برعاية كريمة سامية من لدن سمو ولي العهد تقيم قريباً وزارة المعارف ندوة حول ماذا يريد المجتمع من التربية. نأمل أن تؤدي هذه الندوة إلى مكاشفة صريحة تدفع بقضية (التعليم) من جديد لتصبح في بؤرة اهتمام المجتمع وعلى اجندة أولويات صانع القرار السياسي في بلادنا الذي يجب ألا يخالطنا فيه شك هو أن التعليم سوف يبقى دائما هو الخيار الوحيد أمام أي أمة تريد أن تكون أو لا تكون.لا يمكن ان نتحدث عن تخلف التربية أو تقدمها في معزل عن طبيعة مجتمعها، وأعني بذلك ثقافة مجتمعها وما وقر وترسخ في أذهان أفراده من قيم وسلوكيات وعادات. إنه ليحزنني ونحن نتطلع الى تعليم يقربنا من المستقبل الحلم أن نرى مجتمعنا
لا يزال يطالب التربية ويشكلها بمطالب متدنية هابطة. ما رأيك في مجتمع لا يكف عن مطالبة التربية بإجازات مدرسية أطول وأعمال تعليمية أقل، بل ويرغب في تعديل التقويم المدرسي ليناسب تراخيه ومواسمه في السياحة والصيد، ماذا تتوقع من مجتمع يطالب بمساواة المعلمين بالموظفين، فهو يمتعض لأن المعلمين لا يقرؤون الصحف في مكاتبهم كل صباح ولا يخرجون لقضاء حاجاتهم كلما عنَّ لهم. يجب ألا نقارن التعليم بأي نشاط وظيفي آخر، إنه أداة الأمة الفاعلة والوحيدة في إحداث التغييرات المأمولة. ومن المحزن ايضا ان ترى المجتمع يلح باستمرار على المسؤول التعليمي بتخفيض نصاب المعلم، واختزال الأنشطة المدرسية، ويحتقر أي صوت ينادي بتقديم أعمال تطوعية إبداعية. من جهة أخرى يريد بعض أفراد المجتمع أن يتعامل مع مسؤول تعليمي يسهل اختراقه وإدارته من المنزل بواسطة الهاتف وقصاصات الأوراق، وهو أمر يتم تمريره غالباً تحت غطاء الشفاعة الحسنة، و«من ولي من أمر المسلمين أمراً.. الخ» يريد بعض أفراد المجتمع من التربية أن تعفيه تماما من مسؤولية تعليم وتربية أبنائه لتتولى هي الأمر برمته، كما يريد بعض المتنفذين في المجتمع من التربية أن تحقق مطالبهم بفتح مدارس جديدة دون ضابط تربوي عقلاني ليسهموا بذلك في شرذمة مدارسنا ونثرها في الصحاري والجبال والأودية، مع علمهم بأن هذا يأتي على حساب المصلحة العليا ومقدرات تعليمنا المحدودة.لن يخرجنا في الوقت الراهن من مأزق التربية المجتمع إلا إرادة سياسة تتفهم القرار التربوي وتدرك مضامينه وأبعاده الوطنية وتدعمه بكل قوة ممكنة. وفي ظني أنه لم يحن الوقت بعد لطرح السؤال: ماذا يريد المجتمع من التربية؟
(*) أستاذ المناهج المشارك بكلية المعلمين بالرياض
|