Sunday 8th September,200210937العددالأحد 1 ,رجب 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

مَنْ المسؤول؟ مَنْ المسؤول؟
أم محمد بن عبد الله الدوسري

* القطرة الأولى من الواقع
عبدالرحمن طفل في العاشرة من عمره كل الظواهر تؤكد أنه طفل موهوب ومميّز كان متفوقا في دراسته وكان يرسم رسومات جميلة ويقصها بشكل فني جميل وكان خطه جميلاً ومتفرداً. عبدالرحمن يعيش مع أسرته.
أمه وأبوه وإخوته عائلة عادية متوسطة الدخل. كان له أخ كبير يبلغ من العمر 38 سنة كان فظاً معقدا جلفا قاسيا كالحجر وكان يفرز عقده ويفجرها في هذا الطفل الصغير الذي لاحول له ولاقوة. عبدالرحمن أصغر الأطفال في البيت فجعله وكأنه خادم له بل عبد اشتراه كان يأمره بغلظة ويقول: هات من البقالة اطلع، رح وكان عبدالرحمن يخاف من هذا الجلف لدرجة الرعب وخاصة ان والدته سيدة طيبة مسالمة لاتحب المشاكل وكانت تخشى عندما يشتكي عبدالرحمن ان يصل الأمر للاشتباك بين الوالد وهذا الجلف فكانت تقول دائما وهي خائفة وبصوت منخفض اسكت اسكت، وكانت تقول للوالد عندما يضجر وينفد صبره: اتركه يربيه هو الذي يصرف رغم أنه كان يعطيها شيئاً من راتبه فتجمعه له فيسكت الوالد لأنه كان يخضع لهذه السيدة الطيبة التي لاتعرف ما نتيجة كل هذا على عبدالرحمن الذي لايجد من يناصره ويقف معه ضد هذا الظلم وضد هذا الرعب فعظمه الغض لا يحتمل كل هذا، وعاش طفولته ومراهقته تحت سيطرة وضغط هذا الجلف.
وذات مرة وهو في الرابعة عشرة من عمره دعا صديقه إلى المنزل وأجلسه في المجلس المتواضع وأحضر الشاي ليقدمه لصديقه كان فرحا مبتسماً وبينما هو يقدم الشاي لصديقه إذ هذا الجلف المعقد يدخل عليه كالثور الهائج وأخذ يجره ويصفعه ويصرخ: اخرج أنت وبزرانك عن المجلس وبكى عبدالرحمن لوحده ولم يستطع ان يدافع عن نفسه ولم يجد أحداً يشتكي له وينصفه من هذا الثور الهائج المتجرد من الرحمة والشفقة، فالأم دائماً اسكت اسكت والأب مهما ضجر في الأخير يخضع لها. كبر عبدالرحمن وهو يحمل كل هذه الترسبات وأصبح شاباً في السابعة عشرة من عمره وأحب هواية جديدة وهي العزف على العود، واشترى عوداً وأخذ يعلم نفسه بنفسه وأصبح يعزف مقطوعات جميلة لايصدق الذي يسمعها أنها لمبتدئ، فكان يعزف أغاني لأم كلثوم ولفريد الأطرش ولعبدالوهاب فأصبح العود معاناة أخرى تضاف لمعاناته من الجلف أخيه فهو يعيش في مجتمع يرى العود عيباً ومهانةً، ومن يحمل عوداً ينظر له بريبة، فكان عندما يريد ان يخرج بالعود لمكان مايغطيه ببطانية ويخرج ويتلفت ويتفقد الشارع كي يتأكد أنه لايوجد أحد وبعد ذلك يحمله بسرعة وهكذا عندما يعود يلفه ببطانية ويدخله وكأنه يحمل جرماً كبيراً وطالما تذمر من جدته العجوز التي تأخذ مكانا متميزا بفناء المنزل!! تخرّج عبدالرحمن بامتياز من معهد إعداد المعلمين وعمل مدرساً.
وتزوج من امرأة غيورة وتحب المظاهر ونكديّة وهو حساس وعانى مشاكل وكان يريد من ترفده وتسنده معنويا!! مرت سنوات وأراد أن يبني له مسكناً كغيره ممن كانوا في سنه وبالفعل اشترى أرضاً وحصل على القرض ولكنه لم يستطع ان يكمل بناءها فتدين من عدة جهات فحلت الأقساط فحاصرته في المدرسة والبيت فباعها والألم يعصر قلبه فهي كانت حلم العمر وسدد بثمنها الأقساط والدين ولم تكفِ!! توفيت والدته التي كانت ترفده في أزماته وتخلى عنه أصدقاؤه واخوته في محنته، وضاقت به الدنيا فأصابه اكتئاب وملّ من عمله، فأصبح يتغيب بكثرة وهدد بالفصل فقدم استقالته وأخذ حقوقه البسيطة، وسدد بها بقية الديون وجلس بدون عمل، ومع هذه الأزمات وتفجّر ترسبات الطفولة وجروحها وضغط الزوجة وعدم تفهمها انهار وأصيب بانفصام شخصية وضاعت حياة كانت واعدة بالفن والإبداع، وأصبح عاطلاً وأطفاله الثلاثة ينتظرون المساعدة من أهل الخير ولا حول ولا قوة إلا بالله.
القطرة الثانية:
بعض دكاترة الأدب دخلاء عليه وخاصة من كان منهم نكرة مازال صغيراً أجوف يعتقد أنه وحده هو الذي يجب ان يحصل على لقب دكتور وان هذا اللقب لا يجوز ان يستحقه إلا هو فقط وحده. وتجد هذا النوع منفوخا ومعقدا ولايستطيع أحد ان يتفاهم معه فهو مغلق ومفاتيحه صعبة. وهذه النوعية متعجرفة وتعتقد أنها الكاملة والفاهمة والحاكم في مصاير خلق الله؛ لذا تجده وبجرة قلم يحكم على مستقبل شخص بالنهاية بسبب غطرسته وضيق أفقه وموت ضميره ونوم ذمته وقبل هذا أمنه حتى من المساءلة!!!
وان قدّر لك ورماه القدر عقبة وعثرة وعرة وقذرة في طريقك فقل لاحول ولاقوة إلا بالله فهذه النوعية الفائضة بالسموم والأحقاد والضغائن والعُقد، الويل كل الويل لمن اقترب منها حتى للاستفسار أو المفاهمة. وفي المقابل نجد نوعية عظيمة موسوعة في الثقافة والأدب والشعر والنقد له مؤلفات وبحوث عظيمة أخذت سنوات من الجهد والبحث والتنقيب تجده في قمة التواضع وقمة الأخلاق وقمة التفاهم وتكون أحكامه واعية ونابضة ونابعة من فيضه وامتلائه بالفكر والمعرفة.
القطرة الثالثة:
مازالت تشدني في حروف حمد القاضي نقاوته فمن الصعب ان تجد نقاوة بهذا الصفاء الكامل وتستمر مع صاحبها كما استمرت مع حمد القاضي فبعض الأقلام تبدأ نقية نزيهة ولكن مع تغيرات الحال والمزاج تبدو تغزوها الشوائب لكن نقاوة حمد نادرة وفريدة وقلّ ان يجود بها الزمان.
القطرة الأخيرة:
حسن التخلص في القصائد يدل على حذق الشاعر واتساع قدرته بحيث لا يشعر السامع أو القارئ بالانتقال من المعنى الأول إلا وقد وقع في الثاني ومن أجمل ما قرأت في هذا عندما حرك الشاعر شوق المتلقي لمتابعة غرامياته والإصغاء الكامل بكل حواسه له، فالشاعر رأى بين أطلال النقا ورماله بدرا ملك القلب عند تمامه واقترب منه، والتمس الوصال بجفنه الساحر فشغله خاله العجيب!! ثم أماط اللثام فأشرق البدر بكل تمامه، وأدبر النحس وأقبل السعد، وتكسرت الغصون المائسات شغفاً وإعجاباً بحسن دلاله!! وفاز الشاعر بلقاء الحبيبة، والمتلقي مشدود وفي غمرة تفاعله يوقظه ويخبره أنه فرح بها فرحا لايعادله إلا فرحه بممدوحه أحمد فقال:


فَدُهِشْتُ مِنْ فَرَحِي بِهِ فَكَأنَّنِي
شَاهَدتُ (أحمدَ) عندَ بَذْلِ نَوَاِلِه

أم محمد بن عبدالله الدوسري

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved