* بقلم : باتريك مارتن
استعرضت هذه السلسلة الدليل على أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية كان قد توفر لديها قدر كبير من المعلومات المسبقة حول هجمات 11 سبتمبر من التفاصيل المحددة الخاصة بالطرق والأهداف المحتملة إلى هويات عدد من خاطفي الطائرات بما فيهم المخطط الرئيسي المزعوم محمد عطا. هنالك موضوعات مقلقة أخرى ما يزال يكتنفها الغموض، من نحو الفشل في الدفع بمضادات جوية في الوقت المناسب لاعتراض أي من الطائرات المدنية المختطفة.
مع ذلك فمن وجهة نظر سياسية يتوفر دليل - يرجح على ما سواه - يقول بأن قصة 11 سبتمبر ما تزال تحتاج إلى إعادة رواية: رفض إدارة بوش والكونغرس إجراء أي تحقيق حول الهجمات الإرهابية واستجابة الحكومة لهما. بعد أكثر من أربعة شهور على أكبر قتل جماعي في واقعة منفردة في الأرض الأمريكية، لم تكن هنالك أية جلسة استماع في الكونغرس، أو الاعلان عن لجنة تحقيق، وقوبلت الدعوات لمثل هذه اللجنة بتجاهل كبير. كما أن تحقيقات داخلية لمكتب التحقيقات الفيدرالي تم وضعها جانبا على الأرفف. تعتبر حالة اللافعل هذه غريبة للغاية ولا تجدلها أي تفسير سياسي منطقي.
كان رد الفعل الأولي للكونغرس على أحداث 11 سبتمبر التحرك نحو تشكيل لجنة مستقلة بأعضاء يتم تعيينهم بواسطة قيادة الكونغرس والبيت الأبيض لمراجعة الأحداث التي قادت إلى الهجوم، بما فيه الفشل الواضح لوكالات الاستخبارات الأمريكية في استقراء أو منع عمليات الاختطاف الانتحارية. ضمّنت لجنة الاستخبارات بالمجلس اقتراحا من هذا القبيل في مسودتها الخاصة بمشروع قانون تخصيص الأموال للعمليات الاستخباراتية الأمريكية. عندئذ تدخل البيت الأبيض. في 6 اكتوبراقترع مجلس النواب بالموافقة على ميزانية الاستخبارات بزيادة ضخمة في الإنفاق في حين تراجع عن دعم الدعوات للتحقيق في حالة عدم الاستعداد والجاهزية التي تكشفت في 11 سبتمبر. تحرك زعيم الجمهوريين في الكونغرس لتقييد سلطات اللجنة وطرح تعديل لتجريد اللجنة من سلطة الاستدعاء والحق في منح حصانة للشهود وتحويل تركيزها إلى النظر في العوائق الهيكلية المتعلقة بجمع وتحليل المعلومات الاستخباراتية. وبمفردات أخرى عوضا عن تحقيق في فشل وكالة الاستخبارات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي في الحيلولة دون 11 سبتمبر، غدا تفويض اللجنة يقتصر على تقديم مقترحات لسلطات جديدة واسعة بالنسبة لوكالات التجسس.
كان أعضاء الكونغرس من الجمهوريين ينقلون بوضوح رغبات إدارة بوش. أحجم الديمقراطيون عن الدفع باتجاه إجراء تصويت حول المسألة متيحين بذلك الفرصة لإجازة خطة الجمهوريين بتصويت شفاهي. كتبت نيويورك تايمز تقول: «الشهية ضعيفة في واشنطن الآن لإجراء عملية (تشريح) في فشل الحكومة في اكتشاف وإحباط المؤامرة».
لاحقاً بعد اسبوعين أعلن كل من السيناتور الجمهوري جون ماكين والسيناتورالديمقراطي جوزيف ليبرمان في برنامج تلفزيوني اسمه «واجه الصحافة» أنهما أيدا إقامة لجنة مستقلة للتحقيق في هجوم 11 سبتمبر. واستشهد ليبرمان ضمن أمثلة أخرى بسابقة اللجنة الخاصة التي حققت في حالة عدم الاستعداد والجاهزية عقب بيرل هاربور. قال العضو الديمقراطي إنه كان يتوقع تأييد إدارة بوش لمثل ذلك الاقتراح لكن في 21 نوفمبر قال العضو الديمقراطي الذي يرأس لجنة الاستخبارات بالمجلس ورصيفه الجمهوري وروبرت غراهام من فلوريدا وريتشارد شيلبي من ألباما بأنهم سيقفون ضد أي تحقيق حول الفشل في التكهن والحيلولة دون وقوع هجمات مركز التجارة العالمي والبنتاغون حتى وقت ما من عام 2002. كما وافق قادة المجلس أيضا على التريث حتى العام الجديد.
قال غراهام إنه لن يكون مناسبا إجراء مثل هذا التحقيق في أثناء الحرب في أفغانستان ووصف شيلبي اجراء تحقيق بكونه انحرافا. قال كلا السيناتورين بأنهما كانا على اتصال مع البيت الأبيض الذي اتفق مع قرارهما بإرجاء أي جلسات استماع.
خلال نفس الفترة تحرك مكتب التحقيقات الفيدرالي لوقف أية تحقيقات جنائية جادة حول عمليات الاختطاف الانتحارية. قالت نيويورك تايمز في 8 اكتوبر: «أمرت وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي عملاءهما على امتداد الولايات المتحدة بوقف تحقيقاتهم حول هجمات 11 سبتمبر حتى يستطيعوا متابعة ارشاديات قد تؤدي لمنع سلسلة أخرى من الهجمات، ربما تكون وشيكة، حسب قول مسؤولين كبار في اجهزة تطبيق القانون». بعد وقت قصير على ذلك قرر إثنان من كبار مسؤولي مكتب التحقيقات الفيدرالي التقاعد. أعلن نيل جي غالاغر انه سيترك منصبه كرئيس لشعبة الأمن الوطني وأبلغ توماس جي بيكارد مسؤول التحقيقات اليومية حول هجمات 11 سبتمبر الوكالة في 31 اكتوبر أنه سيتخلى أيضا عن العمل وغدا كلا التقاعدين أمرا واقعا اعتبارا من 30 نوفمبر. كان بيكارد قد تولى تحقيقات سابقة تتعلق بالارهاب لدى مكتب التحقيقات الفيدرالي وكان ما يزال في الخمسين من عمره، يعتبر رحيله المفاجىء في ظل ظروف حرب من ثم الأمر الأكثر غرابة في ظروف أخرى. كان يمكن للصحافة استنكار هذا الأمر باعتباره يعادل الفرار من الخدمة أو بالعكس الثناء على طرده باعتباره مثالا على تنظيف مكتب التحقيقات الفيدرالي لبيته بعد فشل مأساوي بدلا عن ذلك فان تقاعد الرجل المسؤول بشكل رئيسي عن التحقيق في 11 سبتمبر لم يثر انتباه الاعلام تقريبا.
سابقة بيرل هاربور
جرى تقديم تبريرات مختلفة لرفض اجراء أي تحقيق حول 11 سبتمبر استنادا على أن مثل هذا التحقيق لن يكون مناسبا في زمن الحرب أو أنه قد يتحول إلى استعراض حزبي في تبادل توجيه أصابع الاتهام وعلى نحو ما أوضحت تجربة إدارة كلينتون، لا تكاد توجد رغبة في واشنطن الآن للدخول في تقديم أكباش فداء واستغلال التحقيقات في معارك سياسية. في وسع المرء أن يتخيل فقط ما كان يمكن أن يحدث من رد فعل للجمهوريين في الكونغرس لو أن 11 سبتمبر وقعت في عام 2000 بدلا عن عام2001 غير أنه وكما رصد محرر الزاوية بصحيفة نيويورك تايمز آر.دبليو. أبيل في 14 ديسمبر «إلى الآن وبصورة تدعو للدهشة فان قليلين داخل الحكومة وخارجها يرغبون في اتهام الوكالات بالفشل في مهمتها. كما لم تكن هنالك أية جوقة من المنشدين ترتفع أصواتها مطالبة برأس جورج جي. تينيت. مدير الاستخبارات المركزية».
تدحض سابقة بيرل هاربور بشكل تام الحجة القائلة بأن الحرب تعوق اجراء تحقيق كبير ففي خلال شهر واحد من الهجوم قام روزفلت بتعيين لجنة برئاسة قاضي المحكمة العليا اوين روبرتس للتحقيق في سلوك ضباط الجيش في بيرل هاربور.
قامت اللجنة بتلقي شهادات واصدار نتائجها وتوجيه توبيخ حاد لأرفع قائدين عسكريين في بيرل هاربور منهية بذلك خدمتهم العسكرية دون إلحاق أدنى ضرر بجهود الحرب الأمريكية. إذا كان من الممكن قيام الولايات المتحدة باجراء تحقيق أثناء انخراطها في حشد عسكري غير مسبوق ضد عدوين كبيرين اليابان الإمبراطورية وألمانيا النازية فلماذا يصبح ذلك غير ممكن اليوم عندما يكون العدو المفترض عصبة صغيرة من الإرهابيين المقيمين في أفقر بلدان العالم؟
قام البيت الأبيض والمدافعون عنه باستغلال سابقة الحرب العالمية الثانية أيما استغلال لتبرير اصدار بوش لأمر تنفيذي يقضي بتقديم الإرهابيين المزعومين إلى محاكم عسكرية سرية استشهادا بالحالة التي صدق فيها روزفلت بمحكمة عسكرية للنظر في قضية ثمانية أسرى ألمان اتهموا بالتخريب. غير أن هؤلاء يتجاهلون الاقتداء بالحرب العالمية الثانية عندما يتعلق الأمر بتحقيق حول ما يفترض أنه «هجوم خاطف» في 11 سبتمبر (مع ذلك قد تكون محكمة روزفلت العسكرية غير موحية بشكل يلفت الانتباه حيث إن أمر روزفلت بسريتها لا يعود لسبب ضرورة عسكرية في زمن الحرب وإنما بسبب أن مسؤولين استخباراتيين وعسكريين كبارا واجهوا حرجا سياسيا. قام اثنان من المخربين الثمانية بتسليم أنفسهما للسلطات بعد وصولهما للولايات المتحدة غير أن مكتب التحقيقات الفيدرالي رفض بداية تصديق روايتهما واصفا اتصالهما الهاتفي الأول بكونه «اتصالا ملتويا».
أراد مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي جي. ادغار هوفر إخفاء هذا الإهمال. في حين أرادت وزارة الحرب تجنب إثارة مسألة السهولة التي رسا بها المتهمون الثمانية في فلوريدا ولونغ آيلاند بواسطة غواصة ألمانية -وهي حقيقة كانت واضحة لدى القيادة العليا للنازية غير أنها كانت مجهولة لدى الرأي العام الأمريكي).
ضغط جديد من أجل تحقيق
في 20 ديسمبر وبعد شهرين من تعليقاتهما الأولى كشف ماكين وليبرمان عن تشريع لإقامة لجنة من الحزبين تضم 14 عضوا للتحقيق على غرار لجنة وارين أو تحقيق بيرل هاربور. سيتم اختيار أربعة أعضاء بواسطة بوش وعشرة آخرين بواسطة قادة الكونغرس من الحزبين. اقترح ماكين كلا من السيناتورين السابقين غاري هارتو وارين رودمان ليتوليا رئاسة اللجنة بالمشاركة، باعتبار أنهما توليا سابقا رئاسة لجنة تكهنت في عام 1999 بأن هجوما ارهابيا في المستقبل سيؤدي «لاحتمال مقتل أمريكيين داخل الأراضي الأمريكية، ربما بأعداد كبيرة». قال ماكين إنه وليبرمان قد خرجا للعلن بخطتهما بسبب وجود مقاومة داخل جميع هذه الوكالات لتحقيق مستقل وموضحا لضرورة اجراء تحقيق مشترك يضم كلا الجهازين التنفيذي والتشريعي. قال ماكين «لا أحد سواء الادارة أو الكونغرس يستطيع منفردا اجراء تحقيق شامل وموضوعي ومستقل في ما حدث في 11 سبتمبر».
قدمت آن ووماك المتحدثة باسم البيت الأبيض إجابة مراوغة مرددة تبرير إدارة بوش لعدم القيام بعمل وقالت نحن نتطلع إلى مراجعة ما حدث وأضافت: في الوقت الحالي ينصب اهتمام الرئيس في الحرب ضد الارهاب. قالت صحيفة نيويورك تايمز في معرض تناولها للدعوات الجديدة إلى تحقيق مستقل «بالنسبة للديمقراطيين، قال أحد كبار المساعدين في الكونغرس إن رد الفعل المرتبك للحكومة على الانثراكس الذي جرى إرساله في خطابات للسيناتور توم داشل الديمقراطي عن داكوتا الجنوبية والسيناتور باتريك جي.ليهي، الديمقراطي عن فيرمونت قد سبب صدمة داخل المجلس وحث على مزيد من الاهتمام بتحقيق شامل للحكومة بما يتضمن غياب خطط واضحة لها لمحاربة الارهاب البيولوجي». نستطيع فك طلاسم هذه اللغة الملتوية في ضوء ما نعرفه عن هجمات الانثراكس ذات الصلة بأبواغ شديدة الفعالية تم الحصول عليها من برنامج عسكري سري للجيش الأمريكي خاص بالجراثيم.
كانت هجمات الانثراكس محاولة لتدمير القيادة الديمقراطية بالكونغرس. يدرك بعض الديمقراطيين؛ يحتمل أن يكون من بينهم ماكين أيضا، أن المقصود بها دفعهم لتقديم اجابات سريعة تتسم بالتردد والحذر ويكون من الحمق وضع أية ثقة في مبادرات فاترة تعوزها الحماسة كهذه. يُظهر تاريخ ردود فعل الحزب الديمقراطي على تحرشات الدولة والهجمات ضد الحقوق الديمقراطية منحنى ظل ينحدر نحو الأسفل بشكل ثابت طيلة ربع القرن الأخير: من الفضائح المحدودة في ووتر غيت ولجنة الكنيسة إلى جرائم وكالة الاستخبارات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي في 1973-1976 إلى الفشل في اختراق محاولات إدارة ريغان لإعاقة التصديق على مشروع قانون حول قضية إيران-كونترا في 1978 إلى التذلل في مواجهة حملة الجناح اليميني لتهديد استقرار إدارة كلينتون والتي بلغت ذروتها في إقامة اتهام ضده.
الإثارة والحرب
تمثل المعلومات التي جرى إيجازها في هذه السلسلة مجرد حقائق أتيحت للعامة في الولايات المتحدة والإعلام العالمي. لم يكن لدى العامة وسائل للوصول إلى معطيات غزيرة وضخمة تقوم على عمليات الاعتراض الإلكتروني، المراقبة السرية، ومصادر أخرى من نحو ما كان متاحا لكامل جهاز الاستخبارات الأمريكي خلال الفترة التي قادت إلى 11 سبتمبر. لكن هذه المجموعة المختارة المحدودة تكفي للتدليل على زيف مزاعم الولايات المتحدة بأن مركز التجارة العالمي تعرض لهجوم مفاجىء كان لا يمكن التنبؤ به.
لدى فحص أية جريمة يتعين أن يكون السؤال الرئيسي «من المستفيد؟» المستفيدون الرئيسيون من تدمير مركز التجارة العالمي هم في الولايات المتحدة: إدارة بوش، البنتاغون، وكالة الاستخبارات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي، صناعة السلاح، صناعة النفط. من المنطقي التساؤل ما إن كان أولئك الذين انتفعوا لحد كبير من هذه المأساة قد ساهموا في إحداثها. أولئك الذين يعتقدون أن تنفيذ حكومة الولايات المتحدة لمثل هذا العمل أمر لا يمكن تصوره يستحسن نصحهم بالتعلم من التاريخ.
في كل حرب تقريبا منذ بزوغ الولايات المتحدة كقوة عالمية في القرن الماضي وضعت الطبقة الحاكمة يدها على أحداث وفظائع من نوع شبيه بهدف قهر التردد الغريزي عند المواطنين الأمريكيين من أن يصبحوا طرفا في صراعات عبر البحار بالخارج. في بعض الحالات جرى اختلاق سبب الحرب بالكامل مثلما كان الأمر في حادث خليج تونكين في عام 1964 الذي ساق إلى إجازة قرار من الكونغرس بالسماح بتدخل أمريكي واسع في فيتنام. أو قد تكون الذريعة حادثا عرضيا - الانفجارالذي دمر السفينة الحربية «مين» في ميناء هافانا في عام 1898 والذي هيأ المسرح للحرب الاسبانية-الأمريكية. لكن في معظم الحالات فان الحدث الذي يقع عليه الاختيار لإشعال الحرب كان يخضع لقدر من المعالجة الماهرة خلف الكواليس بواسطة حكومة الولايات المتحدة. كان غرق لوسيتانيا في عام 1915 نتيجة حتمية لقرار إدارة ويلسون بالسماح لسفن الركاب بنقل شحنات أسلحة للجانب البريطاني - الفرنسي في الحرب العالمية الأولى. عندما أصابت غواصة ألمانية السفينة بطوربيد مسببة خسارة 1200 من الأرواح فان ثورة الغضب العام الناتجة أعانت فى توفير وقود لدخول الولايات المتحدة في الحرب. بنفس القدر كانت بيرل هاربور متوقعة من قبل إدارة روزفلت -إن لم يكن الزمان والمكان المحددين، فبالتأكيد احتمال هجوم وقائي ياباني- بمجرد قطع الولايات المتحدة كل شحنات النفط وخردة المعادن عن اليابان في صيف 1941.
الغزو العراقي للكويت
تتمثل إحدى حالات المعالجة غير الماهرة في الغزو العراقي للكويت في أغسطس1990 والذي كان سببا في نشر واسع -ودائم فيما يبدو- للقوات والطائرات العسكرية الأمريكية في الخليج. على امتداد الثمانينيات كان صدام حسين حليفا في الواقع للولايات المتحدة يتلقى معلومات استخباراتية أمريكية وشحنات أسلحة بموافقة أمريكية لمعاونة حربه ضد إيران كان الهدف الأمريكي يتمثل في منع بغداد من الهيمنة على الخليج العربي.
انخرط صدام حسين في تصريحات تدوي كصليل السيوف يصف فيها الكويت بالإقليم العراقي التاسع عشر المفقود والذي سرق من البلاد بواسطة الامبريالية البريطانية. كان رد الفعل الأمريكي على هذا الصراع يتسم بالتحفظ. في لقائها (المشهور الآن) مع صدام حسين في الشهر السابق للغزو العراقي أعلنت سفيرة الولايات المتحدة ابريل غلاسبي أن نزاع العراق مع الكويت مسألة تخص الدولتين وعليهما تذليله بأنفسهما، دون دور للولايات المتحدة. في نفس الوقت وبأوامر من كولن باول رئيس هيئة الأركان المشتركة حينها قام الجنرال نورمان شوارزكوف بإعداد خطط لتدخل عسكري أمريكي واسع في الخليج العربي موجه ضد العراق، كانت خطط الحرب قد اكتملت في يوليو 1990 قبل أيام من اجتماع غلاسبي- حسين.
توجد أسباب وافرة للاعتقاد بأن الولايات المتحدة قد شجعت تكتيكيا هجوما عراقيا كيما توفر لنفسها ذريعة لسحق القدرة العسكرية العراقية وتحقيق هدف سياسة خارجية أمريكية طال الاشتياق له، إقامة وضع عسكري أمريكي مهيمن في الخليج الغني بالنفط. بنفس الطريقة استغلت إدارة بوش كارثة مركز التجارة العالمي كذريعة لنشر قوات عسكرية أمريكية في آسيا الوسطى وحوض قزوين وهي منطقة احتياطيات نفطية كبيرة لم يتم استغلالها بعد ويتوقع أن تصبح خليج القرن الحادي والعشرين. نقل عن مسؤولين أمريكيين بعد الغزو العراقي للكويت قولهم إنهم لم يعتقدوا أن صدام حسين سيقوم بالاستيلاء على كل دولة الكويت. بمفردات أخرى، هم شجعوا شهيته متوقعين فقط صراعا حدوديا سيؤدي للجوء إلى الولايات المتحدة كوسيط وبالتالي تقوية دورها في منطقة الخليج.
ربما تضمنت هجمات 11 سبتمبر على حسابات خاطئة شبيهة، كانت تبعاتها دمارا أوسع مما جرى توقعه. ليس من الممكن تحديد، تأسيسا على الحقائق المتوفرة الآن، المستوى الدقيق للمعرفة المسبقة التي امتلكتها الحكومة الأمريكية حول كارثة مركز التجارة العالمي. غير أن المسألة تستدعي أقصى تحقيق شامل ممكن. إن التفسيرات البديلة - بأن مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الاستخبارات المركزية كانتا مذنبتين بالفشل المذهل الذي يرقى لمستوى الاهمال الجنائي- لا يضع حكومة الولايات المتحدة في موضع أفضل. لقد تمت مطالبة الشعب الأمريكي بوضع ثقته العمياء في حملة عسكرية غير محددة ومفتوحة الأجل من قبل الحكومة التي إما سمحت ب، أو ثبت عجزها في منع، مجزرة أودت بحياة آلاف من مواطنيها.
* المصدر: www.wsws.org |