* القاهرة -مكتب الجزيرة - عثمان أنور - إنصاف زكي - علي البلهاسي - طارق محيي:
عقلية القتال والحرب والانتقام هي العقلية السائدة للولايات المتحدة الأمريكية حالياً منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر فقد تخلت أمريكا تماماً عن الأساليب الدبلوماسية والعديد من الوسائل والطرق التي يمكنها استخدامها مثل الحصار وتضييق الخناق وحتى مطاردة الهدف في حدوده المرسومة ولجأت إلى المخاطرة والحرب خارج حدودها ولاذت بعقلية القتل والتدمير التي لم تفارقها كثيرا طوال تاريخها العسكري وذلك حسب رؤية الخبراء العسكريين والاستراتيجيين.
اكتفى المشير محمد عبدالغني الجمسي بالإشارة إلى ان الإدارة الأمريكية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر أكدت على ان العقلية الأمريكية أصبحت هدفها الأول القتل، قتل الخصوم والانتقام منهم وهذه العقلية أصبحت هي السائدة في التصرفات الأمريكية كما انها بالمناسبة ليست جديدة ففي الحرب العالمية الثانية لم تتورع أمريكا من استخدام القنبلة الذرية رغم انه لم يكن هناك داع لاستخدامها ولكن تم القاؤها بدافع القتل ومن أجل تدمير الخصوم تماماً فقد كانت موازين القوى القائمة حينذاك تنذر بانهيار عسكري لليابان التي كانت قد بدأت في مفاوضات مع أمريكا حول شروط الاستسلام والانسحاب من المناطق التي كانت تقع تحت سيطرتها ورغم ذلك سارعت أمريكا بإلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما ونجازاكي، وفرضت أمريكا بذلك على العالم كله سباق تسلح رهيب، كما تكشف العقلية الانتقامية لأمريكا أحداث فيتنام أيضا فاللجوء للقتل المفرط هي سياسة أمريكا وإسرائيل دوما ففي حرب أمريكا مع أفغانستان وجدنا استخدام أحدث تكنولوجيا السلاح والقنابل وماتوصلت إليه أمريكا من أحدث أنظمة صاروخية كل هذا في أرض صحراوية وبهاجس القضاء على الإرهاب الذي يمكن القضاء عليه بطرق وأساليب أخرى فقد كان بمقدور أمريكا ان تمارس سياسة أخرى مثل توقيف الحرب ومراقبة حدود افغانستان مع جيرانها لمحاصرة نشاط وتحركات القاعدة لكن العقلية الأمريكية كانت تريد القتل وتنفذ ضربات قاتلة لإرضاء الغرور الأمريكي وإرضاء عقليتها القائمة على القتل فالموروث العسكري الأمريكي هكذا دائماً قائم على أعمال القتل المفرط مثلها في ذلك مثل إسرائيل ولذا يرى المشير محمد عبدالغني الجمسي ضرورة اتجاه أمريكا لاستخدام أساليب أخرى لأن الحرب العسكرية هي آخر ما يتم اللجوء إليه.
الدفاع الوقائي
ويرى اللواء عبدالرحمن الهواري الخبير الاستراتيجي ان تداعيات أحداث سبتمبر أثرت على الخطط الاستراتيجية للقوى العالمية وأولها أمريكا التي أعلنت خطة الدفاع الوقائي أو الدرع الصاروخي الذي جاء ليؤكد على انفراد الولايات المتحدة كقوة عظمى وحيدة في العالم واستمرارها في قمة الهرم وتأكيداً على انفرادها باتخاذ القرارات الدولية بعيداً عن الأمم المتحدة وفي الوقت نفسه استغلال الأمم المتحدة لتكون إحدى آلياتها المنفذة للاستراتيجية الأمريكية، هذا بجانب التأكيد على استراتيجية استمرار قيادة أمريكا للتحالف المسمى بالحرب ضد الإرهاب من أجل الاستمرار في تنفيذ سياستها الرامية لمواجهة الدول المعارضة لاستراتيجياتها والتي أطلقت عليها واشنطن مسمى الدول المارقة مثل العراق وإيران وليبيا.
ويقول اللواء الهواري ان استراتيجية أمريكا المسماة بالدرع الصاروخي لم تأت كإفراز طبيعي لأحداث سبتمبر، بل كانت تخطط له الولايات المتحدة الأمريكية من قبل ذلك بعدة سنوات.. وقد ترك هذا المشروع الدفاعي ردود فعل على المستوى الدولي خاصة لدى الاتحاد الأوروبي وبعض دول حلف شمال الاطلنطي وروسيا التي أعلنت عن تجميد اتفاقية 1972 الموقعة بين موسكو وواشنطن والتي كان تقتصر على الدفاع عن بعض الأهداف الاستراتيجية في كلا البلدين، وهو ما أنهته استراتيجية الدرع الصاروخي التي أعلنتها أمريكا وأقرت فيها الدفاع الشامل عن جميع أراضي الولايات المتحدة مما أدى بروسيا للإعلان عن بدء تطوير برامجها البالستية بما يتفق مع الاستراتيجية الأمريكية الجديدة، وهو ما اضطر البلدين لتوقيع اتفاقية في أوائل 2002 لتخفيض الترسانة النووية لكليهما إلى الثلثين حتى عام 2012 مما يؤدي لخفض الرؤوس النوية من ستة آلاف رأس نووي إلى ألفي رأس نووي.
ويرى اللواء الهواري ان الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تقتضي استمرار الانتشار العسكري في المناطق الاستراتيجية من العالم مثل الخليج وآسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا، والتي يمكن من خلالها ان تحقق أهدافها الاستراتيجية، ومن ثم نجد تزايد اتجاه الولايات المتحدة لتدعيم قوتها العسكرية في منطقة آسيا الوسطى للسيطرة على مصادر الطاقة والبترول والتي يمكن ان تكون مصدرا منافساً لبترول الخليج.
ويؤكد الهواري ان الصين بدأت تأخذ اتجاها نحو تطوير قوتها العسكرية بعد أحداث سبتمبر وإعلان أمريكا حربها ضد الإرهاب، فقد زادت نسبة مشترياتها من الأسلحة الروسية بنسبة 50% خلال عام من أحداث سبتمبر وهو ما يؤكد رغبتها في تحديث قوتها العسكرية في ظل السيطرة الأمريكية العالمية وإحساسها بالخطر من واشنطن بسبب الدرع الصاروخي الذي تصر أمريكا على تنفيذه في فترة الخمس السنوات القادمة.
تغيير إستراتيجيات
ويرى اللواء طلعت مسلم ان أحداث 11 سبتمبر غيَّرت العديد من خطط الاستراتيجية الدولية للقوى العظمى في العالم وعلى رأسها روسيا والصين والاتحاد الأوروبي وحلف الاطلنطي وحتى على مستوى بعض دول العالم الثالث، فعلى مستوى الدول العظمى حاولت تلك الدول دراسة الموقف الأمريكي بترقب وحذر بعد تفجيرات نيويورك وواشنطن فقد حاولت روسيا اظهار نفسها كحليف شريك لأمريكا طوال الأزمة، وبعد ذلك غازلت الولايات المتحدة لاقتناص دور لها على خريطة العالم التي بدأت أمريكا تقسمها جزءاً بجزء، وهو ما أدى لاعلان أمريكا خططها الدفاعية المسماة بالدرع الواقي، وعلى الجانب الآخر أعلنت روسيا حذرها من التهور الأمريكي وهو ما أدى لتجميدها اتفاقية 1972 والخاصة بالحد من انتشار الأسلحة البالستية، وقد أدى هذا الموقف لانفتاح روسيا على بعض دول العالم الثالث واستعدادها لاستكمال المشروع النووي الخاص بإيران وهو ما اعترضت عليه الولايات المتحدة بشدة.
وفيما يتعلق بالاتحاد الأوروبي الذي بات أداة لينة في يد واشنطن بعد أحداث سبتمبر، فمازال أعضاؤه في حيرة من استمرار دعم أمريكا أو رفضهم للقيام بدور منسق العلاقات الخارجية لواشنطن وبسبب سيطرة أمريكا على بعض الدول في الاتحاد أصبحت خطط الاتحاد الأوروبي تتماشى استراتيجياً وفقاً لخطط الولايات المتحدة دون أي اعتراض وهو ما أوجد لها دور المكمل لما تقوم به واشنطن تجاه دول العالم.
أما بالنسبة لتأثير استراتيجيات أمريكا بعد 11 سبتمبر على دول العالم الثالث فيرى طلعت مسلم ان تلك الاستراتيجيات جعلت دول العالم الثالث دون استثناء في ريبة من الخطوة الأمريكية التالية، بعد 11 سبتمبر مباشرة أخذت كل تلك الدول تؤيد حرب أمريكا ضد الإرهاب خوفاً من أي ضربة لاحداها، وبعد ضرب افغانستان أخذت تلك الدول تعد عدتها خوفا من الخطوة التالية وبعد اعلان أمريكا مشروعها الدفاعي المسمى بالدرع الصاروخي ازدادت هواجس دول العالم الثالث بعد ان زادت قوة أمريكا وأصبحت تدعم استراتيجية الذراع الطويلة. والآن وبعد استعداد أمريكا لضرب العراق تحاول بعض تلك الدول تدعيم الموقف الداعم للولايات المتحدة خوفا من الخطوة القادمة، وسوف تظل أمريكا بتلك الاستراتيجية تمثل دور الشرطي الماهر الذي يقود العالم خطوة بعد خطوة حتى تصبح دول العالم مدينة بالولاء والطاعة والخوف لواشنطن.
إستراتيجية معسكرة
يقول محمد عبدالسلام خبير الشؤون العسكرية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ان أحداث 11 سبتمبر جعلت الأمن هو الهدف الأول الطاغي على استراتيجية الولايات المتحدة العامة وان الأمريكيين أصبحوا يرون كل شيء من منظور الأمن وفي هذا الإطار ظهرت إجراءات أمريكية عديدة خلال العام الماضي تحت إطار حماية الأمن القومي الأمريكي أبرزها استحداث وزارة للأمن الداخلي وتكليف الجيش الأمريكي بمهام أمنية داخلية وبدأت الولايات المتحدة خوض حروب خارجية ضد ما تسميه جماعات إرهابية تهدد الأمن القومي الأمريكي وبدأت في ذلك بضرب تنظيم القاعدة في أفغانستان المتهم الأول بتنفيذ أحداث 11 سبتمبر وهي الآن على وشك خوض حرب العراق لنفس الغرض.
وأكد عبدالسلام ان الاستراتيجية الأمريكية بعد 11 سبتمبر يمكن القول إنها أصبحت استراتيجية معسكرة ذات طابع أمني متكامل، وقال إن الولايات المتحدة تتعامل مع كل دول العالم على أساس من هذه الاستراتيجية التي بلورتها في مبدأ من ليس معنا فهو علينا وتصنيفها لدول العالم على أساس محور للشر ومحور للخير، ولا شك ان سيطرة اليمين الأمريكي على الإدارة الأمريكية أعطى تأثيراً يتصف بالعنف في سياسة أمريكا وعلاقاتها بالدول الأخرى وهو ما غيَّر من طبيعة علاقاتها مع دول كانت تتصف بالحليفة لكونها لم تتوافق مع الأهداف الأمريكية في حين ظهرت لها علاقات مع دول جديدة لمجرد تقدميها مساعدات في الحرب الأمريكية على الإرهاب، وبوجه عام أصبحت التحالفات الأمريكية في حربها على الإرهاب قليلة جداً وتكاد تكون تقتصر حالياً على بريطانيا وكندا واستراليا في حين تصاعدت أصوات كثيرة تعارض السياسة الأمريكية الخارجية وتوترت علاقاتها مع دول كثيرة.
وأشار محمد عبدالسلام إلى أن أحداث 11 سبتمبر مثلت انقلاباً عاماً في الاستراتيجية الأمريكية تحت هدف واحد هو حماية الأمن القومي الأمريكي، وقال إن السؤال الذي يطرح نفسه الآن وبعد مرور عام كامل على الأحداث هو هل نجحت الولايات المتحدة في تحقيق ذلك؟، والإجابة كما تشير إليها الوقائع هي (نعم) فلم تحدث أي هجمات مماثلة طوال هذا العام باستثناء بعض الأحداث الصغيرة وقد نجحت الولايات المتحدة في تفكيك تنظيم القاعدة مصدر التهديد الأول لها وتتبعته في مناطق كثيرة ولا شك ان المعيار الذي سيتحدد على أساسه مدى نجاح الولايات المتحدة في حماية أمنها القومي هو يوم 11 سبتمبر 2002 والفترة التي تليه فإذا كان هناك بقية للقاعدة ونية لتنفيذ هجوم ضد أمريكا فسينفذونه في هذا اليوم وحجم هذا الهجوم هو الذي سيحدد قدرة القاعدة الباقية وقدرة الولايات المتحدة على التصدي لأي هجوم ضدها.
وأضاف: أعتقد ان القاعدة لم يعد لها القدرة على تكرار أحداث 11 سبتمبر ولا حتى القيام بأعمال متوسطة من هذا القبيل ولكن ما زال لديها القدرة على القيام بأعمال إرهابية، فتنظيم القاعدة قبل ذلك كان قوياً بما فيه الكفاية لتنفيذ الأحداث، بل كان أضخم مما تصورته أمريكا بالفعل وهذا ماجعلها تلاحقه في كل مكان وقد أفقده هذا الكثير من قوته.
وأخيراً يبقى للولايات المتحدة اختبار آخر لاستراتيجياتها الجديدة لحماية أمنها القومي في حالة ضرب العراق وهو قدرتها على التصدي لردود الأفعال العراقية والتي قد تصل إلى حد استخدام أسلحة دمار شامل أو أسلحة كيماوية وبيولوجية ضد الولايات المتحدة كرد فعل على الهجوم خاصة ان النظام العراقي سيحارب بكل قوته من أجل بقائه ولن يمنعه شيء من استخدام هذه الأسلحة إذا أحس بقرب نهايته.. وأعتقد أن الولايات المتحدة ستؤمِّن نفسها كثيراً ضد ردود الأفعال العراقية المحتملة وان لديها استعداداً كبيراً للتصدي لأي هجمات متوقعة عليها.
|