* إنها كارثة صحية حقيقية، وعلينا التنبه إلى ان ثلث المجتمع السعودي اليوم، معرض لهذا الخطر الكبير بكافة المقاييس، وعلينا أن ندرك بوعي ومسؤولية، ان الأمر خطير جداً، ولكن المواجهة سهلة وميسرة، وهي بأيدينا لا بأيدي غيرنا، هذا إذا ملكنا الجرأة الكافية، وتجاوزنا حسابات العادات والتوقعات غير العلمية ولا المنطقية.
* إن مرض «فقر الدم الوراثي»، الذي يتناوب على مهمته في تكسير وتدمير دم الإنسان، ثنائي خطير يسمى: «المنجلي والثلاسيميا»، يعد بالنسبة لنا في هذه البلاد، حقيقة أخطر من مرض «الايدز»، فإذا كان هناك مئآت أو آلاف، من المصابين ب«الايدز» على سبيل المثال، فإن ملايين الناس اليوم في المجتمع السعودي، حاملون لمرض «المنجلي والثلاسيميا»، أو مصابون به، أي ان «30%» من سكان المملكة، مهددون بهذه الكارثة!..
* أنا لا أتكلم من فراغ، ولكن هناك دراسات واحصاءات وشهادات، من أطباء ومسؤولين وعلماء سعوديين، توضح هذه الحقيقة المرة، وهي بمجملها هنا، تدق ناقوس الخطر.. فماذا فعلنا..؟ بل ماذا نحن فاعلون، لأننا في الحقيقة لم نفعل شيئاً يذكر على الاطلاق!..
* مما تقول به دراسات ميدانية أعدتها لجنة «خدمة المجتمع» بمحافظة الاحساء، عام «1992م»، وهي لجنة تطوعية لها أعوان في كافة مدن المملكة.. الآتي:
* إن المملكة، هي من أعلى المناطق في العالم كافة، إصابة بهذا المرض الخبيث، الذي يتمثل في «الانيميا المنجلية والثلاسيميا»، والنسب بين «حامل» للمرض، أو «مصاب» به في مجتمعنا، هي كالتالي: «الشرقية 30%، وجازان 20%، والقنفذة 18%، وخيبر 14% والعلا 13%، وبيشة 10%، ومكة 5%، والباحة 3%، وينبع 3%، ونجران 3%، والسليل 3%، والرياض 2%».
* وهذه نسب مرتفعة للغاية، خاصة في المنطقة الشرقية كما رأينا، لكن ما «المنجلي»؟.. وما «الثلاسيميا»؟
* يقول الطب بأن «الانيميا المنجلية طفرة جينية تؤدي إلى تحول خلايا الدم الحمراء إلى خلايا منجلية، عند تعرض المريض لنقص الاكسجين فتفقد مرونتها وتصبح قاسية، وتزداد لزوجة الدم، مما يؤدي إلى انسداد الشعيرات الدموية، وتكسر الدم ونهاية فاعليته».
* والمحزن في الأمر، ان العالم كله، لم يستطع التوصل إلى علاج لهذا الوباء الفتاك، وكل ما هنالك مسكنّات ومهدئات حتى تحل الوفاة بالمصابين!!
* أما «الثلاسيميا» فهو «مرض يصيب بعجز في نخاع العظام عن وظيفة تصنيع كمية كافية من الهيموجلوبين الطبيعي، فتكون كريات الدم المنتجة ضعيفة جداً، وقد تموت قبل خروجها من النخاع».
* والمصاب بهذا الوباء، لكي يتجنب الوفاة به، يحتاج إلى نقل دم متكرر شهرياً، وحياته دائماً في خطر، ويلزمه جهاز مغروس على الدوام تحت الجلد، يعمل على ازالة الحديد الزائد، ولمدة تستغرق «ثماني ساعات» يومياً طوال حياته، وعدم التقيد بهذا، يؤدي إلى تراكم الحديد في بعض أجهزة الجسم، خاصة القلب والكبد والبنكرياس، مما يؤدي إلى فشلها، ووفاة المريض.
* إن هذا المرض بشقيه، «المنجلي والثلاسيميا» يستهدف الأطفال، فقد يصاب الطفل بواحد منهما، أو بكليهما، ويظل طول حياته معاقاً، هذا ان كتبت له حياة.
* إن كثيراً من الناس اليوم، يجهل حقيقة هذا الخطر، الذي هو أعظم من خطر الايدز بسبب الإعلام المنقوص عنه، وبسبب التوعية غير الكافية من قبل وزارة الصحة، مع ان كثيراً من الأسر والبيوت فقدت بعض أفرادها أو تحتضن معوقين بسبب «أمراض الدم الوراثية» والدولة تنفق سنوياً، مبالغ طائلة من خلال مراكز علاج الدم، أو تقديم معونات للمصابين، ففي مركز واحد من عشرة مراكز على مستوى المملكة يجري انفاق «7 ملايين ريال» سنوياً.
* تقول تقارير طبية انه في عام «1421هـ» راجع المراكز الصحية والمستشفيات عموماً، «45390» مراجعاً، منهم «5 ،89%» مصابون بفقر الدم المنجلي، ويحتاجون بصفة دائمة إلى «25%» من مخزون بنك الدم.
* أما التوقعات المطروحة اليوم، فإنها مفجعة ومخيفة، إذا لم نسارع إلى الحل «الوحيد المتاح» الذي لا يكلف شيئاً؟.. ما هو الحل..؟ سنعرف لاحقاً.
* سوف يصل عدد المصابين والحاملين لمرض «المنجلي» وحده خلال هذا العام «1423هـ» في أربع مناطق فقط، إلى هذه الأرقام: الشرقية «734982»، الجنوبية «291952»، الغربية «360061»، الوسطى «58072»!.
* وسوف تصرف الدولة اعانات لهؤلاء تقدر ب«362 مليون ريال»!.
* أما الأرقام الأكثر سوداوية في هذه القضية، فهي التي تتحدث عن ضحايا فقر الدم المنجلي من السعوديين في «30 عاماً» انظروا:
1 بيننا اليوم أكثر من «مليون ونصف مليون» مصاب.
2 بعد عشر سنوات، يصبح بيننا أكثر من «مليوني مصاب».
3 بعد عشرين سنة يصبح بيننا أكثر من «ثلاثة ملايين مصاب».
4 بعد ثلاثين سنة، يصبح بيننا أكثر من «خمسة ملايين مصاب».
5 بعد أربعين سنة، يصبح بيننا أكثر من «ثمانية ملايين مصاب».
6 بعد خمسين سنة، يصبح بيننا أكثر من «اثني عشر مليون مصاب».
* ولنتذكر جيداً ان هذه الأرقام، تمثل الأطفال وصغار السن، أي ان المجتمع السعودي، مرشح لأن تصبح غالبيته في المستقبل، من «العواجيز» وكبار السن!.
* يا للهول!!
* أما تكلفة الاعانة التي سوف تقدم من الدولة لهؤلاء الضحايا فإنها سوف تصل إلى «8 مليارات ريال»!.
* كيف ينتشر هذا الوباء الخطير؟
* إنه ببساطة متناهية، مرض «وراثي» ينتج عن تزاوج بين طرفين حاملين له أو مصابين به، والخطورة تقل كثيراً في حالة اقتران طرف سليم، بآخر حامل أو مصاب، وإليكم هذا التوضيح:
أ سليم x سليم = أطفال جميعهم أصحاء.
ب حامل x سليم = أطفال جميعهم أصحاء.
ت حامل x حامل = بعض الأطفال مصابون.
ث حامل x مصاب = بعض الأطفال مصابون.
ج مصاب x مصاب = جميع الأطفال مصابون.
* إن السبب الرئيس في تنامي خطورة هذا المرض في المملكة، وجعلها على رأس القائمة معاناة منه في دول العالم، هو: «عدم اشتراط فحص الدم من الطرفين المقبلين على الزواج قبل عقد الزواج».. والعلاج وحده، يكمن في قلب هذه الوضعية، بحيث يصبح فحص الدم وراثياً، شرطاً ملزماً لعقد الزواج.
* لقد صدر قرار من مجلس الوزراء في يوم الاثنين «4 من محرم 1423هـ» ينص على تنظيم فحوص ما قبل الزواج تحوطاً من الأمراض المعدية والوراثية، ووجّه وزارة الصحة بالاستعداد «مخبرياً وتدريبياً» لهذه المهمة، مع تقديم الدراسات العلمية، ولكن الوزارة حتى اليوم لم تفعل شيئاً ذا بال، مع تفاقم الخطر من هذا الوباء الذي لا ينتظر أحداً، والأمر يتطلب التعجيل بحل أساس، يربط عقد النكاح، باستمارة فحص طبي رسمي دقيق، لمبررات مهمة وملفتة، اجمع عليها مسؤولون وأطباء ومتخصصون كثر، منهم «60 طبيباً» سعودياً، وقّعوا وثيقة تنذر بكارثة حقيقية، إذا لم نفعّل قرار مجلس الوزراء بأقصى سرعة، منها: «إن المرض ينتشر بنسب كبيرة» و«ان عدم الفحص هو السبب»، و«ان المختبرات في الصحة جيدة وقادرة على القيام بهذه المهمة»، و«أن الناس لديهم وعي واستعداد لذلك، و«ان فرصة الزواج الآمن متاحة في حالة الفحص وربط عقد النكاح به».
* وفي المقابل، فإن محاذير التأخير، في تطبيق قرار الفحص الالزامي مفجعة، انظروا: «تأخير يوم واحد، يعني ولادة 12 مصاباً كل يوم، وتأخير عام واحد، يعني ولادة 4248 مصاباً بكل عام» أعنى مصاباً، أما أعداد الحاملين للمرض، فقد تكون أكبر!..
** والتأخير في تطبيق قرار الالزام يقابله تزايد مستمر في عدد الضحايا، «حاملين للمرض ومصابين به»، ويذكر بمزيد من صور قد نراها لنعوش تحمل الضحايا إلى قبورهم، ويقابله كذلك، هدر كبير للمال العام، على شكل اعانات حكومية للمعاقين والمرضى، في حين ان الفحص المخبري للدم، لا يكلفنا شيئاً، فهذا هو الحل الوحيد المتاح، وهو في المتناول بثمن زهيد.
هناك دول سابقة لنا، شعرت بحجم الكارثة مثل «قبرص»، وقد أخذت بحل الفحص الإلزامي منذ عشرين عاماً، وتخلصت من أي حالة مرضية جديدة، وأصغر مصاب لديها اليوم عمره «عشرون عاماً»! كما ان مملكة البحرين، ودولة فلسطين، شرعتا في تطبيق هذا الحل بنجاح، ونتذكر جميعاً هنا، كيف ان وزارة الداخلية في المملكة كان لديها شعور قديم بهذا الأمر، فقد صدر عنها قرار عام 1415هـ يلزم طرفي الزواج «السعودي وغير السعودي» بفحص مخبري للدم، واليوم جاء الوقت لكي نطبق هذا بين طرفين «سعودي وسعودي».. فماذا ننتظر يا ترى، وماذا نحن فاعلون؟!
* لقد سبق ان وجّه خادم الحرمين حفظه الله ديوان مجلس الوزراء بدراسة «إلزام الفحص الطبي للسعوديين والسعوديات قبل الزواج» وهذا دعم مهم للدفع نحو الحل، والمؤمل اليوم، صدور قرار إلزامي صريح من مجلس الوزراء يضع وزارتي الصحة والعدل أمام أكبر وأعظم مسؤولية تمس حياة المجتمع في المملكة.
* لقد اطلعت مؤخراً على تقارير لا تخلو منها منشورات وزارة الصحة، وأخرى من قبل «لجنة خدمة المجتمع» في الاحساء، وكلها تحمل آراء «دينية وطبية واجتماعية وثقافية ورسمية»، تحذر من هذه الكارثة، وتطالب بتسريع صدور قرار، يجعل الفحص الطبي للدم، إجراء ملزماً لكل طرف مقبل على الزواج، وهذا لا يعني ان «كل حامل للمرض أو مصاب به إنسان محروم من الزواج»، ولكن الطب ينظم العلاقة بين الطرفين، بحيث يكون واحد منهما سليماً على أقل تقدير، وهذا حتى لا يصبح ملايين الناس من السعوديين في المستقبل، بين معاق يعال، أو مقعد ينتظر الوفاة في أقرب فرصة. إن أملنا كبير جداً في غيرة سمو نائب خادم الحرمين الشريفين الأمير عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله وحرصه وعنايته بأبناء شعبه، ونحن نقدر ما يحمله باقتدار من هموم جسام عظام.
|