بصداقات أو أحلاف أو مصالح قديمة أو حديثة ان يعيدوا النظر في صياغة خطابهم، ورسم أسلوب تعاملهم، وعلى الطلبة والمهاجرين والمستثمرين في امريكا تقبل شكلها وارتيابها واحتمال مضايقتها ومجازفتها، فلم تعد امريكا اليوم تثق بذاتها، فضلاً عن ان تثق بأصدقائها، فأمريكا اليوم غيرها بالأمس، وأحداث الحادي عشر من سبتمبر قلبت الموازين، وغيرت المفاهيم، وأعادت ترتيب الأصدقاء والأعداء، وتحديد مواصفات كل منها، والخطورة في الأمر ان تصرفها جاء اعتباطياً ومرتجلاً وفورياً، كما لو كانت دولة نامية، لقد نبذت وراء ظهرها مسلمات ومواضعات، وتحولت الى دولة أفراد، وإدارة «بيروقراطية» معقدة، بعد أن كانت دولة مؤسسات، مشرعة الأبواب، مرنة الإجراءات، انسيابية الحركة، مغرية وجذابة، يألفها القريب، ويحن إليها البعيد.
وإذا كان العالم العربي لم يستفد من نكسة 67م لوجود معوقات ذاتية وغيرية فإن أمريكا لم تستفد من أحداث سبتمبر على الرغم من غياب المعوقات.
بل أكاد أجزم انها باهتياجها وتخبطها أضافت نتائج عكسية، وخدمت خصومها الذين لم تعرفهم بعد، وهم أقرب اليها من حبل الوريد، لقد حققت لهم بهذا التخبط أكثر مما يتطلعون اليه، كان تطلعهم لعزلها، وضرب اقتصادها، والتشكيك بمصداقيتها، إعادة رسم خريطتها التوسعية، وقمع هيمنتها، والحد من غطرستها، والتطلع الى تفكيكها كما «الدب الروسي»، وها هم الأصدقاء يتسللون من عباءتها، وها هي الأموال تتسرب من بنوكها، وها هي «اللاءات» والتساؤلات يطلقها أقرب الناس اليها، عبر الشكوى والتذمر من اعتراضها ورفضها وانسحابها من كثير من الأحلاف والاتفاقات، من مثل «اتفاق كيوتو» و«اتفاق ريو» و«حظر الصواريخ» و«حظر الألغام» و«المحكمة الجنائية» و«اختلاف المواقف والمكاييل» وها هي تقول ما لا تفعل، وتفعل ما لا تقول، تنال من الإسلام ثم تمجده، تصهل ثم تموء، وتُقدم ثم تحجم، وتمدح وتهجو في آن، وتعد وتتوعد، وها هي ظاهرة الصقور والحمائم، ولا شك ان الكارثة المذهلة التي تعرضت لها فوق التصور والاحتمال، وهي بهذه الفداحة تتطلب بصراً وبصيرة، وحكمة وأناة، وطول نفس، وتحرّياً وتخطيطاً، وتهدئة للشارع العام، ذلك انها لم تفاجأ بحرب معلنة، ولم تواجه جيوشاً جرارة زاحفة على أراضيها، بحيث تهب لايقاف الزحف، إنها تواجه عملا خفيا يدب في اوصالها، كما حمى «المتنبي»، وعليها ألا تخادع نفسها، فعمليات التفجير التي تعرضت لها، لا يقوم بها فرد، ولا يخطط لها مقاتلون يمتطون الجياد، ويسكنون الكهوف والمغارات، ويرتدون أسمال الثياب، إنه عمل محكم، وضربة معلم، لا يجوّد صنعه إلا المهرة المتمكنون من الآلة والمعرفة، إلا اذا كان حلقة في سلسلة اللعب، كما يشأ الراجمون بالغيب، والناس في قراءاتهم المتنافرة لهذا الحدث «أسطروا» الفعل والفاعلين والأبراج، فمن يا ترى جعل الأبراج جذاذاً، أهو كبير القوم أم مشرد يقال له «ابن لادن»؟ لقد فوت المتنبؤون على المتابعين فرصة التقصي ولملمة أطراف الحدث، والإمساك بالخيط من أوله، وإذ غمّ الأمر ونكس القوم على رؤسهم فليس من مصلحة امريكا ان تبادر في تسمية المتهمين، وخلق الأبطال من لا شيء ، وليس من مصلحتها مباشرة الرد، وليس من مصلحتها ان تضيّق فسحة الاحتمالات، بحيث يكون الأمر عندها محصوراً في اللونين: «الأبيض» و«الأسود» والناس عندها إما: أعداء أو أصدقاء، ليس إلا. ودولة القطب الواحد يجب ان تمارس مهمات «كبير الأسرة»، بحيث لا تسبق يدها الى المغانم، دون المغارم، والزعامة لها مواصفاتها ومتطلباتها، «وكبير القوم» لا يحمل الحقد ولا الضغينة ولا الأثرة، والظلم مرتعه وخيم.
لقد رجتها الأحداث رجا، وبست آراءهاً بسّاً وارتكبت حماقات بحجم التفجيرات التي تعرضت لها، وفوتت على نفسها سياسة الاحتواء بالحروب الوقائية والاستباقية وغسل العار ومواجهة محور الشر، وكان بإمكانها ان تمتص الانفعال، وان ترتد الى الداخل ، لتسأل نفسها: لماذا غزيت في عقر دارها، وهي حامية الحمى؟ ولماذا يكرهها الناس بهذا القدر، ويكيدون لها بهذا الحجم، ولماذا ينتحر المستاؤون منها بطوعهم واختيارهم في سبيل تعريض مصالحها للدمار وسمعتها للعار؟ وعليها قبل هذا وبعده ان تسأل نفسها عمن اسهمت في صناعتهم، وعلمتهم الكر والفر والرماية، وقضت منهم وبهم أوطاراً متعددة، أليس هذا كله بمباركتها ودعمها؟ لقد تنكرت، وأنكرت، وأحالت الخطيئة على المتأذين من الإرهاب، وعلى المطالبين بتخليها عن الارهابيين يوم كانت تأوي الى جبل يعصمها من الماء، وحين ادركها الغرق آمنت بخطرهم، ولو أنها قرأت الرسائل في زمن الرخاء، وفكت الشفرات واستبانت الرشد قبل ضحى الغد، لتوقت الضربة القاضية والعار الأبدي، ان الذين حاربوا الاتحاد السوفييتي من الأفغان او من العرب هم من الضالعين معها، واللاعبين البارعين في تنفيذ لعبها، او المتفقين معها في الأهداف والمصالح، المختلفين في المقاصد والنوايا، وكم من مجاهد قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، حقق لها من المصالح ما لم يحقق أيسره لمهمته، والسؤال التوبيخي الاستنكاري: لماذا جهلت هؤلاء وأولئك؟ ولماذا انكرتهم، وتنكرت للتعبئة الروحية والمادية التي زادت عن حاجتها، فارتدت عليها؟ ولماذا غيّرت أسماءهم؟ لقد كانوا بالأمس مجاهدين شرفاء، وهم اليوم ارهابيون سفاحون، ولماذا أحالت المواجهة الى مناهج الدراسة في الدول الإسلامية وحصرته في الجنس العربي؟ وهي تعلم علم اليقين ان «يديها او كتافوها نفخ» ولماذا فوتت على نفسها فرصة التفكيك السلمي للبنية الجهادية التي احكمت تركيبها، ولم تحسن تقويضها؟ تاركة المقاتلين في العراء، يأكل القوي منهم الضعيف، حتى إذا لم يجدوا ما يأكلونه امتدت أيديهم اليها، كما النار تأكل بعضها ان لم تجد ما تأكله، لقد كان بإمكانها بعد سقوط الاتحاد السوفييتي سد الفراغ بالدعم والمشورة، وزرع الثقة، وتحويل الأفغان من مجتمع حرب وعصابات وقبلية الى مجتمع سلمي منتج، وتجفيف مستنقعات الفتن، وردم بؤر التوتر.
سؤال مشروع وحضاري وممكن، إذا أردنا قطع دابر الفتنة وإعادة الأمور الى طبيعتها. إن حدثاً كهذا يتطلب استنفار علماء السياسة والنفس والاجتماع والدين والقانون لدراسة الواقع الذي خلفته «اللعب الكونية»، ووضع الحلول. غير انها استبدت بالأمر والنهي والإقدام والإحجام، وهمشت الشركاء، وتنكرت للأصدقاء، ومن ثم فوتت على نفسها مكاسب كثيرة، خسرت معه تعاطف العالم، ونسيت أو تناست ان سياسة «اللعب الكونية» لا يمكن أن تقف حيث يريد الصانع، لقد كانت وراء حركات ثورية، ومع تنظيمات اسلامية، وفي أتون حروب دامية: حدودية وطائفية وعرقية، تؤيد وتدعم، ولا تحسم، فكل حرب تُرمُّها على فساد. صنعت أشياء كثيرة، وغيّرت خرائط متعددة، وأعادت تركيبات سكانية، ضربت الطوائف ببعضها، وأشعلت حروباً مجانية، وأمدت مقاومات متعددة، واعطت الضوء الأخضر لأصدقائها وحلفائها للدعم والتشكيل الذهني، تعضد وتخذل، وحين تحقق ما تريد، تحمل الغنائم، وتدع المغارم، تاركة مخلفات اللعب وشراسة اللاعبين وراء ظهرها، ظناً منها أن جميع اللاعبين واعين للأهداف، أو أنهم غير قادرين على اللحاق بها. لقد قاتل المقاتلون لوجه الحق، ولم يعرفوا من وراء ذلك، ولكن خروجها من اللعب بهذه الطريقة المكشوفة، ملأ القلوب حقداً وضغينة.
وأمريكا قبل أن تصحو من ذهول الصدمة، اشتغلت بالنتائج، ونظرت الى حجم الأضرار الحسية والمعنوية، ولم تنظر الى الأسباب. وحاولت أن تخلط الأوراق، لتشغل الناس بفعلها عن فعل خصومها، لقد فضلت غسل العار أولاً، ثم حرب الاستباق والوقائية ثانياً، ثم تشكيل محاور الشر ثالثاً، ولن تزيدها هذه الخطوات إلا ارتكاساً في حمأة الفتن، ولسنا بما نالها أو بما تفعل شامتين، ولكننا محذرون ناصحون، فنحن أصدقاء وحُلفاء، ومن مصلحتنا ألا نؤتى من قبلها، كما نود لهذا العالم أن يستقبل «ألفيته الثالثة» بالوفاق والسلام، فأوضاع العالم لا تتطلب المزيد من الفتن والحروب، وأمريكا بتصديها للإرهاب، وبتخطيها لمؤسسات هيئة الأمم المتحدة، تخلق إرهابا من نوع آخر، وتشرعن لردود فعل ادهى وأمرّ، ونصرها الحسي والمعنوي قد يتحقق لو ان الحرب نظامية، والأطراف يمارسون الدفاع عن أنفسهم بذات السلاح، وبذات التخطيط، وبذات المواجهة، أما وقد كانت المواجهة بين قوة مرعبة وأشباح مخيفين مختفين، فإن الدك سيكون للجبال الشاهقة، وبطون الأودية السحيقة، ومنابت الشجر، وكلما هدأت الراجمات والقاذفات نسل الأشباح يمسحون عن عيونهم غبار الأتربة المتصاعدة من المفازات المخيفة، يطلبون الموت كما تطلب أمريكا الحياة، وسيجدون من يبارك خطواتهم، ويسهل تنقلاتهم، فكل متضرر يقول: «عليّ وعلى أعدائي».
ومع أن الحدث الموجع الذي تعرضت له أمريكا ليست خسارته مادية وحسب، وإنما هو صدمة نفسية وخسارة معنوية، هزت المصداقية والثقة والقدرة معاً فإن المبادرة في المواجهة ليست من مكيدة الحرب الحاذقة، ودولة بحجم أمريكا وبإمكانياتها تتعرض لأسوء كارثة إرهابية، تطال مرفقين هامين كأهمية حدقة العين:
المرفق العسكري.
والمرفق الاقتصادي.
ليس مستبعداً أن يجن جنونها، إنها كما يقول أحد الساسة الغربيين: أسد جريح من الخير ألا تواجهه. والأشد نكاية، والأمر مذاقاً، أن الاطراف المتهمين والمطلوبين ما يزالون خارج السيطرة الأمريكية، إنهم أشباح يتراءون لها في الكهوف والمغارات. وكأنها معهم أعداء «ابن عم محمد» الذي يقول عنه الشاعر:
وعلى عدوك يا بن عم محمد رصدان ضوءُ الصبح والإظلامُ فإذا تنبه رعته وإذا غفا سلّت عليه سيوفك الأحلامُ |
فهي خائفة منهم في اليقظة وفي النوم، لأنهم يأتونها من حيث لا تحتسب، وعمليتا التفجير والاغتيال للرئيس الأفغاني قبل أيام رسائل مخيفة. وجر قدمها الى افغانستان ليس ببعيد عن جر قدم الاتحاد السوفييتي الذي تداعى تحت ضربات التأمر والجهاد، وإذا كان «الروس» قد وقعوا في المصيدة نتيجة مغامرة غير مسبوقة في الزمن المعاش، فإن أمريكا تسلك ذات الطريق متعثرة بأشلاء من سبقها، وكان الأجدر بها أن تتمتع بالنتائج المذهلة التي حققها المجاهدون، لا أن تنزلق كالاتحاد السوفييتي، الذي يتربص بها الدوائر، وقد يصنع جهاداً إسلامياً ومقاومة وطنية تعيد الى أمريكا الصاع صاعين. والقول بأنها وجدت المبرر لتحقيق تطلعات كانت تحلم بها، وهو الوجود العسكري في أفغانستان، ثم في العراق للخنق والعزل والسيطرة والاستغلال قول مجازف، ولا أحسب الفرضيات تحملها على مواجهة العالم بأسره، فالأفغان الذين دحورا الاتحاد السوفييتي سيجدون من يدعمهم لدحر أمريكا، والوجود العسكري الأمريكي في أي موقع لن يريح الأطراف الأخرى: عربياً وإسلامياً وعالمياً، وليس من مصلحة أمريكا التي تدعي حماية العدالة والمساواة والحرية والديموقراطية أن تركن الى الحكومات متجاهلة الشعوب والعقائد والأعراف، ولا أن تفرض وجودها بالسلاح الفتاك، فالقوة أشبه بعصا المربي من الافضل ان يكون معلقا على الجدار، بحيث يراه الآخرون ، ولا يكون كعصا الراعي الذي يهش به على غنمه، لأن ذلك يشعر الآخرين بأنهم قطيع مسلوب الإرادة، وكم هو الفرق بين «عصا المربي» و«عصا الراعي»، لقد أرادت امريكا بمباشرة التأديب ان تكون راعية قطعان، وهو ما لا يمكن قبوله، ولا احتماله، ولا تحقيقه، وسيكون الثمن باهظاً عليها، وعلى حلفائها، ومحرجاً لأصدقائها، ومخلاً بأمنها واستقرارها واقتصادها. فالحرب لا تستقيم معها الحياة السوية، وقديماً قيل: «وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم».
لقد واجهت الأمة العربية أحداث حزيران بألم ومرارة، وعاشت عقابيلها بحالة نفسية متردية، وكانت امريكا مهندسة الحرب، وصانعة النصر، وجانية الغنائم، لقد ارتمى العالم العربي في احضانها، وعاد اليها بحالة استسلامية، أدت الى الاعتراف والتطبيع. وكان عليها وعلى الغرب كافة ان يحسنوا التصرف، وان يبعثوا الثقة، وان يتيحوا للمغلوب فرصة لصناعة إنسانه، وإحياء مواته، واستغلال طاقاته، لإنعاش البلاد، وتوفير فرص العمل والعيش الكريم، ومن ثم توفير الخامات وتهيئة الأسواق لصناعات الغرب وشركاته متعددة الجنسيات، فحالة الفقر والاضطراب تشكل عبئاً على المتسلط، وامريكا التي تمر بضربة موجعة، تصرفت مع احداثها وكأنها دولة نامية، فلم تقدّر ولم تفكر، وإنما نظرت الى من حولها، ثم عبست، وبسرت، ثم اقبلت لتأخذ المقيم بالظاعن، والبرئ بالمتهم، ولا أشك أنها ستخسر الجولة، فالعالم لا يرضى الظلم، ولا يقبل الأثرة:
ولا يقيم على ضيم يراد به إلا الأذلان عيرُ الحيّ والوتدُ |
والضعيف المعدم قد لا يجد قدرة على المواجهة، ولكنه سيعمل على تفويت الفرص، وإضاعة المكتسبات. لقد أمعن الغرب في التدخلات غير المشروعة في خصوصيات دول العالم الثالث، أخذ منها ولم يعطها، وحولها الى مسرح لعب سياسية، تجرعت مرارتها، وها هو شرقنا المشتعل يخرج من مكيدة الى أخرى، ومن حرب الى حرب، ومن مؤامرة الى مؤامرة، و«لو ترك القطا لنام» وها هي دول الغرب التي لم يتدخل احد بشؤونها تنام ملء جفونها، إن اضطرابات العالم الثالث صنعتها الأصابع الخفية التي تبحث عن بؤر التوتر، لتبقي على مصالحها.
وأمريكا بفعلها عسكرياً وإعلامياً واقتصادياً تقترب كثيراً من اهتياجات العالم الثالث أمام أحداثه التي يصنعها بنفسه، ويتجرع مرارتها بسوء تصرفه، وعلينا إزاء المتغير الجذري في السياسة السلمية والحربية والاقتصادية والأمنية التي تمارسها الإدارة الامريكية ان نعيد النظر في رؤيتنا، وفي مواقفنا، وفي أسلوب تعاملنا، وان نعرف قدر أنفسنا، وان نتحرك وفق إمكاناتنا، نعايش أمريكا اليوم بكل صلفها واهتياجها وارتيابها وتشتت رؤاها بين ثالوثها الغريب: «الإعلام، والإدارة، والشعب» بطريقة مغايرة تماماً تفوت عليها الفرصة، وتهدئ من روعها وتمكنها من مراجعة الدروس القاسية. وإذا كان الإعلام الأمريكي الموجه بفعل التآمر الصهيوني قد هيج الشارع الامريكي، ومنح الإدارة الأمريكية مشروعية التصرف العسكري فإن المآلات ستكون لصالح المهدئين المبتعدين عن طريق الاهتياج المدمر، ومن الخير للأمة العربية والإسلامية الهدوء والسكينة حتى تعي أمريكا نفسها، وتعرف انها تلعب وحدها، وحتى يتأكد لها، ان هناك فرقاً واضحاً بين لعبة تصنعها، وينفذها غيرها، ولعبة تصنعها، وتمارسها بنفسها، وعلينا ان نرقب بحذر شديد صراع الصقور والحمائم، فالمواجهة باهظة التكاليف، لقد حانت لحظة الدفع بالتي هي أحسن، ليكون الذي بيننا وبينه عداوة كأنه ولي حميم، فلنكن من ذوي الحظوظ العظيمة، ولنكن من الصابرين المصابرين، والعاقبة للمتقين.
|